الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٢:٤٥ صباحاً

عناصر الإستخبارات .. والنيران الصديقة

بشير المصباحي
الخميس ، ٠١ يناير ١٩٧٠ الساعة ٠٣:٠٠ صباحاً
هناك سؤال ملح يتبادر إلى الأذهان بشكل متكرر هذه الأيام ..
السؤال يقول لماذا نسبة أبناء المناطق المحيطة بصنعاء أكثر موالاة لقيادات السلطة مقارنة بغيرهم وماهو سبب تخوفهم من رحيل النظام أكثر من مناصري السلطات في بقية المحافظات؟؟؟
وللإجابة على هذا التساؤل فإنه وبكل بساطة فإن معظم أبناء هذه المناطق ظلوا منذ بداية حكم الرئيس / علي عبدالله صالح وهم يتقاضون مرتبات من دون وظيفة أو تأطير في وحدات عسكرية أو أمنية يعملون فيها فكان نظام 78م من أول يوم تقلد فيها السلطة وهو يعد العدة لمثل هذه الأحداث والمواجهات ، وليته أعد لها بطريقة أخرى تلامس حاجات الوطن ومستقبل أبناءه من خلال إحداث نقلة نوعية في مجالات البناء والتنمية البشرية المستدامة وتطوير الإقتصاد والبنى التحتية وإنشاء المصانع والمشاريع الحاضنة للعمالة لكان ذلك أبقى له وأقوى في مواجهة خصومه السياسيين وأشفع له لدى عامة الشعب .
وفي ظل هذه الأحداث التي تعيشها بلادنا فإن السلطات اليوم تقوم بإستغلال حاجات المواطنين وجهلهم بحقوقهم السياسية والمدنية عن طريق بث و إشاعة المخاوف لدى هذه الشريحة الواسعة من المواطنين وإرسال الرسائل إليهم سواء عبر وسطاءها الذين أقرت وصايتهم على أبناء هذه المناطق من المشائخ والمتنفذين المسيطرين على عقول وإرادة ومستقبل هؤلاء البشر أو من خلال الشائعات التي تروج لها الأجهزة الرسمية بأن مرتباتهم التي يستلمونها بدون أي عمل يقومون به لن يتمكنوا من إستلامها بعد تغيير النظام وأركان حكمه ، لأنهم لا يخضعون للوائح وأنظمة الخدمة المدنيه أو العسكرية بمعنى أن أسماءهم ورتبهم العسكريه ومستحقاتهم الشهرية هي جزء من ممتلكات الشيخ أو الزعيم القبلي أو الديني الذي يقودهم والتي بفقدانه لنفوذه وسيطرته سيفقدون كل شئ وإن أعدادهم الهائلة بمئات الألأف لن تجد لنفسها من مفر سوى أن يتم ترحيل هذه الإمتيازات عنهم قبل أن يتم تغيير نظام الحكم ، فنجد المزارع وصاحب البقالة والحارس في عماره وسواق التاكسي وبائع البطاط على العربيه والمقوت وصاحب الباص وغيرهم من شرائح المجتمع المختلفة الذين وصفهم / عبده الجندي بالحفاة العراة إما أن يتركوا أعمالهم الخاصة بهم ويعهدون أمر إدارتها لأشخاص أخرون من أجل التفرغ التام للذهاب لمناصرة الرئيس في الأماكن المطلوب منهم التواجد فيها أو أنهم قد سخروا سبل عيشهم كليا لذات الغرض في سبيل الحصول على خمسة ألاف ريال يوميا تمنعهم من التردد في إتخاذ القرار لمناصرة السلطات في تحركاتها كون هذا المبلغ قد يغطي أو يزيد على ما يحصلون عليه من عوائد أنشطتهم التجارية الخاصة .
وعندما نعود لإعلان الرئيس في بداية الثوره عن تخصيص ستون ألف وظيفة عمل لهذا العام وإستبشار معظم الذين تقدموا بملفاتهم لوزارة الخدمة المدنية منذ سنوات ، نجد أن الفرحة سرعان ما تلاشت من قلوب الناس فتلك الوظائف بمجملها عدى الجزء اليسير منها لم تكن سوى تحرك عملي لمكافئة بعض هذه العناصر المشار إليها أنفا و الغير مدرجة مرتباتهم في ميزانية الدولة المعلنة سنويا ، وذلك لتخفيف العبئ على السلطات الحالية وأجهزتها من جهة وكذا إستخدامها كعامل إغراء لمن يسير في فلكها ، ومن ناحية أخرى يتم من خلالها تغطية العجز الذي تعاني منه بعض الإدارات العامة من عناصر الإستخبارات لمواجهة أحداث كالتي تعيشها البلد حاليا ، وإن لم نقل الكل فإن معظم من تم إدراجهم وقبولهم ضمن كشوفات التوظيف يحملون هذه الصفة أساسا وأكبر دليل على ذلك التجاوزات التي تمت لألأف الحالات التي كانت درجاتها أكثر إستحقاقا وفقا لأليات المفاضلة والأقدميه في كشوفات الخدمة المدنية و تم إحلال أسماء بدلا عنها بعيدا عن ما تنص عليه قوانين التوظيف والخدمة العامه وأقل إستحقاقا من الكثيرين غيرهم ممن مضى على بعضهم عشر سنوات وهو ينتظر دوره الذي لم يأتي بعد .
