الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١٢:١٧ صباحاً

المؤتمر الشعبي العام ..ومآلات مستقبله السياسي..

موسى العيزقي
الاربعاء ، ٠٥ سبتمبر ٢٠١٢ الساعة ٠٨:٢٠ مساءً
تنبع أهمية الكلام عن حزب المؤتمر الشعبي العام من عدة جوانب لعل أهمها: تاريخه السياسي خلال 30 سنة، أهم تحالفاته مع الأحزاب والحركات والمكونات الأخرى..واقعه المعاصر.. وتأثيره على الحياة السياسية اليمنية الجديدة..

بداية القصة
يُعد الرئيس الأسبق الشهيد إبراهيم الحمدي رحمه الله هو الأب الروحي لفكرة إنشاء تجمع سياسي يضم في جنباته كل ألوان الطيف السياسي القائم في البلاد.. الا أن حادثة أغتياله أحالت دون تحقيق ذلك فجاء الرئيس السابق علي عبد الله صالح وأستفاد من الفكرة وقام بتأسيس حزب المؤتمر الشعبي العام، واعتبره منافقوه وحاشيته بأنه الأب الروحي له، ومنذ لحظة تأسيسه في 24 أغسطس 1982م، اعتمد الحزب مبدأ المساواة الاعتدال والوسطية والتداول السلمي للسلطة.

وفي وقت مارست فيه معظم الحركات نشاطها السياسي بشكل سري فإن إنشاء حزب المؤتمر الشعبي كان بمثابة إيذاناً رسمياً ببدء مرحلة جديدة في العمل السياسي الحزبي في اليمن الشمالي سابقاً.

وقبل تأسيس المؤتمر الشعبي العام كانت توجد بعض الحركات في اليمن الشمالي، كالناصريين والإخوان المسلمين ، وغيرها من الأحزاب والتنظيمات السياسية التي كانت تعمل تحت الطاولة، ثم أصبحت جزء ومكون رئيس من مكونات التنظيم الجديد..

وفي جنوب اليمن (سابقاً) نجد أن الحزب الاشتراكي اليمني وُجد في مرحلة مبكرة ايضاً، ولكن هناك العديد من الأحزاب والحركات التي كانت تمارس نشاطها بشكل سري، ولم تعلن عنه إلا عقب إعلان الوحدة اليمنية العام 1990م، ومن هذه الأحزاب والتيارات:

- الإعلان عن قيام الحزب الوحدوي الناصري في 12/10/1990م.
- حزب رابطة أبناء اليمن (رأي)، وقد كان اسمه قبل الوحدة( رابطة أبناء الجنوب).
- تأسيس التنظيم الشعبي للقوى الثورية.
- الإعلان عن قيام التنظيم السبتمبري الديمقراطي في ابريل 1990م.
- الإعلان عن قيام التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري.

• وحزب المؤتمر الشعبي العام حزب ليبرالي جاء نتاج لاتفاق بين القوى والحركات السياسية المختلفة والتي مثلت القواسم المشتركة فيما بينها.

وتنبع أهميته كحزب بنظر الكثير كونه نقطة التقاء بين مختلف القوى والتوجهات لاسيما المعتدلة منها، فهو حزب شعبي ينتهج الاعتدال والوسيطة، وينبذ التعصب والانغلاق، وهو ما يحسب له، ولكن ما يحسب عليه انه حزب غير مهيكل وغير منظم، على الرغم من الجهود التي بذلتها بعض الشخصيات التي سعت لإصلاحه عقب تحقيق الوحدة، وتفعيل دور مؤسساته وهيكلته بصورة ممنهجة وحديثة إلا أن تلك الجهود لم تفلح في انتشاله من الغوغاء والعشوائية.

ويتعرض حزب المؤتمر الشعبي إلى العديد من الانتقادات والتي تأخذ عليه بأنه حزب هيمن عليه شخص الرئيس صالح وبات أداة بيده، وبالتالي أصبح حزب الحاكم وليس الحزب الحاكم..

