الخميس ، ٢٥ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:٢٥ صباحاً

دقة ساعة الاعتذار

عاصم السادة
الاربعاء ، ٢٩ أغسطس ٢٠١٢ الساعة ١٢:٤٠ مساءً
لقد كان إجماع اللجنة الفنية التحضيرية للحوار الوطني الشامل على ضرورة الاعتذار للجنوب وصعده من قبل الأطراف السياسية والقبلية والعسكرية وكذا الدينية منها والتي تسببت خلال الفترة الماضية من حكم الرئيس السابق علي عبد الله صالح في إذكاء فتيل الحروب ضدها على غرار مقاصد سياسية ودينية و"منافعية" بحته.. فضلاً عن استلاب الحقوق الخاصة والعامة وتحويلها للصالح الشخصي وإقصاء وإبعاد لأبناء تلك المحافظات من وظائفهم العسكرية والمدنية، يعد قراراً صائباً يبشر بنتائج ايجابية مثمرة تمكن اللجنة التحضيرية في التواصل مع بقية فصائل الحراك الجنوبي للمشاركة الفاعلة في الحوار الوطني إذ يتوجب على جميع القوى السياسية الالتزام به والاعتراف بما اقترفوه من ذنب بحق الجنوب وصعده وبحيث يكون الحوار القادم ناجحاً وملبياً لمتطلبات الواقع اليمني بكل احتياجاته ومرضياً لكل الأطياف بكافة مكوناتها السياسية والاجتماعية الثقافية بل ويحافظ على وحدة الصف اليمني شمالاً وجنوباً ويجنب البلد من منزلق الانفصال والتشرذم والدخول في أتون صراعات وحروب قد تكرر الحالة الماضية ونكون بذلك خسرنا نصف جنوبي وجزء شمالي ونصبح على ما فعلنا نادمين ..

ومع ذلك ثمة قوى "سياسية دينية" لا تزال مترددة أمام هذا الإجماع بل ترفضه لكونه يتعارض مع منهاجها المذهبي وأيدلوجياتها الدينية بل والسياسية اذ تجعل من الاعتذار للجنوب وصعده اعتراف صريح بارتكابها حماقات ضد هؤلاء وتظن أن ذلك قد يوقعها في فخ يعطي الحق للمجني عليهم مقاضاة الجاني على فعله على أساس هذا الاعتذار..وبالتالي فان هذا الأمر لا يؤسس لقاعدة حوار وطني ناجع يقوم على حل كل الإشكاليات أياً كانت بين الفرقاء بل تزيد من حدة الاحتقانات المذهبية والطائفية بينهم وتوسع الفجوة العدائية في وقت يستدعي من كافة الأطراف تجاوز الماضي ومخلفاته والوقوف أمام مسؤولية وطنية يتحملها الجميع على عاتقة لإخراج البلد من مأزقه الواقع فيه وانتشاله من براثن التفكك والتمذهب والمناطقية والعنصرية المقيتة ..

فها هي "الجماعة السلفية" ترفض بشدة الاعتذار لجماعة الحوثي في صعده فيما جماعة الإخوان المسلمين بكل مكوناته القبلية والعسكرية والدينية والسياسية –ايضاً- تمانع وتتهرب من تقديم الاعتذار للجنوب اليمني لكونه كما يعتقدون إدانة لها قد تخضعها للمسائلة القانونية والمحاكمة في المستقبل أي ما بعد الحوار..

وهذا ما يبدو لنا من هاذين التيارين الدينيين ولاسيما في تملصهما من مسألة الاعتذار إذ أنهما لا يزالا يفكران بأن ما قاما به في مطلع التسعينيات والألفية الرابعة حتى العام الماضي أكان في الجنوب أو الشمال "صعده" هو عين الحق والصواب بل أنهما مأموران بأمر الله القيام بذلك..!!

وفي المقابل فأن إصرار حزب الإصلاح (الإخوان المسلمون) على عناده بعدم تقديم الاعتذار لأبناء الجنوب اليمني يؤكد لنا بعمق الحقد الدفين الذي مازال ساكن في أجندت هذا الحزب وذوات قيادته بل ويوحي لنا انه لا يزال لديه مشاريع صغيره وخبيثة يسعى لإنتاجها في الوقت الراهن حيث يبدو أنها ستكون مشابهه إلى حد ما لحرب صيف 94م أي مشرعنه بأغطية دينية والسياسية وعسكرية ضد أبناء الجنوب ولكن بأساليب سرية "من تحت الطاولة" بحيث لا يكرر أخطائه مرة أخرى .. فمن أباح دم أبناء الجنوب عبر الفتاوى الدينية ولاسيما في حق الاشتراكيين آنذاك هو اليوم يمارس ذات الطريقة والأساليب بحق هؤلاء ولعل ذلك واضح من تصرفاتها مع الحراك الجنوبي في الوقت الحاضر..

فلو تؤمن هذه الأحزاب السياسية والتيارات الدينية والقوى العسكرية بالثابت الوطني الوحدة اليمنية وقيم حب الوطن وتخشى عليه من الشتات والتمزق والتشرذم فما عليه إلا أن تستجيب لمطالب الجنوبيين والحوثيين وتعتذر لهما عن ما بدر منها في 94م جنوباً وتسحب فتاويها وتعيد للمظلومين مظالمهم فوراً بالإضافة إلى ست حروب شمالاً وبالتالي فان الاعتراف بحد ذاته فضيلة ليس فيه انتقاص ولا أدانه بل فيه حفظ لليمن ووحدته واستقراره..

فها هو المؤتمر الشعبي العام كحزب والذي كان شريك أساسي في تلك الحرب لم يتوان عن تقديم اعتذاره لما حدث في ذلك اليوم المشئوم ..وهذا الأمر يحسب "للمؤتمر" كخطوة ايجابية تمحي من سجله التاريخي نقطة سوداء..

لذا.. حان الوقت لان يعتذر الجميع اليوم قبل غداً للجنوبيين خاصة وان الحوار الوطني يطرق الأبواب في الوقت الذي يرفض الحراك الجنوبي المشاركة فيه إلا بعد الاعتذار له من كل الأطراف المشاركة في الحرب ضده..فمتى يعي حزب الإصلاح وأصحاب الفتاوى وجناحه العسكري أن ما هو حادث في الشمال والجنوب اليمني هو من نتاج فتاويكم الدينية وآلياتكم العسكرية وغلكم السياسي والمذهبي للجنوبيين والحوثيين معاً..؟!

وإذا لم يسارع "الإصلاح" بكل مكوناته في الاعتذار لأبناء الجنوب اليمني فان الشعب اليمني برمته سيحمله مسؤولية الوحدة اليمنية وما سيلحق بها من تبعات لما من شأنها تؤثر على بقاء الجسد اليمني موحد ..

وفي الأخير ما على الإخوة السلف الصالح وكذا الإخوان المسلمين إلا الاستجابة للأمر الواقع والصفح وطي صفحة الماضي والقبول بالأخر كونه لا مفر من مبدأ التعايش الجمعي مع اختلاف مشاربنا ومذاهبنا وسياستنا وثقافتنا اذ لابد من أذابت تلك الفوارق في قالب واحد ومحيط واحد فمن لا يؤمن بوجود الآخرين لا حياة له ..