الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٥:١٧ صباحاً

رسالة للرئيس هادي

د . محمد ناجي الدعيس
الجمعة ، ٠٢ نوفمبر ٢٠١٢ الساعة ٠٨:٤٠ مساءً
الأخ / عبد ربه منصور هادي.. رئيس الجمهورية اليمنية الأكرم
تحية طيبة.. وبعد

بداية أخي الرئيس تأكد أنني لا ارتجي من خطابي هذا إليك شهرة أو منفعة شخصية أو فئوية..الخ، وما لجأت إليه إلا لأني لم ولن أجد إليك سبيلاً كي أقول لك بعض ما يجب أن تسمعه وليس ما تحب أن تسمعه، من مواطن بسيط يلامس كغيره الواقع المرير الذي تشظت فيه مشارب فكر أبناء بلده، وكلي وغيري كثر أمل أن يستقر وطن حتى نستقر جميعاً.. فوجدت نشر خطابي هذا عبر السلطة الرابعة علّها تلغي حدود ترسانتك البشرية والإسمنتية الموصدة بإحكام فتقرأ رسالتي هذه.. ومع أن أملي ضعيف إلا أني آثرت الكتابة إليك أملاً في تحقيق تلك النسبة الضعيفة..

أخي الرئيس.. لقد كُنْتَ أنت ميزان لا مركز قوى بدون قرار جمهوري ــ وقد أشرتُ إلى ذلك في مقال نشر بصحيفة الوسط بتاريخ 22 يونيو 2011م، وفي موقعها http://www.alwasat-ye.net/index.php?ac=3&no=31235&d_f=17&t_f=0&t=5&lang_in= ــ فصُنع لك مركز قوى شعبياً وإقليمياً ودولياً لا نظير له وهو الأقوى بين ما تبقى من مركزي القوى عسكرية كانت أم قبلية، ولذا تنتظر منك الأغلبية التي أضنتها جُبّة مُزمنة للثالوث السرطاني من الفقر والمرض والجهل أن تزيح ولو الشيء اليسير من تلك الجبة قبل أن تهلك رازحة تحتها.. وأرى كوجهة نظر ليس إلا التالي:

• أن ترسي أنت مبدأ التداول السلمي للسلطة بتنحيك نهاية الفترة الانتقالية التي حددتها المبادرة الخليجية المزمنة، ولا تقبل التمديد تحت أي ضغط أو ظرف ومن يأتِ بعدك يكمل المشوار.. ولا تصدق بأي حال بأن نساء اليمن عقمن عن إنجاب الرجال لقيادة البلد وأنت أنموذجاً حياً لذلك، لواقع أشد مرارة، وقد تكون ذللته للقادم بعدك.. وأتمنى أن لا تمُنّ على شعب ووطن بصنيعك، واجعل من أداءك لما تبقى من فترتك أساس لحسنة في دارك الدنيا تجني ثماره في دارك الأخرى لتكون حقّاً من الذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً..

• أن توظّف ما اكتسبته من مركز قوى كعصا غليظة أثناء اتخاذ قرارات جريئة وشجاعة ممكنة التنفيذ لما يصب في مصلحة وطن دون أن تعبأ بالمرجفين من حولك ــ واعلم أن الرئيس الشهيد ألحمدي لا زالت ذكراه حية بسبب تنفيذ حكم الإعدام في حق من اغتصبوا الطفلة في تعز لم يتوافر له ما توافر لك من مكونات داعمة ــ الذين يرون النور فينكرونه، وتأكد بأن الغالب معك وهذا هو رصيد الإنسان..

