الثلاثاء ، ٢٣ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:١٥ مساءً

القانون الوطني للطرد المركزي !

د . أشرف الكبسي
الثلاثاء ، ٢٥ سبتمبر ٢٠١٢ الساعة ١٢:٤٠ مساءً
عند الظهيرة في ذات يوم ، خرج أحد الفلاسفة يحمل فانوساً ، وعندما سُئل عن السبب ، أجاب : أنا أُفتش عن الرجل ..!

كم هو حري بنا اليوم ، ونحن نعيش أزمة (الرجال) أن نفتش – نحن أيضاً - عن رجالات اليمن الشرفاء ، وكوادره الأكفاء ، أولئك الرجال المغيبون – قسرياً - عن الأنظار والأذهان ، لا تراهم على شاشات التلفاز ولا على صفحات الصحف ، ولا تلمحهم عيناك في تشكيلة الوزراء وقوائم كبار القادة والمسئولين والنواب ، ليس لنقص في شخوصهم وقدراتهم ، ولا لاختلال في كفاءاتهم وخبراتهم ، وإنما لأنهم يحملون من أثقال النزاهة وأوزان الشرف ما كان سبباً في منعهم من الطفو على السطح ، حالهم حال المعدن النفيس لا يطفو على سطح الماء خلافاً لمخلفات القش والأدران !!

لعقود مضت ساد قانون واحد ، وهيمن على كافة الجهات والدوائر والمؤسسات ، المدنية منها والعسكرية ، هو قانون الطرد المركزي للكفاءات الوطنية النزيهة ، لتجد نفسها إما في ظلمة البرزخ ، أو عتمة الغربة ، وإما في الأرشيف الوطني المنسي ، بين مغمور بلا صلاحيات ، وبين عائد إلى زوايا بيته المتواضع ، يحيا شظف العيش ، ويعيش مرارة التقاعد القسري المبكر والغير معلن ، ولما كان المجتمع ككل يعاني تدنياً ملحوظاً في المستوى القيّمي الأخلاقي – متأثراً بقادته وحكامه – فقد كان على أولئك (المعزولون) تجرع كأس الذّم المجتمعي يوماً بعد يوم ، فعاب عليهم (نزاهتهم) تلك القريب والبعيد من الناس ، ووصموهم بعدم القدرة على التكيف والفشل في تحقيق النجاح ، فقال قائلهم ناصحاً أو شامتاً: مع اخوتك مخطي ولا وحدك مصيب ، وآخر: إذا دخلت بلاد العوران اعورت عينك ، وثالث : بيت معمورة ولا قرية خراب ، وإذا ما سألت يوماً عن مصير أحد أولئك الشرفاء ، أجابك الناس بلا مبالاة : (هو معرود) !!

من المعلوم منطقاً أنه بعكس المعطيات لابد أن تكون النتائج معكوسة أيضاً ، فالنظام الفاسد لا يمكن أن يمنح الصلاحيات والإمتيازات إلا لأشخاص فاسدين أو مداهنين على الأقل ، ممن كان لهم بالضرورة أولوية اعتلاء سلم الترقيات وشملتهم التوصيات بالتعيينات ، وزراء ووكلاء وسفراء، قادة عسكريون وضباط أمنيون ، اكاديميون ورؤساء جامعات ومصالح وهيئات ، وصولاً إلى مدراء المديريات والمستشفيات والمدراس ، ووو ..!
يجزم البعض بأن الغالبية الساحقة ممن تقلد منصباً قيادياً – ولاسيما المرموق منها - خلال العقود الماضية ، ولفترات طويلة نسبياً ، لابد وأن يتحمل مسئولية – وإن أدبية وأخلاقية – عن الفساد ، أياً كانت انتماءاته السياسية والحزبية ، وقد حان موعد تطبيق قانون الترحيل الوظيفي والمجتمعي بحقه وليس التدوير الوظيفي ، فإن قال قائل : لا يمكننا الاستغناء عنهم كونهم ذوي مؤهلات وخبرات... ، قلنا له : فتش عن الرجل !!

هل آن الأوان لإنصاف رجالات اليمن التي كانت وما زالت منسية ، خلافاً لأشباه الرجال من المداهنين والمنافقين والمتسلقين ، من (حمران العيون) اللذين لا تثقل كاهلهم أخلاق ولا قيم أو مبادئ ، فكانوا كالقش الخفيف يطفو على كل سطح ، حتى على السطح الثوري...!