لقد زادت حدة الانتقادات حتى ذهب البعض إلى نفي وجود شيء اسمه (حزب المؤتمر) حيث استدل بعضهم بعدم توفر شروط وجود حزب حاكم سواء في دولة ديمقراطية أو استبدادية، وهي ما نوجزها فيما يلي:
1- المؤسسية: فأي حزب هو تعبير عن العمل المؤسسي، فهل هذا ما هو سائد في اليمن؟ وأي حزب مؤسسي يكون بمؤسساته هو وحده صاحب السلطة ومستفردا بها وليس طرفا آخر فوقه يمارس السلطة بالنيابة عنه.
2- النظام السياسي: كل حزب سياسي إنما يكون وجوده تعبير عن نظام سياسي يستظل به كل مكونات المجتمع المدني وما هو حاصل في اليمن أن الفرد والهيمنة العائلية تشدد قبضتها على كل مفاصل الحياة المدنية والعسكرية والتجارية والثروات الوطنية بحيث لايستطيع أي كان في بلادنا أن يعرف على وجه الدقة كم إنتاج النفط في اليمن وما هي المعادن النقدية الثمينة المستخرجة وكم مقدار ذلك؟ وبالتالي فان غياب الحزب هو دليل قوي على غياب النظام، وما يسمى مجازا نظام سياسي لايحضى بالشرعية دون أن يعترف به المجتمع نظاما شرعيا يحترمونه ويسلمون به نظاما للجميع، ولم يعد للنظام وللحزب الحاكم وجود إلا في الخطاب الإعلامي السياسي.
2- احترام الأقدمية والتدرج في المناصب: فكل حزب سياسي يقتضي التدرج لقياداته ورموزه بحسب الأسبقية والكفاءة والقدرة والخبرة، وذلك من حيث تسلم المناصب العليا وفق الأسس والقواعد القانونية وليس القرابية أو العائلية والموالاة فهل هذا ينطبق على أفراد العائلة الذين تسلموا مواقع قيادية في الجيش والأمن لمناصب أعلى من عمرهم وأقدميتهم وكفاءتهم ومقدرتهم، وكذلك ظهور الموالين لهم في السلطة السياسية المدنية متجاوزين كل الكفاءات والخبرات اليمنية.
3- أي حزب هو من يعين قياداته وليس قياداته من تعين قيادات الحزب؟
4- الفراغ السياسي والدستوري: إن ما يفضي إليه الحزب السياسي الحاكم هو ضمان عدم حصول الفراغ السياسي والدستوري، أيا يكن نوع هذا الفراغ في حالة حصول الانتقال الطبيعي أو غير الطبيعي للسلطة والدولة والنظام السياسي من وضع إلى آخر، وبالتالي فان الادعاء بان رحيل رئيس الدولة أو تخليه عن السلطة سيؤدي إلى تمزق الوطن هو إقرار بان العمل السياسي مرتبط بشكل وثيق بسلطة شخصية وليس بسلطة مؤسسية..!!

قادته وشخصياته الوطنية
إذا أمعنا النظر في موضوع القادة البارزين والشخصيات الوطنية التي انضمت الى المؤتمر في البداية لوجدنا أن معظم تلك الشخصيات- والتي تعرضت للتهميش والإقصاء طيلة فترة انضمامها- لم يعد لها اليوم أي وجود يُذكر، حيث رحل أكثرها عن الدنيا، وبعضها انسحب من المؤتمر والبعض الآخر انشق عنه وانضم للثورة.

وفي المقابل نجد أن أصحاب المصالح الشخصية والأهداف الضيقة، قد فتُحت لهم الأبواب بمصراعيها، رغم ان اغلبهم لا ينتمي في الأساس إلى المؤتمر الشعبي العام، وإنما أتوا من أحزاب أخرى ومن ايدولوجيات مضادة تماما ولأهداف محددة، فهم اليوم يسيطرون على الحزب ويمسكون بزمام الأمور فيه.. ومن هؤلاء مثلا احمد عبيد بن دغر (قيادي اشتراكي) وسلطان البركاني وعبده الجندي (الناصري) وأحمد الصوفي (الاشتراكي) وطارق الشامي (اتحاد القوى الشعبية) وياسر اليماني (الاشتراكي)..

