الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٦:٢١ مساءً

في جدلية القات والسياسة ..!

د . أشرف الكبسي
الاثنين ، ٠٣ سبتمبر ٢٠١٢ الساعة ٠٩:٤٠ مساءً
القات والسياسة ، كلاهما يعتبر وبحق، فناً لخداع الشعوب ، فبينما يمضغ الساسة أحلام البشر وحقوقهم وتطلعاتهم ، ويحيلونها وعوداً وخطابات وبيانات زائفة ، سرعان ما يتخلصون منها كنفايات شبه يومية ، لتبدأ عملية المضغ من جديد وهكذا دون انتهاء ، كذلك القات ، فإحدى أبرز تأثيراته ، تتجلى فيما يسميه اليمنيون (التخديرة) ، وهي خلق ذهنية نشطة – خلافاً لما قد يُفهم من التسمية - حيث تُلتهم الأفكار مع التهام وريقات القات ، وكما تتضخم الخدود تتضخم كذلك الأفكار الواعية واللاواعية ، ويعيش المرء حالة تطبيقية سالبة للمقولة الفلسفية الشهيرة لديكارت (أنا أفكر إذا أنا موجود ) ، لتصبح (أنا أخزّن إذاً أنا موجود ) ، وتتضاءل عندها أي قيمة في كيفية تحويل (الافكارقات) تلك إلى حقائق وإخراجها إلى حيز الوجود ، فيكفي ترحيل الكيفية إلى حين مناقشتها (قاتياً) في المستقبل القريب أو البعيد ، وكما بدأت في الظهور سرعان ما تلقى حتفها وتتلاشى بزوال المؤثر المباشر (الخد المتورم) ...!

ماراثون القات ينتهي غالباً إلى مزاج معكر ومهموم ومنهك...! فالقات في حقيقة الأمر يعكس حالة هروب من واقع بائس ، ليس إلى عالم افتراضي وهمي افضل ، كما هو حال المخدرات والمسكرات وغيرها ، وإنما هروب من واقع إلى بؤرة مركزه العدمي، وكأنها ممارسة غير واعية لجلد الذات ، ناتجة عن الشعور المحبط بعبثية الجهد المتحرك والركون إلى زاوية الإستسلام في الجزء الساكن من ذات ذلك الواقع ، عملاًً بالمثل المحلي الشائع (إذا السيرة ما تنفع فالجلسة ما تضر) ..!

وبالرغم من قيام ثورة الشباب وما رافقها من أصوات نادت بالثورة ضد القات بإعتباره جزء من الماضي المتخلف ، إلا أن كافة المؤشرات تدل وبوضوح على عكس ذلك ، فلماذا ..؟؟

يعتقد البعض أن الإجابة على ذلك التساؤل ، تكمن في حقيقة أن الثورة - والتي كان من المفترض أن تحدث حالة تغيير جذرية تطال كل الممارسات السياسية والإقتصادية والإجتماعية الفاسدة ، وفي مقدمتها الخدود المتورمة - قد فقدت عمقها التغييري لأسباب كثيرة ، منها الاستسلام للذهنية القاتية بوصفها أسلوب حياة انهزامي ، يعتمد اختزال قيمة الوجود الذاتي ، في ممارسة (ثرثرة الذهن والحدث) فردياً وجماعياً ، في دورة مستمرة قابلة للظهور والتلاشي في وحدة التكرار اليومي ، تلك الذهنية التي كانت ومازالت هي المسيطرة على الغالبية المطلقة بما فيها مكونات النخبة – المحرك الثوري – والتي تبنت عن قصد أو بدونه المفهوم القائل (اليوم ثورة وقات وغداً أمر) ..!

ومن المفارقات الباعثة على السخرية ، تلك الانتقادات اللاذعة – والمهينة أحياناً- التي -وبدوافع سياسية - وجّهها وما يزال بعض الإعلاميين والمثقفين وحتى أحد رجالات الشرطة العرب لليمن واليمنيين لتناولهم القات (تضخم الخدود) ، دون أن يدرك أولئك النقاد أنهم وإن لم تتورم خدودهم قاتياً ، يعيشون الذهنية القاتية نفسها وفي أقوى تجلياتها ، من خلال ممارستهم لمضغ الأفكار (والأقوال) التي لا يترتب عليها أي أثر(تغييري) ، ولاسيما في الجانب السياسي ، ليستمر المضغ في وحدة الزمن المتكررة (اليوم) دون أن تتعداه قط إلى الغد ، وغالباً ما يكون تورم خدود الأوطان المحمرة خجلاً من أنظمة الحكم القمعية والإستبدادية ، وتورم خدود الشعوب من الصفع والركل السلطوي المستمر، أسوأ بكثير من تورم الخدود المحشوة بوريقات القات ..!!