الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:٠٣ مساءً

عاجل: مطلوب كفاءات غير يمنية للعمل في مناصب وزارية

برهان أبوبكر
الثلاثاء ، ٠٦ نوفمبر ٢٠١٢ الساعة ٠٩:٣٥ مساءً
قد يَصدم عنوان هذه المقالة الكثير منا وربما يثير حفيظتنا وحنقنا وغضبنا ويجعلنا نتساءل بدهشة وباستغراب لماذا كفاءات غير يمنية؟ ولماذا العمل في مناصب رفيعة من فئة وزير؟ هل يحق لغير اليمني العمل في منصب وزير في اليمن؟ هل يسمح الدستور اليمني والقانون بذلك؟ أليست اليمن مليئة بالكفاءات وأصحاب الدرجات العلمية الرفيعة الذين يعملون في كل بقاع الأرض خارج اليمن؟ هل توقفت نساء اليمن عن إنجاب أجيال من رجال ونساء قادرين على تحمل أعباء مثل هذه الوظائف العامة الرفيعة وتحمل الأمانة والقيام بخدمة هذا الشعب الطيب والمتسامح بامانة وتفاني وإخلاص؟ أرجو ألا نستعجل الردود على كل هذه الأسئلة ونبقى معاً حتى نهاية المقالة لتتضح الرؤية والفكرة واعذروني سلفاً على الإطالة.

للإجابة على هذه الأسئلة وعلى الكثير غيرها، نقول أن ما يدور حولنا في بلدنا الحبيب من ممارسات على أرض الواقع منذ ما يقرب من أربعة عقود يوحي بما لا يدع مجالاً للشك - أو هكذا يبدو الأمر للوهلة الأولى - بأن نساء اليمن توقفن بقدرة قادرعن إنجاب أجيال من الرجال والنساء ممن لهم القدرة على شغل المناصب الرفيعة المعلن عنها في العنوان أعلاه وأن هناك ندرة واضحة للعيان في الكفاءات القادرة على تحمل هكذا أعباء! والشواهد على هذه الإيحاءات وهذه الظاهرة الغريبة التي تبدو راسخة في أذهان كل اليمنيين كثيرة. وإليكم فيما يلي بعض الأمثلة التي تبين جزء يسير من الحالة التي أصابت مجتمعنا وجعلتنا نشعر باليأس ونطالب باستقدام كفاءات غير يمنية من الدول الشقيقة والصديقة لمساعدتنا نحن أهل الإيمان والحكمة في مواجهة هذا المصاب الجلل:

1. ألم تلاحظوا معي خلال هذه السنة والسنة الماضية أن وزيراً واحداً طاف ثلاث وزارات؟ عُين أولاً في وزارة الصناعة وبعد فترة وجيزة وفي ظل حكومة الوفاق لم يجد حزبه غيره ليرشحه ليتولى حقيبة وزارة النفط. وبعد فترة وجيزة أيضاً رأيناه يعين في وزارة التعليم العالي. نحن لا نشكك، لا سمح الله، في الكفاءة والقدرات الخارقة التي يتمتع بها هذا الرجل العظيم وتحمله الصعاب من أجلنا وخدمتنا في ثلاث وزارات في فترة لا تتجاوز السنة والنصف وإنما نأخذه كمثال فقط لا غير!!

2. وهذا مثال على شخص آخر كان وزيراً للأوقاف وانتقل إلى وزارة الشباب والرياضة ومن ثم عاد إلى وزارة الأوقاف مرة أخرى في فترة قصيرة وقياسية أيضاً. مرة أخرى لا نشكك في قدرات هذا الوزير الفلتة الذي لم يستطع حزبه أن يتخلى عنه وعن خدماته في أكثر من منصب وزاري وبخاصة تلك الخدمات الجليلة التي قدمها للشباب أثناء الثورة الشبابية السلمية الشعبية في الحديدة ومناطق أخرى من اليمن ولا نغبطه على هذه الحظوة على الإطلاق وإنما نَذكُره فقط من باب إثبات أننا مبرمجين على القبول أنه لا يوجد أحد غير هذا الرجل الورع جداً للقيام بهذه المهام الجسام في طول اليمن وعرضها!

