الثلاثاء ، ٢٣ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١٠:٠١ مساءً

القلم في المطبخ

شيماء الأهدل
السبت ، ٢٢ سبتمبر ٢٠١٢ الساعة ١٠:٤٠ صباحاً
تشكو من أختها التي لا تسمح لها بالسهر للمذاكرة تصرّ على إطفاء النور حتى يطلع ضوء الفجر لتصحو أمل و تجري مهرولة للمطبخ تفتح كتابها وعلى البلاط البارد تذاكر هكذا مرت الأعوام عاماً بعد عام ليأتي يوماً تتزوج فيه أختها التي تشاركها نفس الغرفة لتصبح فرحة أمل فرحتان فرحة زواج أختها وفرحة خلوتها بالغرفة .

في اليوم التالي تفتح أمل عينين تشع سعادة وبأنفاس الربيع ترسل زفرة عميقة ثم تقول ( وأخيراً أصبح لدي غرفة حتى أستطيع المذاكرة فيها دون زنين أختي ) لم تعلم أمل ماذا كان ينتظرها في ذاك اليوم الشؤم , فقد كانت فتاة مجتهدة مثابرة طموحة تحلم أن تكمل دراستها المدرسية ثم تنتقل إلى الجامعة لتصبح طبيبة كانت حالتها أقرب للهوس بالعلم على عكس عائلتها التي لا تعطي للتعليم أي أهمية .

في ذاك اليوم ذهبت أمل إلى المدرسة وهي تتراقص فرحاً في روح تفاءل غير معهودة تترقب حصة الرياضيات لأنها هي من ستشرح الدرس يدق جرس الحصة الأولى ثم الثانية لتنتظر هي الحصة الثالثة إذا بمدرستها تطرق الباب وتطلب أمل لمقابلة أحد من أقاربها , تخرج أمل وباستغراب ودهشة تتساءل ( لم يحدث أن أحد من أقاربي قد زارني ) تخرج أمل لتجد والدها أمامها تذهب إليه وتقترب أكثر وأكثر لترى ملف أخضر بحوزته لم تفهم ماذا يحدث ولكنها استمرت بالاقتراب وعندما وصلت إليه سارع والدها في السؤال :- أين حقيبتك .

أمل :- بالداخل .
الأب:- أذهبي واحضريها سنذهب إلى المنزل .
أمل :- لماذا ماذا حدث هل أمي بخير ؟
الأب :- نعم نعم بخير ولكنك ستتوقفين عن الدراسة يكفي أنك تقرئي وتكتبي وهذا ما نريده حان الآن دورك بأن تتعلمي الطهي وتساعدي والدتك في عمل المطبخ فأختك كما تعلمين أنها قد تزوجت .

لم تصدق ما سمعته من والدها ولكنها كانت تعتقد أن ما قاله قابل للتراجع حينها لم تمتلك أمل شيء سوى أن تذهب إلى الفــصل لتأخذ حقيبتها دون أن تنطق أي كلمة ورافقت والدها إلى المنزل كانت تمشي وتنظر خلفها تنظر إلى مدرستها وتسأل نفسها هل سأعود أو قد حان الرحيل ؟ استمرت في المشي حتى أدركها الحزن ولكنها تماسكت وانتظرت وصولها إلى المنزل .
وبعد أن تجول بها والدها في سوق القات ثم إلى سوق الخضار وحتى وصلا المنزل كانت أمل تلقي التنهدات التي تناجي الله وتتمنى بأن ما قاله والداها هو قرار صُدر عن مزاج متقلب قد يصبح لا شيء بعد ساعات ولكن هاهي والدتها تؤكد لها الخبر , تتساءل أمل لكن لماذا يا أمي ؟
الأم :- يا بنيتي عندما تتزوجي هل ستقرئين لزوجك أو ستطبخين له ؟ فأنتي لا تجدين الطبخ وتضعين وقتك في الدراسة لا أكثر . تجيب أمل:- ولكنني مازلت صغيرة ومن حقي أن ادرس كما يفعل الكثير من صديقاتي .
صغيرة ! ماذا تقولي لقد تزوجت وأنا أًصغر منكِ بعامين .ثم انكِ لا تعلمين أن أبن عمك قد طلب يدكِ للزواج وهذا ما دفع أبوكِ لاتخاذ قرار مثل هذا .

أمل :- زواج !
حينها بلغ اليأس أشده وأدركت أنها لن تعود لمدرستها فما عادت أمل أمل بل أصبحت خيبة تمشي على الأقدم وجرح من الصعب أن يلتئم وأحلام تكسرت فأثقلت على عاتقيها وصدمة تحتاج الكثير حتى تفوق منها .

تدخل المطبخ وبعينين تملأها بحور من الدمع تنظر إلى البلاط البارد الذي كان يرافقها فتجهش في البكاء ثم تتأمل لتجد نفسها بين الأوعية والأطباق بعد أن كانت بين الكتب والأقلام الحلم لم يصبح حلم ولا الحقيقة تطاق هكذا ودعت أمل أحلامها وغلب حكم القوي على الضعيف تعلمت الطهي والكنس الغسيل لتتزوج بعد عام وترحل إلى عالم يقال عنه إنه في غنى عن العلم .!


بعيداً عن استعارات محفوظة وأسجاع مرصوصة وكتابة قد لا ترتقي للقراءة هذه رسالتي أوجهها لجميع الآباء والأمهات واجبكم هو أن تشجعوا أبنائكم للعلم فما بالكم بمن يحرم أبنته من دراسة ويكتفي بالمرحلة الأساسية !!!
العلم كالطعام مهما تعلمنا لن نكتفي منه أبداً .