السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٦:٠٦ مساءً

الأقراط ،،،، والطماط ( 7 )

عباس القاضي
الأحد ، ٢٣ سبتمبر ٢٠١٢ الساعة ٠٥:٤٠ مساءً
عاد محمود إلى سوق الجملة بالسيارة التي ذهب بها ،، ومعه السلال الفارغة ،، وقيمة البضاعة ،، ها ، يا مرشد ،، هذه حصيلة اليوم ،، قالها محمود بكل ثقافة ،، أخذ منها مرشد قيمة بضاعته ،، وأعاد له الباقي ،، بس هذا كثير يا مرشد ،، معقول ،، كل هذه أرباح ! رد مرشد : لا بد أن نشجعك ،، في أول يوم تجارة ،، أخذ محمود المبلغ ووضعه في جيب المعطف الداخلي ،، وعاد محمود وهو يقلب يده متعجبا ويقول في نفسه : الحاج محسن يزيد من ثمن البضاعة ،، ومرشد يخفض من قيمتها ،، سبحان الله وردد قوله تعالى " يرزق من يشاء بغير حساب " .

لكني لن أقف عند هذا المستوى ،، بل يجب علي أن أتقدم خطوة إلى الأمام .

سأمر في طريقي على الحاج محسن ،،، فلديه مفتاح الرزق الذي ساقه الله إلي .

دقائق وهو يرفع يديه بالسلام على الحاج محسن ،، خرج من كابينة المحاسبة ،، يمسك محمود بيده ،، ليجلسا إلى طاولة من طاولات المطعم ، بعد أن طلب كوبين من الشاي .

قال له مرشد : محمود بماذا تفكر ؟ ما هي الخطوة القادمة ؟ رد عليه محمود : من أجل هذا مررت عليك ،، أنت وعدتني بالدعم ،، لا أدري ،

ما هو حدود هذا الدعم ؟ هل الخطوة التي قمت بها كافية ،، أم هناك المزيد ؟ .

ارتشف الحاج محسن رشفة طويلة من كوب الشاي ، الذي أمامه ، وهو في حالة زهو ، وانتشاء ليس له مثيل ،، - لأن الاعتزاز بالعطاء لا بالأخذ - ثم قال : يا محمود إذا كنت تفكر أن ما قمتُ به كافيا ،، لأسحب دعمي لك لتعود إلى تلك " العربية " ،،، وأردف : أنا أريد أن أدعم شخصا طموحا حدود طموحه السماء .

تهلل وجه محمود بهذا التأنيب اللذيذ وهو يقول في نفسه : رزق ساقه الله إلي : نجيبة في البيت بالشحن العاطفي ،، والحاج محسن في السوق بالشحن الاستثماري ! ؟

أينك يا محمود ،، تكلم نبهه مرشد ،،، ها ها حاج معك عفوا كنت أفكر بالرد ،، قالها محمود مرتبكا .

أيها الحاج الفاضل : إن سؤالي عن حدود الدعم ،، إنما جاء ليفصل بين حدود التعاون وحدود الطمع ،، لا أريد أن تظن بي الظنونا ،، وكلامك هذا شجعني أن أرسم خطتي هذه بمساعدتك طبعا .

أريد أنت تُعَرِّف بي لدى أصحاب المطاعم والبوفيهات الذين تعرفهم ،، لأزودهم بالطماط ،، كذلك تكلم لي صاحب ذلك المحل المغلق منذ أشهر الذي أمامك لأفتحه معرضا لبيع الطماط ،، بعد أن أعرضها بشكل إبداعي ،، نظافة وترتيبا ،، حتى أوفر مبلغا أستطيع أن أشتري سيارة " بيك أب " للتوزيع وإن بقي علي شيء من قيمتها فالضمانة عليك .

تهلل وجه الحاج محسن ،، من طموح محمود قائلا : وهو يرتشف آخر قطرة من الشاي : محمود ،، هذه المرحلة الأولى ،، لن نقف عندها ،، ثم نظر إلى الساعة قائلا : الوقت مبكرا على الغداء ،، وإلا كنت طلبت الغداء فأتغدى معك ،، هز محمود رأسه مؤمنا على كلامه ،، لكن الحاج استدرك قائلا : على كل ،، غداءك ستأخذه معك ،،، ونادى : سعيد ،، قاطعه محمود قبل أن تناديه ،،هذه المرة أدفع ،، وبعد لأي وجهد وافق الحاج ،،، وأردف محمود كلم سعيد : يخليها حبتين دجاج .

ودعه محمود ،، عائد إلى البيت ،،، وها هو يعكف إصبعه الوسطاء كعادته ،، يطرق الباب ،، تفتح نجيبة وهي ترحب بمحمود قائلة : " أهلا بالطش والرش " هاا محمود قل لي : ما ذا كان ؟ وما ذا صار ؟ ،، رد عليها لن يكون قبل أن آخذ قسطا من الراحة والاسترخاء ،، ومادام الوقت مبكرا على الغداء ،،، تعالي معي ،، أنا بحاجة إلى شحن عاطفي ،،، مشى محمود وخلفه نجيبه ،، إلى الغرفة ،، امتد على الفراش وهي بجانبه ،، قال لها : هيا نجيبة ،، إبداعاتك ،،، زمت نجيبة شفتيها ،،، تنحنحت ،،، ثم بدأت : هي مطلع أغنية للفنان أيوب طارش – شفاه الله – عندما أسمعها ،، أحس أن جسمي يتكهرب ،، وقلبي يرجف ،، وأشواقي تذوب ،،، وذلك لارتباطها بذكريات من أيام زواجنا الأولى ،، سألها متلهفا : ماهي الأغنية ؟ وما هي الذكريات ؟.

قالت : " تليم الحب في قلبي تذكرني بأيام الهثيم *** تذكرني دوادح حبنا الغالي ودخداخ النسيم " .

فقد كنا بعد الزواج ،، والفصل خريفا نتسابق في الوادي ومعنا حبنا وأشواقنا ،،، وكنت قد أحدثت تليم من الحب - احافير وأخاديد – في قلبي الطري ،،، وفجأة يسقط الهثيم – المطر الخفيف – فأمسكت بيدك لنتجه نحو ذلك المكان المهجور – الكنان – لنقي أجسادنا البضة من زخات المطر ،، وقبل أن ندخل ذالك المكان ،، اثنيتي من الدخول ،، قائلا : نريد أن نجلس تحت الهثيم ونرتبط وجدانيا تحته ،، فهو يعطي حبنا دوادح – زينة - فوضعت رأسي على صدرك ،، وزخات المطر تنزل تبللت ملابسنا ،، وأجسادنا ،، وصعد البخار من جسمك كأجمل عطر استنشقته إلى الآن ،،، فجأة دخدخ ( هبَّ ) النسيم فشعرنا بالبرودة ،،، وخلعت المعطف فلبستنيه ،، وعندما وصلنا إلى مشارف القرية ،،، رآنا أخي الأصغر وقال : أيكم محمود ،، وأيكم نجيبة ؟؟ .

تحكي نجيبة هذه الذكريات ،،، ومحمود كأنه سكران من المتعة ،، إلا أن شيئا ينغص عليه ،، وهو موقف ذلك الأهبل ،، الذي ضحك عليه ،، وهو هارب من مفتش البلدية .