3. وهذا وزير آخر انتقل من وزير للتربية والتعليم إلى محافظ لمحافظة عدن ثم إلى وزير للخدمة المدنية وبين هذه وتلك أمور أخرى كثيرة وأخيراً حط به المسير كوزير للتعليم العالي، ولا ندري هل استحى الرجل مما حل به أم أنه أُجبر على الاستقالة ووضع حداً لمعاناته طوال هذه السنين وتحمله للأمانة التي تبرأت منها الجبال!

4. إليكم مثال آخر لشخص أكاديمي مرموق كان رئيساً لجامعة عدن وانتقل إلى رئاسة جامعة صنعاء ثم ذهب إلى وزارة التعليم العالي. ونسمع الآن أنه يستعد للعودة المظفرة إلى جامعة صنعاء كرئيس لها لأن أهل الحل والربط لم يجدوا أي كفاءة في جامعة صنعاء تستطيع أن تملأ الفراغ والدليل على ذلك أنهم كلفوا حتى الآن إثنين من منتسبي جامعة صنعاء للقيام بأعمال رئيس الجامعة بانتظار عودة هذه الشخصية المرموقة التي لم يخلق مثلها في البلاد إليها لينتشلها من الحالة المزرية التي وصلت إليها!

5. مثال آخر يدل على أنه حتى الثورة السلمية الشبابية الشعبية التي اندلعت في اليمن في العام 2011م لم تستطع أن تحل هذه المعضلة، فأتت بوزير للكهرباء من نفس الحزب الذي تنتمي إليه الأمثلة السابقة أعلاه ولكن بحلة جديدة تحت لواء المشترك بعد أن طاف بعدة وزارات في الماضي منها الداخلية والمغتربين ورغم أنه أبلى بلاءاً حسناً حتى الآن في وزارة الكهرباء ولم نعد نقضي أيام وليالي في ظلام دامس بل ساعات فقط أحياناً إلا اننا لا نناقش كفاءته من عدمها في هذا المقام وإنما قضية وَهْم ندرة الكفاءات في اليمن واعتمادنا على وجوه معينة لتولي المناصب العليا وإعادة تدويرها بين الوزارات ومرافق الدولة وإرهاق هؤلاء العباقرة الذين لم تلد اليمن من يحل محلهم ويخفف عليهم المسؤوليات الجسام الملقاة على عواتقهم! وحتى لا نكون مجحفين هناك وجوه جديدة في الحكومة التوافقية، لكن هذا الأمر لم يكن ليحدث لو لم تكن هناك ثورة تغيير سلمية واستحالة وضع حرس قديم من النظام السابق لتولي حقائب وزارية مخصصة للطرف الآخر في الحكومة التوافقية إلا من تمكن منهم بحدس وخبرة من إعاد تدوير نفسه وتبديل قناعه في وقت مبكر وانتقل من مربع إلى مربع آخر كما فعل أخينا وزير الكهرباء الحالي على سبيل المثال.

هذا غيظ من فيظ وهناك أمثلة أخرى كثيرة لا تعد ولا تحصى لا يتسع المقام لنوردها جميعاً هنا، ولكن لا بأس من أن نذكر أيضاً أن القائمين على هذا البلد من أهل الحل والعقد والربط لن يتركوا هؤلاء العباقرة وفلتات الزمن يستريحوا فيما تبقى لهم من عمرلأنه كما حدث للوزراء السابقين سيعيننون فيما بعد مستشارين لرئيس الجمهورية وفي مجلسي الشورى والنواب وفي مجلس الحكماء وهيئة مكافحة الفساد، إلخ. على عكس ما يحدث في البلدان الأخرى تماماً!!

