الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٩:٠٥ صباحاً

مُشكلة الأحزاب السياسية في المجتمعات العربية

نزار القاضي
الاربعاء ، ١٧ اكتوبر ٢٠١٢ الساعة ١٠:٤٠ صباحاً
الحزب السياسي:هو مؤسسة سياسية مدنية عالية التنظيم تنشط على المستويين المحلي والقومي تسعي للحصول على مساندة شعبية توصلها إلى السلطة بوسائل ديمقراطية وممارستها من أجل تنفيذ سياسة معينة تخدم البلد والشعب.

من مفهوم وتعريف الحزب كمنظمة سياسية مدنية وبدون الحاجة إلى إستحضار التاريخ وأرقامه نظراً للوضوح الساطع لتماثل الحالة السياسية الراهنة وما كانت عليه منذ عشرات السنين، يتضح ببساطة كيف أن المنطقة العربية برمّتها لم تعرف أحزاب سياسية مؤسساتية على مرّ تاريخها إطلاقاً وإنما عرفت تنظيمات سياسية بدائية تشكّلت في النصف الثاني من القرن الماضي أُنشأت على أُسس ونظريات ومناهج وأفكار وآليات تنظيمية مستوردة غير مبتكرة تنوعت بين اليمين واليسار والوسط تبنتها وتحددت داخلها ، وظلت تتصارع فيما بينها بمختلف الوسائل في محاولات السيطرة على السلطة وفرض هذه العقائد السياسية على مجتمعاتها غير آخذة بالعوامل الإقتصادية والثقافية والإجتماعية التي قد تعيق تطبيق هذه العقائد والنظريات في مجتمعات كانت خارجة للتو من طور الإستعمار والإستبداد ولم تتشكل فيها بعد أُسس قيام دول ، ولم تعرف قبلُ أية أنظمة أو مؤسسات أو أية أشكال حكم سياسية ، فأدخلت مجتمعاتها في معمعة صراعات قسّمتها وفتّتتها حتى على صعيد القرى والأرياف !!
ومنذ ذلك الحين ومازالت هذه التنظيمات كما هي تدور في لعبة (كراسي الحكم والمعارضة) وصراع تناوب (إغتصاب السلطة) بينهما عبر الإغتيالات والإنقلابات والإقصاء والمؤامرات وغيرها من الممارسات التي أنتقلت إلى داخل هذه التنظيمات وتغلغلت فيها فجمدتها عن التحول وجمدت أنشطتها ، وأبتعدت كل البعد عن الإتصال بعامة الشعب والعمل مع فئاته واقتصر إتصالها فقط بمن ينتسبون إليها، ولم تُحدث هذه التنظيمات أو يَحدث فيها أي تغيير أو تطوير سوى التّبدّل في مسمياتها وحملها لمصطلحات سياسية لا تعرف معانيها هي ذاتها ، فملّت الشعوب منها ويأست من الحياة السياسية وعزِف الغالبية عنها وعن المشاركة فيها !
.
تطور وعي الشعوب مع التقدم العلمي والتكنولوجي للعالم وتيسُر وسائل الإتصال والتواصل الرقمي والتكنولوجي بين كل مجتمعات الأرض وانفتحت على بعضها فتطورت مفاهيمها وتغيرت الحياة اليومية للفرد العربي والمجتمعات وبقيت السياسة العربية مسجونة في (المؤامرات الخارجية والداخلية) والبحث في إنجازات (الحكام) الوهمية ، ومعارضات (عيون السفارات الأجنبية) ، واتسعت بذلك الهوة بين السياسة والمجتمع وظل معها مشروع الدولة مفقوداً.
.
جاء ربيع الثورات العربية ليكشف تطلّع الشعوب العربية خصوصاً الشباب إلى الحداثة والتغيير الجذري في حياتها السياسية ورغبتها في بناء دول مؤسسات وقوانين تنقلها من معمعة الفوضى والصراعات والحروب ودوائر الفقر والجهل والتخلف والمرض إلى حياة المدنية ، مدنية التنظيم والإستقرار والسلام والعلم والحضارة والتحديث ، فأسقطت جماهير الربيع تنظيمات (الديكتاتوريات الصدئة) الحاكمة ، لكنها غفت ثم تعثرت في البديل ، فكان من الطبيعي أن يتسلق للواجهة تلك التنظيمات المتجمدة والصدئة هي الأخرى ، نفس عناصر اللعبة ، تنظيمات أيديلوجيات (قرون الألفية الأولى) ونظريات وأفكار (الألفية الثانية) ، وكأن الزمن العربي يدور في دائرة واحدة فقط ، خارج السرب !! وتبقى معها الحالة العربية دون تغيُّر في غياب مشروع البديل ، الحزب الدولة ، أحزاب بالمعنى الكلي للأحزاب المؤسساتية ، أحزاب تُدير وتُدار ب(الإدارة العلمية) لا بالإيدلوجيات وأساليب (الإستقطاب) والإستعراض ب(مسيرات الأعضاء) ، أحزاب بأفكار ونظريات حداثية معاصرة تعبر عن الشعب الطامح وخدمته وتتبنى قضاياه ومطالبه وتعمل على تحقيقها لا أحزاب رجعية ومتجمدة تعيش في أجواء ذكريات (أمجاد القرون الماضية) وتبنّي قضايا العالم (البعيد البائد) والتخفي خلف ضجيج شعارات الأموات من مفكريّ (مابعد نابليون) بينما تمارس السطو على ثروات بلدانها وتتسلط في المناصب السلطوية فيها وتتاجر بدماء أبناءها ومستقبلهم في صفقات وتسويات وتحالفات وصراعات و.........الخ من الحماقات والجرائم السياسية ؟؟؟
.
أعتقد أن ذلك التغيير لن يأتي إلا عبر المرور بـ(العُقدة اليَـزنّية) واستقبال الغازي المُغيّر والمُحدِث المتلهث ، ليأتينا بجديده ونظامه وسلامه وخرائطه للمستقبل ، وللأسف نرى أن ذلك قد يكون قريبا ..