الاربعاء ، ٢٤ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٩:٤٣ صباحاً

أرض "الجنتين" و "الجنبيتين"!

عبد الرحمن العسلي
الخميس ، ٣٠ أغسطس ٢٠١٢ الساعة ١١:٥٠ مساءً
أغرق مُحيط القداسة الهائج مجتمعنا فأصبح ، أي المجتمع ، لا يُجيد السباحة الا في تياراتٍ داخل هذا المُحيط الضحل الذي يستمدُ مياهه الثقيلةُ من نهرين جارين : الدين و القبيلة و كلاهما يُجيد مسك معصم << الجنبية>> و لكل شيخٍ ما نوى!

لنعد الى الوراء قليلاً لنستشهدَ أنّ أرض <<الجنتين >> ما كانت لتكون كذلك لولا تكاتف سكان تلك الأرض التي أصبحت سعيدة و إتباعهم لبرامج تنظيمية جعلت منهم يُنتجون لوحات معمارية بنائية في قمة الروعة ، حضارة إمتدت شرقا و غرباً و لازال آثار تجارتهم و إبداعهم يخرج من أجداثه ليُصدِق و يُدافع عن هذه الحقيقة...

أرض <<الجنتين >> كانت تُبنى على أساس دقيق يعتمد على دراسة مناطق القوة و الضعف ، و إستغلال كل هذه العلاقات لبناء كيان واحد قوي يُمثل الأرض و الإنسان ، بينما أرض <<الجنبيتين >> تُبنى فيها الممالك و دولة الخلافة الإسلامية على أساس الحشد و إختراق عقول الناس لجذب أكبر قدر من الولاءات التي غالبا ما تأتي عن طريق : المال و العاطفة الدينية و الجهل...

أرض <<الجنتين >> قدمت للناس مشاريع حضارية و إنتاجاً إنسانياً راقياً ، بينما أرض <<الجنبيتين >> قدمت للناس مشائخ متسولين في بلاد <<البترول>> العظيم لكي ينتصروا لأفكارهم في زحمة التنافس في عالم العولمة و الفضاء المفتوح فكانت مخرجاتهم شعباً جاهلاً و قائمات إرهابية تنافس على صدارتها <<الجنبية>> اليمنية...

أرض <<الجنتين >> كانت تعمل على توازن التعدد و الإنتماءات الدينية فوجدت ديانات مختلفة ، بينما أرض << الجنبيتين>> تعمل على إختلاق الصدامات المخترقة لجسد الإنسجام الديني و الثقافي و المناطقي في الأرض الواحدة ، يُقدمون توغل أفكارهم على أنه << إقامة الحق>> و <<إزهاق الباطل>> فمهدوا لصراعات بين التنوعات الطائفية التي تعايشت على مرور وقت طويل من الزمن...

أرض <<الجنتين >> كانت دولةً تحكم و لا يتدخل في شأنها أحد ، آمنة مطمئنة بعدل نظامها و ساستها الملوك ، أما أرض <<الجنبيتين >> فمصيرها مرتبط بقرارت دول الجوار و ما جاورهم ، خائفة بسبب أبنائها السهام المنطلقة من قرارات ذوي << الجنابي>> ليستبيحوا الأرض إما فتحاً للإسلام و إما فيداً للشيخ ، و لكل ذي <<جنبية>> قداسةٌ تمنح بإسم الله و بإسم العادات و التقاليد...

في أرض << الجنبيتين>> الحُكم لقوة << الجنبية>> و لا صوت للقلم ، إستأثر المبدعون في فقه << الجنابي>> بالمساجد و العساكر و ماتت الكتب و المحابر ، البُندقية أصبحت السلاح الأكثر حناناً و العلم ، كثقافة ، عملٌ فقط لقتل الوقت و تطبيق برتوكولات سائدة ، و خيركم من تعلم القرآن و علمه و ما سوى ذلك تضييع للوقت ، و لا تكترث كثيراً فأنت في أرض << الجنبيتين>>!

أرض << الجنتين >> أصبحت أرض << الجنبيتين >> على حين غفلةٍ من البُسطاء المنشغلين حد الإنفرادية بقوتهم و قوت عيالهم ، لم يجدوا ثانية ليفكروا بالتحالف الأخطر ، تحالف << الجنابي>> الساعي الى إهدار التنوع عن طريق إرهاب الفكر بإسم الله و إرهاب الفكر المدني بثقافة الرصاص ، فأصبحت النتيجة كما نرى الآن : نهاية كل حوار حرب طاحنة ، أنبياء تلك الحرب ثلاثة وجوه بكتبٍ مُقدسة : شيخ الدين ، شيخ القبيلة ، و جنرال حرب ...