الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١١:٢٤ مساءً

اليمن والخليج... خطوات جديدة للاندماج

د. أحمد عبيد بن دغر
الخميس ، ٠١ يناير ١٩٧٠ الساعة ٠٣:٠٠ صباحاً
منتصف الأسبوع المقبل ستشهد العاصمة اليمنية صنعاء أول اجتماع يعقده وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي في اليمن بحضور وزير الخارجية اليمني، بهدف التحضير النهائي لمؤتمر المانحين الذي سينعقد في لندن منتصف الشهر المقبل والهادف لدعم الاقتصاد اليمني وتأهيله تمهيدا لانضمام اليمن إلى عضوية المجلس خلال السنوات المقبلة. ولا شك في أن الاجتماع الوزاري الذي سينعقد في صنعاء برئاسة الشيخ عبدالله بن زايد وزير خارجية دولة الإمارات يؤكد جدية دول المجلس هذه المرة في اتخاذ خطوات عملية وحقيقية وفعلية لاحتواء اليمن الجار الأهم لهذه الدول والعمق الاستراتيجي لها، وهي البداية الصحيحة بالفعل لخطوة قد لا تقل أهمية عن خطوة إنشاء المجلس قبل ربع قرن في أبوظبي.

وخلال الشهور الماضية كانت الترتيبات تجري بشكل متواصل ومن دون توقف للتحضير لمؤتمر المانحين في لندن، الذي يعول عليه اليمن كثيرا ليس فقط للانضمام إلى مجلس التعاون، بل وللخروج من عنق الأزمة الاقتصادية الحادة التي يعاني منها منذ أكثر من خمسة عشر عاما لأسباب مختلفة تصعب الإشارة إليها الآن. والأكيد أن الحماسة التي أبدتها دول الخليج لدعم اليمن ورعاية مؤتمر المانحين بمشاركة رفيعة المستوى، قد أسهم في تحفيز المؤسسات والدول المانحة في الغرب وآسيا على الإسهام الفعال في التحضير لمؤتمر لندن الذي سينعقد يومي 15 و16 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، والذي قرر اليمن، كما تشير بعض المصادر إلى احتمال افتتاحه وترؤسه من قبل الرئيس اليمني علي عبدالله صالح بنفسه، بعد أن كان مقررا أن يترأسه رئيس الوزراء اليمني عبدالقادر باجمال، وهذا التغيير في مستوى افتتاحه إن تم، يجيء لإعطائه الثقل المطلوب والدفع السياسي اللازم للخروج بنتائج ممتازة، خاصة أن وزراء الخارجية والمالية الخليجيين سيشاركون في أعماله، كما يتوقع أن تشارك الدول المانحة الرئيسية بوفود رفيعة التمثيل، وبالذات بعد الثناء الكبير الذي تلقاه اليمن وحكومته على نزاهة وشفافية الانتخابات الرئاسية والمحلية التي جرت في 20 سبتمبر/أيلول الماضي، وحظيت بإشادات واسعة من المراقبين الدوليين جعلت الرئيس الأمريكي جورج بوش يبادر في خطوة نادرة الحدوث إلى الاتصال هاتفيا بالرئيس اليمني علي عبدالله صالح ليهنئه بفوزه وبالمستوى الشفاف والنزيه الذي تمت به إدارة العملية الانتخابية، واعتبرها نموذجاً يحتذى به في المنطقة.

