السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:٥٦ مساءً

الكتابة على النار

اسكندر شاهر
السبت ، ٠٦ اكتوبر ٢٠١٢ الساعة ٠٣:٤٠ مساءً
ختمت مقال الأسبوع الفائت بكلمة ( هرمنا ) تلكم الكلمة التي ذاع صيتها حينما أطلقها عجوز تونسي إبان الثورة التونسية التي اطاحت بنظام الديكتاتور الفاسد زين العابدين بن علي ..

لست أدري كيف وردت الكلمة بتلقائية في آخر المقال ولكن لاشك أن ثمة ما يفسرها ويبررها على أرض واقعنا المرير ، فالكتابة على النار تحرق أصابع كاتب حروفها .. الكتابة بالنسبة لي ليست ترفاً ولا موهبة ولا وظيفة ولا هواية ولا احترافاً بل .. احتراقاً .. وربما غواية

قبل الحراك الجنوبي السلمي 2007م ، وأثناء حروب صعدة التي أزعم أني واكبتها أولاً بأول وعبر مختلف وسائل الإعلام بمافي ذلك بعض الفضائيات وقبل انطلاق الثورة الشبابية الشعبية السلمية تحدثنا عن ثورة التغيير بكل الوسائل وكنا نراها قريبة ويرونها بعيدة بل مستحيلة ، و المفارقة هنا أن من أنس إلى حالة الركود واعتبر النظام نهاية الحياة بل بدأ ينظر لتوريث الحكم كان ينظر إلى من يكتبون عن التغيير على أنه حقيقة بكثير من الأسف وكنا بدورنا نأسف لحالهم .. تذكرت هؤلاء وبعضهم سفراء النظام حينما تقافزوا من سفينته بعد جمعة الكرامة .. تذكرت مواقفهم ولم أستغرب سرعة قفزهم مادام السيناريو معروفاً ومتفقاً عليه – حسبما أفهم- وماهم إلا أدوات للتنفيذ لتبدو المسرحية مقنعة إلى حد ما ..

الكتابة قبل الحراك ومع الحراك والكتابة قبل حروب صعدة وأثنائها ومابعدها والكتابة قبل الثورة الشبابية والتبشير بالتغيير كانت كتابة على النار وكانت مواقف لها ثمنها الباهض الذي لايستطيع أي أحد دفعها وفي أي وقت ولست بصدد الإشارة إليها فلا يمكن اجتراح الحرية والكرامة بدون تضحيات .. وعندما بدأت تلوح في الأفق تباشير الأمل في التغيير بدأنا نخضب أصابعنا بالثلج علها تبرد وترتاح من النار المحرقة .. لنتفرغ للكتابة عن الدولة المدنية المنشودة وملامح المستقبل الذي نريده آمناً كريماً ويعيد الاعتبار لتاريخنا ووطننا وشعبنا .

على أنّ قدرنا كان ولا يزال مع الكتابة على النار ، فما لاح في الأفق لم يكن سوى سراب يحسبه الظمآن ماء .. هاهم أهل النار يضرمونها مجدداً فلا يعرف الحداد غير النار والحديد ..

ومن مفارقات الغوض في غمار الكتابة في الشأن العام هو أنك تضطر أحياناً لتدافع عن نفسك بعد أن يتحول القاتل إلى حاكم محصن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ويصبح من منحوه الحصانة حصان طروادة في عملية فتح الأشرعة لدورة حزن جديد وحروب مفتوحة وفساد بلا حدود .. اليوم وبعد أن كنا تنفسنا الصعداء نحبس الأنفاس مجدداً ونعيد أصابعنا إلى الضريم الأحمر المحكوم بالبيت الأبيض والذهب الأسود .

إيماءة

صدق شاعر اليمن الكبير عبد الله البردوني حين قال :
حُكَّامُنَا إِنْ تَصَـدّوا لِلْحِمَـى اقْتَحَمُـوا***وَإِنْ تَصَدَّى لَـهُ المُسْتَعْمِـرُ انْسَحَبُـوا
هُمْ يَفْرُشـُونَ لِجَيْـشِ الغَـزْوِ أَعْيُنَهُـمْ***وَيَدَّعُـونَ وُثُـوبَـاً قَـبْـلَ أَنْ يَثِـبُـوا
الحَاكِمُونَ و«وَاشُنْـطُـنْ» حُكُومَتُـهُـمْ***وَاللامِعُـونَ .. وَمَـا شَعَّـوا وَلا غَرَبُـوا
القَاتِلُـونَ نُبُـوغَ الشَّـعْـبِ تَرْضِـيَـةً***لِلْمُعْتَدِيـنَ وَمَـا أَجْدَتْـهُـمُ الـقُـرَبُ