• من ضمن ما ذكرته في خطاباتك ثورة الشباب، وأشرت إلى عدم رغبتك في التمديد، واعتذرت مؤخراً للشعب عن كثرة خطاباتك.. وهنا أقول لك بأن القول يصدقه العمل وهذا ما يعيد ثقة الشعب المسلوبة في مسؤولي الدولة فعليك أن تحقق أهداف ثورة الشباب السامية بيديك طالما وقد ذكرتها، وأن لا تقبل التمديد طالما وقد وعدت بذلك، أمّا وقد اعتذرت عن كثرة خطاباتك فعليك يقع ترجمتها إلى واقع يلمسه المواطن فيما ورد فيه من خطط مختلفة.. وقد قلت أخي الرئيس في خطابك الأخير الذي ألقيته بمناسبة عيد الأضحى مخاطباً الشعب " إن العالم بأسره يقف معكم ــ يا أبناء شعبنا اليمني العظيم ــ في لحظة لا تتكرر كثيراً في التاريخ الإنساني وعليكم أن تدركوا القيمة الثمينة لهذه الفرصة وأن لا تدعوها تضيع من بين أيديكم.. " .. فهل تعلم أخي الرئيس كم أضاع ــ وبمعنى اصح اغتال ــ الكافرون الوطن بهذه الفرصة؟ أذكرها لك مقتضبة وهي: الفرصة الأولى اغتالوها بُعيد قيام ثورتي 26 سبتمبر و14 اكتوبر.. والفرصة الثانية اغتالوها حينما حمل رئيس الجمهورية الشهيد إبراهيم ألحمدي مشروعه الوطني لبناء الدولة مع أخيه الرئيس سالم ربيع علي والذي اغتيل ألحمدي بسببه.. الفرصة الثالثة اغتالوها بُعيد إعادة تحقيق الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990م.. وأخيراً اغتيل عند ما حمله المرحوم الدكتور / فرج بن غانم باستقالته من رئاسة مجلس الوزراء.. وهاهو الآن بين يديك أنت لا سواك فهل ستسمح أخي الرئيس للأقلية الكافرة بالوطن وأغلبيته باغتيال ذلك المشروع الوطني كمنظومة والعبث بكل مكونات الوطن؟

• أتمنى أن يأخذ إصلاح التعليم والقضاء الحيّز الأكبر من فكرك وسلوكك، فالتعليم هو من يغذي بمخرجاته كل المؤسسات ــ بما فيها القوات المسلحة والأمن ــ فإن صلحت مخرجاته صلحت تلك المؤسسات وإن فسدت كما هو حالها فسدت كل مؤسسات الدولة، وأن التفكير في بناء الدولة المدنية الحديثة كمنظومة متكاملة لن يتحقق إلا ببناء فكر الإنسان أولاً وهو من سيتبنى ذلك وفق مقتضيات عصره.. والإصلاح الوطني لا بد أن يكون كمنظومة متكاملة لما أثبته الواقع من فشل ذريع في الإصلاحات الجزئية وتفاقم الاختلالات وترهل النظم..

• من المفترض أن تصاغ آلية عملية لإشغال الشباب والمُعسرين على سبيل المثال وهو تمليك الشباب أراضٍ زراعية بأقساط طويلة الأجل كنوع لتأصيل الولاء لديه وتشجيعهم على الزراعة واستصلاح الأراضي بدلاً من تركهم لمهاوي الفراغ وبؤر البطالة.. وكذا الحال بالنسبة للصيادين شراء قوارب صيد وتمليكها لكل مجموعة قارب على حساب الدولة وتقسط هي أيضاً لمدد طويلة، منها خلق فرص عمل، ومنها تستعيد الدولة تلك المبلغ بيسر شريطة أن توضع آلية محكمة سواء بين الصيادين أو في استرداد مبالغ الدولة..وكذا الحال بالنسبة لسائقي سيارات الأجرة المُهترأة بالإمكان تسليم سياراتهم القديمة للدولة واحتساب الجمرك القديم للسيارة الجديدة وتقسيط قيمة السيارة لمدد طويلة كنوع من خلق فرص عمل بدلاً من امتهان الناس لدى الشركات الخاصة وهم أحق من أولئك الإقطاعيين، والدولة تتخلص من مسسببات تلك السيارات القديمة بيئياً واجتماعياً..الخ، وهناك مشاريع كثر على القائمين في الدولة فتحها بدلاً من الجلوس على الكراسي الدوارة حتى اصبحوا عبء على المواطنين.. أرجو أن لا تمسخ تلك المشاريع أو تصبح بؤر ارتزاق للبعض.. فتلك الممارسات لها أثر بالغ لدى الناس وتشعرهم بقيمتهم كناس وكمواطنين..الخ..

