الثلاثاء ، ١٦ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٩:٠٩ مساءً

شِلل وعصابات ومدنية غائبة

جلال غانم
الجمعة ، ٢١ سبتمبر ٢٠١٢ الساعة ٠٩:٤٠ صباحاً
الوظيفة العامة في اليمن توريث وسلالة عائلية خبيثة تنساب بين أفراد العائلة الواحدة (الجد الأول إلى الحفيد) وتمتد إلى ابن الجيران ويتم تكوين بذلك شِله بالمفهوم الشعبي للوظيفة العامة .

هذه الشِلل منتشرة بشكل قوي جدا في المصالح الحكومية ومؤسسات وقطاعات الدولة بقوة من أكبر موظف حتى عامل النظافة مكونة بذلك ممالك عائلية ونظام حكم صغير داخل قطاعات الدولة .

مهما كانت الدرجة الوظيفية التي تتمتع بها أو حتى الشهادة الجامعية التي تحملها كل تلك المميزات تسقط أمام أقبح موظف تابع للمدير صاحب الظهر والرُكبة كما يقولون .

هذا التوريث منتشر في كل مؤسسات الدولة وأغلب الوزراء ورؤساء المصالح الحكومية استغلوا فكرة التعاقدات في مؤسساتهم ومن خلال نفوذهم تم إعدام أي فرص ممكنة للمواطن البسيط لشغر أي موقع حكومي أو حتى وظيفة دونية بسيطة .

فأغلب الشباب اليمني عاطل عن العمل ولو حصل بالصدفة أن نزل أسم أي من هؤلاء المعدمين في كشوفات الخدمة المدنية هنالك احتمالين إما أن يستبدلوا اسمك بحجج شبة مقنعة ويضعوا الأسماء المعدة سلفا في قوائمهم والمقبوض ثمنها مقدما , أو أن تحصل على حُلم عمرك في الوظيفة لكن هذه الوظيفة خاضعة لمراكز قوى تتمتع بنفوذ كامل .

يجعلك هذا تلعن ظروفك ألف مرة في اليوم بسبب المضايقات والحُروب النفسية التي يتم استخدامها من أجل تضييق الخناق عليك .

في نهاية رحلة وطنية يتم تلبيسك بأي تهمة فساد ويتم تقديمك كبش فداء من أجل أن تستمر مسيرة الفساد في هذه المصلحة والمؤسسة ومدير الرُكبة .

طبعا هذا الوضع المقزز بصراحة موجود لدى أغلب القوى التي تدعي و تدعي حصريا ملصق الثورة كدعاية إعلامية مُربحة .

الوظيفة العامة في اليمن ضرب من الخيال , الفشل الإداري هو جزء من منظومة الفساد , والقوى المسيطرة في الأمس على شكلية نظام الحُكم والجاثمة على خيرات البلد هي اليوم من تحكم باسم الدين والوطن وباسم الثورة والفقراء وأبناء السبيل .

ثورة المؤسسات التي استبشرنا بها لم تكن كافيه لإحداث أي تغيير في فراغ السلك الإداري لمؤسسات الدولة التي تحولت إلى عصابات تتبع الأحزاب والجماعات المنظمة في السرقة والنهب .

مهما كُنت نزيه وشريف وقلبك طاهر إلا أن ذلك لا يكفي في بلد له ألف قيد وألف شقيقة وصداع مُزمن

لا يكفي اليوم أن تحمل شهادة جامعية حتى لتحصل على وظيفة عامل بلدية .

اليوم أبناء الوزراء ورؤساء ومدراء المصالح الحكومية استولوا على سلطة ومراكز القرار والتعيينات الدبلوماسية والعسكرية والمنح الدراسية والتعليمية بنسبة 99% .

اليمن واقع تحت احتلال (عسكري قبلي ديني) دولة المواطنة المنشودة التي خرج الشباب من أجلها تحولت إلى لعنة في وجه كل شريف .

استولوا على منصات الثورة واستولوا على قوائم الشهداء وحتى على كتابة تاريخهم بالطريقة التي تجعلهم مستمرون على سُلم الحكم .

من يعتقد خلال هذه الفترة الانتقالية أن هنالك تغيير قد تم فإنه واهم .

بدلا م كل هذه الهيلمانات الحاصلة ووسائل الإعلام الشغالة ليل ونهار تقدح فوق هذا وتذم هذا وتكفر هذا إضافة إلى غزوات رجال الدين والمعارك التي يخوضوها ضد طواحين الهواء أما فكروا أن أول انتصار حقيقي للبلد والثورة هي وضع نظام لمحاسبة الوزراء واللصوص الذين استولوا حتى على الهواء الذي نستنشقه وصارت تجارتهم اليوم بالمليارات ونحن لم نعد نجد ما نسد به رمقنا .

اليوم صارت عدالة القانون المدني المطلوبة هي الأمل في الانتصار للفقير وابن القرية والمعدم

نريد قانون مدني يفصل فصل عام بين المؤسسة الدينية والعسكرية والمدنية ويضع كل هؤلاء اللصوص تحت المجهر والمراقبة ويحفظ مال البلد المنهوب ويحد من أي تطرف وخطاب مقتضب ينعكس سلبا على المواطن ويقوي من سُلطة الكهنوت وأزلامهم الفاسدين .