السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٩:٤٣ صباحاً
الجمعة ، ٣١ أغسطس ٢٠١٢ الساعة ١٢:٤٠ مساءً
في هذه القبور الفسيحة المطلية بالقار الأسود، لا يوجد سوى نحن وأرواحنا التي، أدمتها الجروح..إنّ أرواحنا تنتفض طمعاً بالخروج. في هذه القبورلا تسجل سوى الجدران أصواتنا الحزينة، لا يوجد صدى لما نقول فاللون الأسود كتوم جداً يمتص ما نقول..

أعيننا لم تبتئس، فهي في محاولات دائمة لترى ماذا يوجد خلف اللون الأسود ؟!.. لم ترى ما تحاول أن تراه .. نطبق أعيننا إلى أبدِ لم نعلمه بعد، لمجرد أننا لا نريد أن نتهم أعيننا بالعمى، فرغم الحيرة التي تأخذنا إلا أن أرواحنا مازالت تطوف تبحث عن مخرج. نتحسس الجدران، نسقط ما في تخيلاتنا من "كتابات - شعر – قصص" كل شيء حفظ في مخزوننا أسقطناه، نتحسس ما نتخيله وفي ظروف أخرى نواسي أنفسنا بتحويل أناملنا إلى أقلام لنكتب ما يمليه علينا الضمير والشجاعة رغم الأجواء المهيئة مسبقا لأن نلعن الظلام ونهابه، ومع ذلك مازالت الإسقاطات التي نستمدها من المخزون"الذاكرة والابتكارات وليدة اللحظة تبعث أمل الشجاعة في نفوسنا. إنّ رغم وجودنا في عدم وجود الأجواء إلا أنا ما زلنا نتنفس ولو حدث ذلك بصعوبة، نتنفس "شهيق..زفير" بموجات متباعدة منخفضة تكون قريبة من الإنقطاع لكنها لا تنقطع.

وما زالت أرواحنا محلقة تبحث عن الخروج .. الخروج إلى عالم ما وراء الإنكسارات والإنعكاسات، روح تبحث عن آفاق ليس لها حدود ضمن النطاق"الإطار " الجغرافي، تبحث عن مكان خصص للتجوال دون إذن بالعبور.. أرواحنا تحاول ونحن مشغولون بانتفاضات صوتية كان مصدرها انعطافات بطنيه، أُصدر الصوت تعبيرا عن الحالة التهميشية التي نخوضها مع أنفسنا فلقد نسينا أن هناك شيئا يسمى طعام وكان هذا تذكيرا للنظر في مدى تقصيرنا " معركة الأمعاء الخاوية "طبقت علينا – في هذا المكان- وتحملناها رغما عنا، قد تكون بعض دروس البرمجة اللغوية العصبية تفيد في وقت كهذا.. نقوم بتطبيقها متناسين ما نمر به، يتم إيهام العقل الباطن بأن ما سمعناه كان وهما وبأنه إذا أتينا إلى الحقيقة فنحن نعاني من "التخمة "..ما زرعناه وهما أصبح حقيقة.. إنتفاخ البطون بسبب الجوع وفي زمنه أصبح تخمة.

أرواحنا تواصل البحث عن مخرج دون توقف، ونحن تراودنا الأحلام في كيفية عملية الخروج .. مرة نذهب إلى قصص الجان ونشاهد مصباح علاء الدين وقد أتى هو إلينا وفرك نفسه بطريقة عجيبة وخرج عفريت وأصبح ذلك الصديق الذي نلجاءوا إليه في كل مأزق، يخرجنا من قبرنا ويجول أينما نجول، ومرة عمال البلدية أتوا للحفر فوجدونا وتم الإعلان عن العثور على مومياء حية ليقوموا بمصادرتنا إلى أقرب متحف هذا طبعا إذا لم يقوموا ببيعنا كوننا صرنا ملكية خاصة بحكم العرف القبلي، هذه الصورة تجعلنا نتصبب عرقا لنصحو من هذه الأحلام ونغفو في أخرى ..