• فيما يخص الحوار أتمنى إعادة الثقة أولاً في مصداقية تحقيق أهداف الحوار والإقرار بنتائجه وتنفيذها، وحتى تعاد الثقة، أليس من الأفضل أن يعطى كل ذي حق حقه المسلوب ظلماً وعُدواناً؟ كحق إخواننا المسلوب في المحافظات الجنوبية مثلاً وأبناء محافظات تعز والحديدة وصعدة ومأرب وغيرها كثر أنت أعلم بها من الكاتب.. إن الحماية الرئاسية والتحصينات الخراسانية لا تؤتي أكلها كما هو الحال في التحصين الشخصي بسلاح العدالة الوطنية وآلياتها دون النظر إلى الجنس أو المنطقة أو الفئة..الخ، والشواهد على التحصينين كثر قديماً وحديثاً..

• لا بد من الإعداد للانتخابات القادمة من الآن ــ ولو أن الوقت متأخراً ــ في حث الأحزاب ووسائل الإعلام للقيام بواجباتها المنوطة تجاه المواطنين بتنميتهم سياسياً ليعرف المواطن ويمارس بشكل سليم وصحيح في اختيار المرشح الذي سيخدم بلد لا فئة أو حزب، وبالإمكان توعية المواطنين بضرورة توافر شروط ومعايير نوعية للمرشح الذي يقع عليه الاختيار بغض النضر عن حزبه أو فئويته..الخ، وهنا ستجبر الأحزاب لتقديم خيرة رجالاتها لا كما دأبت عليه في الماضي وهو ترشيح الأردأ من بين منتسبيها، فقط لأنه شيخ أو يحمل عصا غليظة ضد الرعية..الخ..
ختاماً أخي الرئيس.. نحن لم نغفل عن صعوبة الإرث ومشقته فمعذرة للإطالة، ولكننا لا نعلم ما ترنون إليه وما الأمر الذي يجعلك تتلكأ في الإقدام على أمورٍ كثيرة منها مثلاً هيكلة الجيش وإخراجه من المدن إلى مكانه الصحيح.. وأذكرك هنا أنه في الوقت الذي كانت تتعالى فيه بعض الأصوات بالقول أن الساحة اليمنية معدومة من الرجال لقيادة البلد إلا من أربعة أو خمسة رجال يشار إليهم بأسمائهم بأنهم الأجدر والأقدر على قيادة البلد ــ وقد أسس لذلك منذ عقود ــ وكنت أخي الرئيس مستبعداً وبعيداً كل البعد عن إطار أولئك الرجال، ليس لعدم قدرة وكفاءة مهنية كانت أم شخصية، بل على العكس قد تكون مؤهلاً تفوق بكثير تلك الأسماء المطروحة لرئاسة الجمهورية، ولكن حُب التملك الشخصي للوطن نَصّب البعض نفسه كوصي على الوطن معتقداً أنه صفوة الصفوة وما دونه خائن وعميل و.. الخ، ولا يحق له أن يرتقي إلى ذاك المنصب أو حتى أن يساوره التفكير لذلك..!! فجاءت بك الأقدار مدفوعة من ثورة الشباب وقبلت أنت بتسلم قيادة البلد بكل ما يحتويه واقعه من تبعات متناقضة وبؤس حال مكوناته، وذلك بلا شك محسوب لك ولشجاعتك.. ألم تكن أنت خير دليل بأن نساء اليمن ولاّدات خير من أولئك النفر القليل المتكلسة الفكر والأداء؟

والسلام عليك من الله ورحمة منه وبركاته..

وفقكم الله لما يحب ويرضى