لكن الأمر لم ينحصر في الإدارات العامة لرفدها بمثل هذه الكوادر الإستخباراتية وحسب فبعد أن تم تعزيز أماكن تواجد هذه العناصر في كل الإدارات العامه ومداخل البيوت والشوارع والحارات وأسطح المنازل والساحات الموالية والمعارضة على حد سواء وغيرها من الأماكن المستهدفة فإن الخطة الرسمية قد تجاوزت ذلك لتتجه نحو القطاع الخاص في سبيل رفده بمثل هذه العناصر الهامة أيضا بالنسبة لها .
فقد عملت أجهزة الإستخبارات في هذه الفترة الأخيره على تطعيم مؤسسات القطاع الخاص الصغيرة والمتوسطه خاصة تلك التي ينتمي أصحابها للمحافظات الجنوبية والوسطى بعناصر الإستخبارات التابعة لها ، ومع أن هذا القطاع يشهد ركودا لا يسمح له بإستحداث وظائف جديده وقام بالإستغناء عن الكثير من الكوادر التي لديه ، إلا أنه قد أستخدمت الكثير من الوسائل والسبل لإقناع أصحاب هذه المؤسسات بصورة أو بأخرى من الحيل التي لا تعجز عنها قيادات هذه الأجهزة من خلال الإيعاز لكل عناصرها وعملاءها لإقناع هذا الشخص أو ذاك من التجار ورجال الأعمال بتوظيف شخص أو أكثر بمبرر الحماية الأمنيه في ظل الظروف الراهنه أو بمبرر إستغلال فرصة تكدس العماله لإعتماد أشخاص جدد للوظائف التي لا تتطلب خبره برواتب متدنيه وبحكم طبيعة المصلحة وحسابات الربح والخساره التي قد تكون مشروعة في كثير من الأحيان لدى أرباب العمل فإنهم سرعان ما يقبلون بذلك.
فتجد الموظف الجديد من هؤلاء من أول وهلة يستلم فيها العمل في القطاع العام أو الخاص أو في الميادين المختلفة لا يكاد يستلم وظيفته حتى يبدأ بتراتيل التسبيح والحمد للنظام وتقديسه له و دعاءه بالبركة والصلاة والسلام عليه وعلى أتباعه ومن والاهم بزور وبهتان إلى يوم الدين .
ومن الذكاء المحسوب للسلطات قدرتها على إستخدام هذه الورقة في هذا الوقت لأن المواطن العادي يتأثر كثيرا وهو يرى هذا الأسلوب المغلف بأم عينه وقد يجد نفسه ينسى ألامه وجراحاته وإحتياجات أسرته ومستقبل وطنه وأمته عندما يرى جاره أو صديقه أو قريبه وهو يناصر السلطة بذلك الحماس ، خاصة وأنه لم يعهد منه أن قام بإرتداء البزة العسكرية أو الأمنية أمامه ، وليته يعرف أنه في الوقت الذي كان والده يبحث له عن شهادة ميلاد كان والد صاحبه أو قريبه يقوم بتقييد إسمه في سجلات العسكريين المحسوبين على أحد المتنفذين ليتم منحه البطاقة الأمنية أو العسكرية التي تثبت ولادته الحقيقية .
ووجه الغرابة هنا أن صاحب العمل أو المؤسسة الحكومية التي تدفع الخمسة وعشرون ألف ريال أو أقل من ذلك راتبا لهذا الشخص في وظيفته الجديدة لا تمثل حتى عشرون في المائة من مصروفات هذا الشخص الحقيقيه فمن أين يغطي بقية النفقات يا ترى .. خاصة إذا كان هذا الشخص يقوم بتناول القات ولوازم جلسته يوميا لتمجيد وتعظيم من جاء لأجله ناهيك عن باقي المصاريف الأخرى ..؟؟؟
ومانود التنويه إليه بأن أي شخص من الموظفين قد يجد نفسه ما بين برهة وأخرى قد أصبح ضحية لإحدى النيران الصديقة سواء بإصابة مباشره أو نتيجة لتطاير الشظايا لأي قصف مجاور ... ولكن المؤكد أن تلك النيران مهما بلغت ضراوتها فلن تثني المخلصين لهذا البلد أبدا من مواصلة نضالهم حتى يتحقق لهذه الأمة ما تصبوا إليه من مجد ورفعة وإزدهار إن شاء الله تعالى.
ومن هنا فإنني أدعوا جميع إخواني المغرر بهم والخائفين على مستقبلهم بأن الوطن سيكون أبقى لهم من هؤلاء الذين يحاولون غسل أدمغتهم لتشويه الحقائق عن الثورة وأهدافها أو تخويفهم بأنها ما قامت إلا لتنتقم منهم ومن مواقفهم وتحاربهم في مصدر معيشتهم .. فالثورة قامت من أجل كافة أبناء اليمن وهي ملك لكل اليمنيين وليس لديها ثأر مع أحد ، بل إن الفئات التي ظلت على مر العقود الماضية مهمشة تعليميا وثقافيا وإجتماعيا ستكون ومستقبل أبناءها على سلم أولويات الثورة لتحريرهم من جميع أنواع التبعيات الشخصية أو القبلية أو المناطقية ليكون شعار اليمنيين جميعا وولاءهم المطلق لله سبحانه وتعالى ومن ثم الوطن وثورته ووحدته المباركة .. أفعالا لا أقوالا .. وحقائق لا شعارات ومزايدات.