الثلاثاء ، ٢٣ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١٠:٤٨ صباحاً

سطو مسلح في مدينة الأمن والسلام

د . محمد حسين النظاري
الاثنين ، ٢٢ اكتوبر ٢٠١٢ الساعة ٠٩:٤٠ صباحاً
في سابقة خطيرة تكاد تكون الأولى من نوعها في مدينة الحديدة، من حيث الفكرة والتنفيد، أعني بذلك العلملية الإجرامية التي جرت يوم الأربعاء 17/10/2012م، وأسفرت عن السطو المسلح على بنك التسليف التعاوني الزراعي بمركز المحافظة... تصوروا الحديدة تلك المدينة المسماة ببلاد الأمن والسلام، يحدث في وضح نهارها اعتداء سافر ينتج عنه خسائر في أرواح عدد من حراسة وموظفي وعملاء البنك، إضافة للغرض الرئيسي من الاعتداء والمتمثل في سرقة مبلغ مائة مليون ريال، وهي المبالغ الموردة من فرع البنك بزبيد، قصد استلامها ثم توريدها للبنك المركزي.

العملية ليست وليدة الصدفة بل هي نتاج للحالة الأمنية المتردية التي تطال معظم المحافظات-وإن تحسنت في الفترة الأخيرة- فلا يعقل أن نقل مبالغ مالية كبيرة تفتقر لحراسة توازيها في الأهمية، بينما شيوخ ومسئولين تحيط بسياراتهم مواكب ضخمة من الحرس الحكومي والشخصي، فيما المال الخاص بالدولة والمواطنين لا يسترعي أن يحاط بنفس القدر من الحراسة.

بطبيعة الحال ستلقي هذه العملية الاجرامية البشعة بظلالها على البنوك الحكومية والتجارية ومحلات الصرافة ليس في الحديدة فقط بل في بقعة يتواجد بها مركز مالي، وهذا بدوره سيفقد المواطن المسكين الذي بالكاد يأمن في البنوك الحكومية ليضع فيها ما يستطيع أن يحافظ عليه في هذه الايام –النصف بيضاء- للأيام السوداء.. وإذا به يرى الليالي السوداء في عز نجوم الظهر!!.

اذا لم تستطع الجهات الأمنية ضبط الجناة في أسرع وقت، فسيعزف المواطنون والتجار عن وضع ما يملكونه في البنوك، لتأكدهم أن أموالهم ليست في مأمن من السرقة، وليست أموالهم فقط بل حياتهم كذلك، وخير دليل متعامل البنك الذي فقد حياته وهو في بهو البنك أثناء حدوث السطو المسلح.

إذا ما استمر الجناة فارين من وجه العدالة يا حكومة الوفاق، وإذا ما تكررت العملية –لا قدر الله- فنحن في حاجة الى مجمع بنكي في كل مدينة، ليحاط ذلك المجمع بمعسكر كامل ليحرسه، وهذا لن يفي بالغرض فالمتربصون بالمال العام والخاص سيترصدون لكل سيارة تنقل تلك الأموال، ولن يتورعوا عن ارتكاب الجرائم البشعة بغرض السرقة.

ما يحز في النفس أن الجناة –الذين فقدوا كل القيم- ارتكبوا جريمتهم في الفاتح من ذي الحجة شهر الله الحرام، فتناسوا حرمته ليقتلوا ويسرقوا ويروعوا الجميع، ويقتلوا فيهم فرحة العيد المنتظر قدومه بعد أيام قلائل، فأين هم من حرمة دم المسلم وماله وحرمة ذي الحجة الحرام؟!، ففي أفضل أيام الله بالعام تسفك الدماء وتنتهك الأماكن العامة وتسلب أموال الضعفاء!، فأي أناس هؤلاء الذين قُدت قلوبهم من صخر!، بل يوجد من الصخور ما يخرج منها الماء خشية من الله ورحمة بالعباد والبلاد، وهؤلاء ما هم إلا شياطين تلبسوا الجلود الآدمية، لأنهم يسرقون منا فرحتنا بذي الحجة وأيامه الفضيلة وعيده القادم.

أحسست بمرارة ما حدث وفضاعته، لأن ما حصل في البنك ذلك اليوم، جرى مثله معي في نفس الفترة بمنزلنا الكائن في بني غازي بمدينة التربة محافظة تعز، فبالطريقة ذاتها سطو يطال المنزل في وضح النهار، ليسرق البغاة كل ممتلكات منزلنا المتكون من دورين، لم يتركوا خلفهم إلا جدران خاوية، وأرض متسخة بأقدامهم النتنة، والحمد لله أن العملية رست فقط على الممتلكات –مع الحفاظ على الأرواح- في ظل غيابنا عن المنزل، ولنتصور أنه كان أحد بداخله، فمصيره لن يغاير مصير متعامل البنك، القتل وليس سواه شيء آخر.

ما حدث في المحافظتين وإن تباعدت المسافة بين نقطتي الجريمة، إلا أن النقطة المشتركة بينهما تظل انعدام الأمن، وتفشي ظاهرة الإجرام المنظم المرتكز على الأخذ بالإكراه في ظل سبات أمني فضيع، سيزيد من خوف المواطنين ليس فقط على ما يملكونه بل على أرواحهم، فالخوف قد تخطى حاجز الطرقات البعيدة والنائية وأجواء الليل المظلة، ليظهر لنا في وضح النهار، في وجوه ذئاب ليس همهم سوى المال ولا شيء غيره، حتى وإن كانت الدماء والأعراض سلماً يتسلقونه لتنفيذ جرائمهم، وهنا نشد على يد الجهات المختصة في حكومة الوفاق سرعة ضبط المتورطين في تلك الجرائم، فتأمين حياة المواطنين من المهام الأساسية للحكومة.

لسنا بحاجة الى عرّاف أو ساحر ليكشف عن الجناة فجميعاً يسرقون الشعب، فلا يفرق الدجالون عن السُرّاق في شيئ، فكلهم يأخذون أموال الناس بالباطل، وهم معاً يشتغلون لحساب الشيطان.. نحن بحاجة لأن تعود اليمن لسابق عهدها تسودها الطمأنينة، لا أقول بأن السرقات لم تكن تحدث في السابق، ولكنها لم تكن أبداً بهذا الشكل الناتج عن الفوضى وانحسار دور الدولة، وفقدان هيبتها، حتى هان على بعض الجهات الأمنية –بسبب عجزها- إيصال المواطنين للإستعانة بالدجالين والسحرة، ليصبح المواطن -المسروق- بين مطرقة السُرّاق وسندان العرّافين.. نحتاج الى يقظة أمنية وتعاون المواطنين في الادلاء بمن يشتبهون به حتى ولو كان من أقاربهم، حماية لهم ولغيرهم.

كما نهيب بالمشترين للأشياء القديمة –خاصة في الحراجات- التحري عند الشراء فالثمن البخس الذي يبيع به السارق غلته دليل عليه، ولذا ينبغي عليهم التقليل من السرقات من خلال رفضهم شراء الاشياء المشتبه بها، وإبلاغ الجهات الأمنية عنها، كما يحدث لدى الصّاغة الذين يرفضون شراء الذهب المسروق ويبلغون الشرطة، لأنهم مسائلون، ولهذا يجب مسائلة العاملين في كل (حراج) وتطبيق العقوبات القاسية في من وجدت لديه مسروقات للبيع لأنه شريك في السرقة عن طريق بيعها وتوزيعها.