السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:١٣ صباحاً

الأقراط ،،،، والطماط ( 4 )

عباس القاضي
السبت ، ١٥ سبتمبر ٢٠١٢ الساعة ٠١:٢٠ صباحاً
الطريق تطوى تحت قدميه ، تنتابه مشاعر فياضة ، ذهبت آثار الانكسار التي كان يشعر بها ،، يتمتم في نفسه " ساعة من المُغْنِي يَغْني " ،، هاهو أمام باب بيته ،، يضع " العربية " جانبا ،، يعكف إصبعه الوسطى ،، يطرق الباب ،،، من ؟ تسأل نجيبة من الداخل ،، محمود ،، محمود ،، رد عليها ،، وهو يرتب هندامه ،، هرعت نجيبة إلى الباب وهي تردد : يا ساتر وتمسح بيدها ما علق بها من آثار الطبخ على زنتها ( فستانها ) ، فتحت الباب ببطء حتى ترى ملامح محمود على أي حال هو .

زال مخاوفها عندما رأته مبتسما ،،، طمني محمود إني " عبيدك " قل لي : إن البلدية لم تصادر عليك الطماط ،،، رد عليها محمود وهو يدلف ما تبقى من الباب : " إيش من بلدية وإيش من طلي " أنا بعت البضاعة صفقة واحدة ،، وهذا الذي بيدك ،، ما هو ؟ سألته نجيبة ،، قال لها وهو يدور حول نفسه كأنه يرقص "بَرَعْ " : حبة دجاج ، حبة دجاج ، ضربت نجيبة بيدها على صدرها قائلة " قَرَحَت " الفائدة يا محمود ،، قال لها : وهو يدنو من أذنها الخالي من القرط : هي هدية من صاحب المطعم الذي بعت له الطماط .

أخذت نجيبة الكيس أخرجت الحبة الدجاج ، وتصيح بصوت عال عماد ، مريم ،تعالوا شوفوا إيش معانا ،، وأردفت : حبة دجاج مشوي بلدي بجناحيها ورقبتها ،، جاءا يتسابقان ،، خطف عماد الدجاجة من يد أمه ،، ولحقت به أخته تجري خلفه ،، وبقي في الصالة ،، محمود ونجيبة .

نجيبة ،، قولي لي كيف كان دعاؤك ،، أحس أن الأمر ليس طبيعيا ،، قال لها محمود بصوت يملأه الخشوع ،،، ردت عليه : بعد أن صليت الركعتين أحسست بشيء من الرهبة ، وكأنني غُمِسْتُ بماء حار ،، لم أستطع أن أحبس دموعي ،، وجدت لساني تنطق تلقائيا ويدي تتحرك دون شعور ،، رفعت يدي اليمنى للدعاء ،، ووضعت يدي اليسرى أولا على أذني وقلت : اللهم رد لي أقراطي ثم وضعتها على صدري ،، وقلت : اللهم أملأ صدري ذهبا ،، ثم وضعتها على الأرض ،، وفلت : اللهم أملأ بيتي غنى وسكينة ،، وانعقدت لساني بعدها ،، قمت رفعت السجادة من الأرض ،، ثم ذهبت إلى المطبخ ،، هذا كل ما قمت به ,

محمود يستمع ،،منتصب القامة ،، كأنه جندي مستجد أمام قائد الكلية ،، اختنقت الأحرف في حلقه واشرورغت عيناه بالدموع ، وامتلأ قلبه رهبة ،، ثم قال لها : ما حدث اليوم بشارة خير لإجابة الدعاء ،،، هيا للغداء فالأولاد على أحر من الجمر

جلسوا حول المائدة ،، واضعين الدجاجة في الوسط كأنها عروسة ،، نأكلها كلها يا بابا ؟، اليوم ،، سألت مريم ببراءة الطفولة ،، نعم نأكلها كلها رد عليها أبوها وعقب قائلا : أنت تعرفين يا ابنتي أننا بعنا الثلاجة قبل سنة ،،وعقبت أمها يا ابنتي هي دجاجة واحدة ،، كنا نأكل ثلاث دجاج عندما كان أبوك مغتربا ،، والمال يجري بيده .

كان عماد ومريم يرفعان القطعة من الدجاج ويستنشقان رائحتها قبل أن يأكلا ،، يا أماه ،، ما أجمل رائحتها ! قال ،، عماد ،،،، رد محمود يا أولادي الجوع والشهية يجعلان الطعام أجمل من العطور الباريسية.

تغدوا ،، وقاموا للصلاة : الأب وبمحاذاته عماد والأم ومريم في الخلف ،، كانت صلاتهم بخشوع غير معهود .

أرتاح حتى العصر ،، خرج إلى المسجد صلى العصر، عاد إلى البيت ،، شرب الشاي ،، ثم انطلق ليجد صاحب المطعم متكئا في كابينة المحاسبة ،، دنا منه محمود ،،قائلا له : جئت لأعرض عليك خدماتي ،، فأنا مستعد أن أمَوِّنك بالطماط لمطاعمك الخمسة ،،وبسعر منافس .

لم يوافق الحاج محسن فحسب بل زاد على ذلك بأن شجعه بأن يعرض خدماته على أصحاب البوفيهات ،،، وقال له : الثراء ليس بعيدا على المجتهد ،، وأنا مستعد أن أقف بجانبك ،، كما وقفت مع صاحب البطاط ،،الذي أصبح أغنى مني ،،، شكرا ،، شكرا يا حاج قالها محمود وهو خارج يسابق الريح متجها إلى سوق الجملة .

مر بالمكان الذي جلس فيه الصباح يمسح الطماط هو ونجيبة ،، وكان فيه " عربية " فيها خيار ،،، التفت إلى يمينه ،، فوجد ذلك الرجل الذي ضحك عليه ،،، وهو مغشيا عليه من الضحك على صاحب الخيار ،، قبض محمود يده ،، يجري باتجاهه ،، إلا أنه هرب .