في هذه القبور حيث أعيننا مغلقة ونحن نطلب النوم، نحاول أن نرسم صورة النوم أمامنا.. نتخيل النوم ونقلده عندما يتسلل إلى الرموش ويداعب الأجفان ليستقر في باطن العين ويطبقها رويداً رويدا ًفي مرحلة غفو فنوم فسبات فرقاد، نقلد النوم ونوهم أنفسنا به علّنا نغفو ولو لدقيقة واحدة ونشاهد من خلالها أحلاماً لم نشاهدها منذ حين فأحلامنا الأن أصبحت أحلام يقظة.. النوم لا يأتي.. نعود مرة أخرى إلى الأحلام اليقظاوية فهي السبيل الوحيد لأن نوهم أنفسنا بأننا غفونا.. أشاهد أهل الكهف وكيف أنهم رقدوا "ثلاث مائة سنيين وازدادوا تسعا" أشاهد صورهم وكهفهم وأرواحهم التي كانت محلقة فوقهم بإيمان يحمل كل الخير ويحمل الوفاء الأبدي، الذي لا إنقطاع في تواصله وإتصاله لا يتم إلا من نفسه. هم في كهفهم ونحن في قبرنا، هم رقدت أجسادهم ونحن أسرت أجسادنا وقيدت بالأحلام والتخيلات.

صورة أهل الكهف تجعلنا نتمنى الرقاد. قد تكون فكرة النوم لهتنا قليلا عن عملية الخروج التي أردناها، لم يكن طلب النوم إلا رغبة في الخروج قليلا أو الرحيل ولو لدقيقة واحدة عن فكرة الخروج التي مازالت تؤرقنا.. إنّ تصادم الأفكار المتولد لدينا كفيل لأن يبقينا في مرحلة بين مرحلتين"بين الخروج والحصول على النوم".

رغم إنّ كلينا- نحن وأرواحنا- لانفقه مبدأ العد الإحصائي ولا نعرف معناً للتكرار؛ لأننا نعيش في أماكن بعيدة عن الحصر الزمني فالوقت واحد "ظلام دامس" في ظل اللون الاسود والمحاولة واحدة "الخروج". إنّ الإحساس المتولد منذ بداية النفخ"نفخ الروح"بيننا وبين أرواحنا يجعلنا نفهم سرالإنتفاضة، إنتفاضة الروح في سبيل خلاص الجسد. نتمتم في مرحلة بحث مضنية عن الخروج الذي أصبح فكرة تلازم عقولنا ولا تريد الخروج منه, نظل مع انفسنا ونسبح معها في أحاديث فتولدت الأصوات، صوت يعلو لن نخضع لما نحن عليه ليختفي ويعود صوت أخرسننتظر في هذا المكان إلى أن يأتي الفرج. يأتي العقل وفكرة الخروج التي لن يحيد عنها وتعترض مع صوت نفس وتوافق أخر، ويحل التصادم مرة اخرى بين الوسواس والأفكار ..فإرادتنا أصبحت خاضعة لهولاء العاملين، وفي ظل وجود هذه الإرادة المنقسمة لم نعد نستطيع أن نحدد المسار.. قبور موحشة تكونت في أنفسنا. وفي لحظة تفاهم بين حديث صدورنا وأفكار عقولنا، تتولد مرة أخرى فكرة الخروج. تكاتفت قوى النفس والروح والجسد.. وتمت عملية الخروج ولكن بعد غياب..

من تأملات أحلامي
الضوء الخافت يتسلل بريقه
عبر المنافذ والمعابر
تسقط أشعته على النهر العظيم
لؤلؤاً منثورا يتراءى للعين
عيون تجهش بالبكاء ودمعة في مأقيها
لم تخرج بعد ...