بالله عليكم، هل تعرفون أين ذهب جيمي كارتر وجورج بوش وكلينتون ونلسون منديلا ومارجريت ثاتشر وجون ميجر وتوني بلير وجاك شيراك وساركوزي ومهاتير محمد وغيرهم الكثير من رؤساء ورؤساء وزراء ووزراء في العديد من الدول؟ هل نسمع بأنهم أعادوا إنتاج أنفسهم وبدلوا أقنعتهم وظهروا لشعوبهم بوجوه أخرى للحصول على مناصب رئاسية أو وزارية؟ كل من نسمعه عنهم أنهم يقومون بأعمال خيرية لخدمة مجتمعاتهم والمجتمعات الأخرى مثل جيمي كارتر، الرئيس السابق لأمريكا، الذي يقوم بجمع التبرعات هو وزوجته لمساعدة المعسرين في كولومبيا على بناء مساكن تأويهم ويذهب هو شخصياً ليبني تلك المساكن معهم. هؤلاء الناس يحترموا أنفسهم ويعرفوا أن الوظيفة العامة تكليف وليست تشريف قولاً وعملاً. لذلك لا نراهم يتشبثون بها بأياديهم وأسنانهم ويسفكون الدماء في سبيل الحفاظ عليها وتوريثها للأولاد والأحفاد ولا ينفقوا أيضاً كل ما جمعوه من ثروة مشروعة أوغير مشروعة في تدمير بلدانهم بكل الوسائل الممكنة وغير الممكنة بدافع الانتقام من شعوبهم بعد خروجهم من السلطة! كما أنهم لا يحتاجون إلى مندوب سامي من الأمم المتحدة ليحضر إلى بلدانهم كلما عُزل قائد عسكري أو محافظ أو وزير أوغفير من منصبه ليقوم بزيارات مكوكية ويتوسط بينهم وبين من عزلهم ويقدم لهم الحصانات والإعفاءات والامتيازات والمناصب البديلة! فالوظيفة العامة بالنسبة لهؤلاء البشر تظل إسم على مسمى- وظيفة عامة- ملك للشعب وليس للفرد الذي يعين فيها وترى البعض منهم يحتفل ويبتهج حين يعفى منها او تنتهي مدته ويرحل عنها.

من المتعارف عليه في كل بلاد الدنيا أن إقالة وزير من منصبه بعد عدة أشهر تعتبر مؤشرعلى أنه لم يؤدي واجبه بالصورة المطلوبة ولذلك وجب تغييره وليس إقالته من منصب مهم ومكافئته على الإخلال بواجباته بمنصب أكثر أهمية. إذا كان هذا الوزير قد أبلى بلاءاً حسناً، لماذا يُنقل في الأساس من منصبه إلى منصب آخر في نفس المستوى بعد عدة أشهر فقط ليبدأ رحلة التوهان والتنظير من جديد ويَضِيع معه شعب بأكمله؟! أين هي الحكمة اليمانية التي نتحدث عنها بمناسبة وبغير مناسبة؟

إذاً، هل يحق لنا أن نتندر على وضعنا المزري ونطرح مثل هذا النداء العاجل في محاولة لإيصال الرسالة إلى أهل الحل والعقد والربط في هذا البلد ليتوقف هذا الاستخفاف بعقول الناس؟ هل يحق لنا أن نرفع أصواتنا عالياً وننادي بفتح المجال للشباب والدماء الجديدة والكفاءات لتقوم بخدمة هذا الشعب الطيب ونستفيد من أصحاب الكفاءات والخبرات في الحكومات السابقة في توجيه البلد في الإتجاه الصحيح، أم نظل نوهم الشعب اليمني أن اليمنيات لم يعدن ينجبن أجيال جديدة من الكفاءات المؤهلة من الرجال والنساء القادرين على تحمل المسؤولية ومواجهة المحاسبة عند الإخفاق كما يحدث الآن في إيطاليا مع برليسكوني رئيس الوزراء السابق؟

أمنيتي أن يقنعني أحد ما بأن ما ذهبت إليه من باب استثارة الهمم والتفكير بمنطق فيه أي خطأ، وأن الأمثلة التي طرحتها لا تمت للواقع بصلة وأن ما يحدث في بلد الإيمان والحكمة هو الصواب بعينه وأن على الدول المتخلفة في العالم أن تحذوا حذونا وتقوم بتدوير وزرائها ورؤسائها حتى يحكموا بلدانهم حتى الممات- من الكرسي إلى القبر- وتجعل وزرائها يتقلدوا جميع الحقائب الوزارية الواحدة تلو الأخرى من باب أن "في الإعادة الإفادة"!

طالما أنه لا يمكن حجب عين الشمس بغربال، أتمنى من الأعماق أن يحل علينا عيد الأضحى القادم وقد بدأنا نرى مؤشرات تطمئننا بأن اليمنيات لا زلن ولادات وأنهن لازلن قادرات على إنجاب وتربية قيادات ذات كفاءة وقدرة على إدارة بلد الإيمان والحكمة بحكمة حقيقية وبدون استغفال وبعقلية تتناسب والعقلية التي تدار بها البلدان في القرن الواحد والعشرين.

كل عام واليمن من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها وكل اليمنيين من كافة الأطياف والجهات والتوجهات بألف خير وأمن وسلام ومحبة ووئام.