لاشك في أن الرئيس علي عبدالله صالح يعتبر أن نجاح مؤتمر المانحين في لندن سيصب في خانة وفائه بالوعود التي قطعها لناخبيه في الحملات الانتخابية الرئاسية، وبالذات تلك الوعود الخاصة بإصلاح الأوضاع الاقتصادية والقضاء على الفقر والبطالة خلال الأعوام القليلة المقبلة. والثابت أنه من دون أي دعم خارجي فلن ينجح اليمن في تجاوز مشكلته الاقتصادية المعقدة، كما أن الثابت أن الدول والمؤسسات المانحة لن تتجه لرمي أموالها في اليمن لمجرد الإعجاب بديمقراطيته، باعتبار أنها تضع معايير أخرى لتقديم الدعم تتمثل في إنجاز مجموعة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية، وهذا ما سيكون أحد المحاور الأساسية التي سيجري بحثها في مؤتمر لندن الشهر المقبل، حيث يفترض أن يتم تقييم ما قطعه اليمن في مجال الإصلاحات وبالذات الاقتصادية وفي مجال مكافحة الفساد وإصلاحات القضاء، كذلك فالاستثمارات المتوقع أن يجلبها مؤتمر المانحين مشروطة باتخاذ خطوات عملية وجادة في كل تلك المجالات، لأن المانحين يعتبرون أن اليمن وإن قطع خطوات ممتازة في المجال السياسي، وفي مجال تشجيع المرأة، فإنه لابد أن يقطع خطوات مماثلة في إصلاح القضاء والسياسات المالية وتحجيم الفساد.

والحقيقة أن اليمن قطع خطوات فعلية في هذا المجال بالفعل، منذ عودة الرئيس صالح من زيارة هامة للولايات المتحدة قبل حوالي عام ولقاءاته بالمؤسسات المانحة، كالبنك الدولي وصندوق النقد وصندوق الألفية والوكالة الأمريكية للتنمية، التي وجهت انتقادات لما اعتبرته تباطؤا في الإصلاحات الاقتصادية والمالية والقضائية. ومنذ عودته وضعت الحكومة أجندة موسعة للإصلاحات، وشرعت بالفعل في تنفيذ بعضها، فيما تمت مؤخراً إحالة مشروعي قانون المناقصات الجديد وقانون إنشاء هيئة مكافحة الفساد وهما محل اهتمام المؤسسات المانحة. كما أن التعديل الوزاري الموسع الذي أجراه الرئيس صالح في فبراير/شباط الماضي قد نال رضا هذه المؤسسات الدولية واعتبرته مؤشر جدية على خطوات إصلاحية حقيقية. فالملاحظ أن معظم الدول والمؤسسات المانحة تبدي إعجابا وتعاطفاً واضحاً مع اليمن وترغب في دعمه ومساندته، إلا أن تجربتها معه في أواسط التسعينات، حيث قدمت له دعما كبيراً، قد أعادت النظر في مواقفها الإيجابية وهددت أكثر من مرة بوقف دعمها إذا لم يقطع خطوات أكبر، ولذلك فإن مؤتمر المانحين في لندن سيكون المحطة الأهم وربما الأخيرة في مجال إصلاح أوضاع اليمن الاقتصادية، إذا لم يتعامل هذا الأخير مع متطلباتها بجدية خاصة بعد دخول دول مجلس التعاون الخليجي على الخط.

المراقبون السياسيون يعلمون مدى الجدية في توفير كل مقومات النجاح لمؤتمر لندن، ويعلمون أن الخيارات انحصرت في إنجاز إصلاحات جادة والتخفيف من تأثير المتنفذين والفاسدين باعتبار آثارهما السلبية على الاستثمار، الذي يعد الأمل الوحيد في إخراج اليمن من مشاكله الاقتصادية المزمنة وتحديدا في مجال مكافحة الفقر والتخفيف من البطالة ومواجهة مشكلات التزايد السكاني الكبير. وسيكون مؤتمر وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي في صنعاء الأسبوع المقبل أول المؤشرات على مدى النجاح الذي يمكن أن يحققه مؤتمر لندن الشهر المقبل، فالمطلوب أن يوفر المؤتمر تمويلات للخطة الخمسية الثالثة في اليمن (2006 2010م) بمقدار عشرة مليارات دولار من المانحين، فيما التزمت الحكومة اليمنية بتوفير خمسة عشر مليار دولار كتمويل ذاتي للخطة التي تصل تقديراتها إلى خمسة وعشرين مليار دولار لتحقق الهدف الرئيسي منها، وما أبدته دول الخليج والدول المانحة من مواقف إيجابية حتى الآن يبعث على التفاؤل في ظل رغبتها الصادقة في دعم اليمن باعتباره احدى دعائم الاستقرار في الخليج والمنطقة بشكل عام.