الاربعاء ، ٢٤ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:٥٠ صباحاً

أنا نابليون ..!

د . أشرف الكبسي
السبت ، ١٣ اكتوبر ٢٠١٢ الساعة ٠١:٤٠ مساءً
تلك عبارة كثيراً ما تتردد على ألسنة فئة خاصة ، بوصفها إحدى الدلالات والمؤشرات على معاناة الفرد ، وتعرضه لأزمة نفسية حادة ، وانفصام وشيك في الشخصية ، وسرعان ما تهرع الطواقم الإسعافية – في مختلف دول العالم - للتدخل ونقل (نابليون) الجديد إلى مركز رعاية الأمراض النفسية والعصبية ، أما حيث نعيش ، فالحديث عن هكذا حالات من الاهتمام بوعكة النفس يعد ترفاً لا مكان له على جغرافية الألم ، فإما أن تكون (عاقل) تماماً أو (مجنون) كلياً، ولو أن احدهم قصد يوماً بعد يوم ، ولأشهر ، ميدان التحرير بصنعاء ، وصرخ بأعلى صوته (أنا نابليون) ، لرمقه الحشد والمارة بنظرة لامبالاة ، ولسان حالهم يقول : جميعنا كذلك ! ولربما ترددت إلى مسامعه عبارات: كذاب دقنك أنا نابليون ، أو: هذا يعني أنت كافر ، وقد يهمس رجل في أذن رفيقه متسائلاً: من نابليون هذا ؟ فيجيبه بهدوء : شيخ مشايخ حاشد..!

يبدو أن هناك نوعان من (نابليون) في حياتنا ، الأول يصرح علانية (بنابليونيته) تلك ، بعد أن يرفع راية الاستسلام في صراعه مع الإحباط والحرمان ، نتيجة ضياع الحقوق وتلاشي الأحلام ، فيؤثر عظمة الجنون على وضاعة العقل ، وهم في قاموس المجتمع (مجانين) ، بينما يمارس النوع الثاني نابليونيته – اللامعلنة – على حساب حقوق وأحلام الفريق الأول ، مؤثراً جنون العظمة ، وكانوا هم العقلاء !!

لا تكاد تخلو فعالية سياسية أو اقتصادية أو حتى ثقافية اكاديمية ، من لافتة ولوحة إعلانية ، على خلفية المنصة ، مكتوب عليها بالخط العريض (تحت رعاية : معالي الوزير... ، السيد المحافظ... ، دولة رئيس الجامعة...) في ابتذال واضح وسخيف ، واعتراف ضمني بقطعانية الجمع والجميع ، والاحتياج اللاواعي للسيد الراعي ! في تعظيم غير مستحق لرجل سرعان ما يبدأ الاعتقاد بأن تأديته لواجباته ومهامه ، إنما هو فضل يجود به على الغير ، حيث يتملكه بعد ذلك كله الشعور بالزهو ، وبالخط العريض أيضاً ، يبدأ – في أعماق نفسه - بكتابة لافتته الخاصة : أنا نابليون .!

عندما نمعن النظر من حولنا ، سنجد القليل من (النابليونات ) المجانين ، ممن يفترشون أرصفة الشوارع والأزقة ، لكننا سنجد الكثير والكثير من (النابليونات) العقلاء ، ممن أعمتهم (الأنا) عن رؤية سواهم ، فهم يحملون المرايا أينما وكلما ذهبوا ، فأضحى الوزير مقدم على الوزارة ، والسياسي على السياسة ، والكاتب على الكتابة ، وأصبح الأستاذ الجامعي – مثلاً - يشعر بقيمة الذات لا لمعرفة وكفاءة يخدم بهما مجتمعه ووطنه ، بل لما (يحمل) على ظهره من شهادات ومؤهلات ، ولسان حاله – في تعامله مع طلابه ومحيطه - يقول : أنا الدكتور نابليون .!

ستجد الصحافي (نابليون) ، يكتب مقالا عن الثورة وطموحاتها وأهدافها ، فإن قرأت بين السطور أدركت أنه في الحقيقة لم يكتب إلا عن ثورة ذاته وطموحات نفسه ورغباتها ، كما ستجد رجل الدين (نابليون) لا يتلو آية عن الصالحين ، إلا عدّ نفسه منهم ، ولا يقرأ حديثاً عن الخاطئين ، إلا نزه نفسه ، وألصق الخطيئة والكفر بمن خالف رأيه ، فرأيه هو رأي الدين ، ومقاصده هي مقاصد الشريعة ، وستجد سائق السيارة (نابليون) يقرأ إشارات المرور ، كما تريدها نفسه لا كما هي ، فممنوع الوقوف ، وأفسح الطريق وغيرها ، رسائل موجهه للغير ولا تعنيه في شيء ، وستجد المهني والحرفي (نابليون) يجتهد في إقناعك بنقل وتحويل النقود من جيبك إلى جيبه ، فإذا ما تم ذلك ، كان إنجاز العمل بالجودة وخلال الفترة المتفق عليها آخر ما يشغل باله ، ولطالما سيشغل بالك..!