السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:٤٧ مساءً

الأقراط ،،، والطماط ( 9 )

عباس القاضي
السبت ، ٢٩ سبتمبر ٢٠١٢ الساعة ١٠:٤٠ صباحاً
قام محمود يُجَهِّز نفسه للخروج مع آذان العصر ، ونجيبة خلفه ، تُصْلِح من مكان التقاء القميص بالمئزر ، وتشد من أزره ، قائلة : " وأنا فِدالُه حقي التاجر "،، اهيييي ، اهيييي ، قد أنا تاجر ، يا نجيبة ،، هيا انتبهي لا تصدمي بـ "العربية " ،، قالها محمود ضاحكا ،، وأردف : " عاد أنا " أخطوا خطواتي الأولى ،،، على فكرة ، سيكون لفترة المساء هذا شأن ،، بإذن الله.

خرج محمود ، ونجيبة تغلق الباب خلفه ، وتدعو " الله يوفقك ، يا أبا سعاد " ،، سعاد ابنتهما الكبرى ، تزوجت منذ خمس سنوات على ابن عمها ،،سامي ،، وتعيش مع زوجها في القرية ،،، سعاد ،،، لماذا يا نجيبة تذكريني بها الآن ؟ قالها محمود وهو يكلم نفسه ،، ويحث السير إلى المسجد ،، لم أرها منذ أنت تزوجت ،، سوى خمس مرات ،، كان يوم زفافها مأتما ، فقد كان حبها قد تملك قلبي ،، ومرضت بعدها ثلاثة أيام بلياليها ،، سامحك الله يا نجيبة ،، لماذا الآن ،، ها أنا اقترب من المسجد ، وأخشى الانشغال والتفكير بها أثناء الصلاة ،، وفعلا هاهو يلج باب المسجد وهو يدعو " الله يحفظك ، يا سعاد " بدلا من " اللهم اغفر لي ذنبي وافتح لي أبواب رحمتك " .

صلى محمود وهو يجاهد نفسه بعدم الانشغال وقت الصلاة ،، وكان يصلي وجسده يرتعش عندما يجنح ذهنه إلى سعاد ،، انتهى من الصلاة ، وكأنه انتهى من سباق اجتياز حواجز .

خرج من الباب الذي يقربه إلى الحاج محسن ،، هاهو يرفع يده بالسلام على الحاج ،، تهلل الحاج بقدوم محمود ،، فقد أصبح بناء الإمبراطورية المالية لمحمود ، أهم عنده من عمله ،، هكذا يحب أن يسميها " إمبراطورية " وهو يشرح لزوجته وأبنائه ،، " يا حاج ، انتبه على أبنائك ،، اعمل لهم حاجة " قالت له زوجته حسينة ، وهي تحرك عينيها بقصد تحريض أبنائه عليه ،، والأبناء صامتون ، فقد أحسن الحاج تربيتهم ،، فهم يدركون أهمية التعاون وثمرته ، في الدنيا قبل الآخرة ،، ولمَّا لم يتكلم أحد ،، زمت شفتيها ، وحركتهم ، تأففا من صمتهم الرهيب ،، وقالت : عن إذنكم ، وخرجت مهزومة .

ها محمود ،، تغديت ،، ارتحت ؟ قال له الحاج محسن بعد الترحيب ،، رد عليه محمود : راحتي من راحتك ، فمنذ وضعت راحة يدي في راحتك ،، وجدت راحتي ( تحسن حالي )،،، هييي ، هييي محمود ،، أصبحت شاعرا ،، رد عليه محمود : كرمك وإحسانك ،، ينطق الحجر ،، هيا محمود ، بَطِّل مجاملة ،،يا سعيد ،، هات أثنين شاهي ،، بس خليهم " على كيف كيفك " صاح الحاج بصوت عال ،، وأخذ بيده إلى طاولة تطل على الشارع ،، جلسوا متقابلين ،، ها حاج بَشِّر ، ايش من جديد ؟ كلمت صاحب المحل ؟ هل تواصلت مع أصحاب المطاعم والبوفيهات ؟.

رد عليه الحاج ،، ليس قبل أن ينزل الشاهي ، وأعمل رشفة منه ،، هيا سعيد ،، بسرعة قالها محمود بصوت عال ،، مستعجلا .

هذا هو الشاهي يا حاج ،، رد عليه : لكنه مازال حارا ،، وأنا رشفتي ،، رشفة ! ،، خليه يبرد ،، ردد محمود وهو يشبك بين أصابعه قلقا ،، خليه يبرد ،، خليه يبرد .

كانت هذه الحركة كافية ، ليعرف الحاج محسن مدى حماس محمود ، وجديته .

رفع الكوب وأدناه من شفتيه ،، ومحمود يراقب ،، يحثه على الرشفة ،، هيا ،، هيا ،، حاج ،، ويقول في نفسه الرشفة هذه ، ستكون عندي أجمل نوتة موسيقية سمعتها في حياتي ،، هاهو محمود يسمعها ،، وهو يحرك رأسه يمينا ويسارا ،، وأثناء ما كان ينظر يسارا ،، قام من مكانه مسرعا ،، ويقول للحاج : دقيقة ،، وينطلق بسرعة الريح إلى الخارج ،، ثم يعود بأنفاس لاهثة تسآل الحاج : ماذا جرى ؟،،، ما الذي حدث ؟ ،،، رد محمود منكس الرأس ،، افسد علي سماع الرشفة ،،، من هو يا محمود ؟ مر ذالك الرجل الذي ضحك علي ،، عندما كان مفتش البلدية ، يطاردني ،، ثم عض شفتيه وقبض يديه ودق بها الطاولة قائلا : لكن الجبان ،، هرب مني .