كما توجد هناك شخصيات مازالت تحضى باحترام وتقدير كبير من قبل شريحة كبيرة من الشعب ومن هؤلاء الرئيس الحالي/ عبد ربه منصور هادي (وهو اشتراكي الأصل)، و الدكتور عبد الكريم الأرياني (وهو من القوميين العرب) وكذلك وزير الخارجية الدكتور أبوبكر القربي (وهو اشتراكي ايضاً)..

أهم تحالفاته
بعد توقيع صالح لاتفاقية الوحدة العام 1990م مع أخر رئيس لما كان يُعرف بجمهورية اليمن الديمقراطية(سابقاً (علي سالم البيض) دخل الطرفين في عملية ائتلافية بحيث أصبح علي عبد الله صالح (رئيساً للجمهورية اليمنية) بينما أصبح علي سالم البيض (نائباً لرئيس الجمهورية) كما تقاسما حزبا المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني السلطة، وتشكلت أول حكومة وحدة ائتلاف وطني بين الحزبين الحاكمين في الشطرين (المؤتمر والاشتراكي) برئاسة المهندس حيدر ابوبكر العطاس.

لم يستمر التحالف طويلاً فقد شابت العملية الائتلافية العديد من الأزمات والمعوقات أدت إلى اندلاع (حرب صيف 94) بين القوى العسكرية والسياسية في الشمال والجنوب مع الإشارة إلى أن بعض قادة الجنوب هم من دفعوا باتجاه الوحدة الاندماجية مع الشمال عام 90 لاعتقادهم بأنهم سوف يظلون على الأقل شركاء متساوين مع نظام المؤتمر الشعبي في صنعاء، لكن توقعاتهم خانتهم وتبين أنها كانت في غير محلها، فعملية الإقصاء التي يقول الجنوبيين أنهم تعرضوا لها والتهميش المتعمد وعدم التكيف مع نظام علي صالح في الشمال، وكلها أسباب أدت إلى طلب بعض القادة الجنوبيين فك الارتباط مع دولة الوحدة وإعلان الانفصال من جانب واحد.

واقعه المعاصر .. ومستقبله السياسي
حزب المؤتمر الشعبي العام الذي استطاع (مجازا) أن يحكم اليمن الشمالي منذ العام 1982 إلى 1990، واليمن الموحد من عام 1990 وشريك في الحكم حتى اللحظة، يمر اليوم بمنعطف تأريخي خطير لم يشهده منذ لحظة تأسيسه، حيث يواجه صراع بين قطبين اثنين أحدهما يطالب بإعادة هيكلته بحيث يتحول من تنظيم شعبي إلى حزب سياسي فاعل، والقطب الأخر وهو المتشدد يصر على بقائه على ما هو عليه .. من خلال تمسكه برأسه وصاحبه المسيطر عليه (علي عبد الله صالح).. والذي إذا بقاء بحسب مراقبين فإن الحزب قد يبقى على الخارطة السياسية اليمنية، كحزب ضعيف وضئيل لا أكثر لأسباب عدة يصعب حصرها الآن لكن أهمها المآل السياسي القائم عليه الآن، وغياب العمل المؤسسي والبرامج والأهداف والوسائل والغايات التنظيمية (غير الحكم) كلها مفردات ومصطلحات ليست موجودة في هذا التنظيم وبالتالي لا يمكن بناءها في يوم وليلة، وإذا كانت هناك رغبة قوية من قبل الرئيس صالح أو عدد من قيادات الحزب فانه سيتوجب عليه الانتظار لدورتين إلى ثلاث دورات انتخابية على الأقل حتى يستعيد بعض القه السياسي وبما يمكنه من خوض غمار الانتخابات بعد ذلك وان بشكل هامشي وضعيف جدا مقارنة بدوره وأدائه خلال الفترة الماضية