السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٦:٤١ صباحاً

ملفات يمنية ساخنة: (1) الثروة السمكية!

عبدالواسع السقاف
الجمعة ، ٠٩ نوفمبر ٢٠١٢ الساعة ١٢:٤٠ مساءً
ما يجب أن تعرفه أخي القارئ الكريم أنّ اليمن تُطل على 2500 كم من الشريط الساحلي الذي يطل بدوره على البحر الأحمر والبحر العربي، وهي ميزه إستراتيجية هامه وسبب رئيسي في الثراء والتنوع وكثافة الشعاب المرجانية التي تتميز بها اليمن والتي أدت إلى تنوع في أعداد الأسماك قد يصل إلى قرابة 400 نوع أو يفوق ذلك. إن هذا التنوع قد لا يتوفر مثيله في الدول العربية، ولذلك فإننا نجد أن دول كثيرة تقوم بالاستثمار في المياه البحرية اليمنية ومنها اليابان والصين وماليزيا واندونيسيا والأردن ومصر، ويستوردون من أسماك اليمن وآخرون يصطادون بطرق جائرة كالتفجير أو الجرف ودون مراعاة لمواقع الشعاب المرجانية وموسم تكاثر الأسماك.
ورغم كل هذا التنوع البحري الكبير الذي تمتلكه اليمن إلا أن الدراسات والإحصائيات تشير إلى استغلال حوالي 60 نوعاً فقط من الأسماك والأحياء البحرية من إجمالي الموارد السمكية، وهي الأنواع المرغوبة للاستهلاك المحلي ومرغوبة في الأسواق الأجنبية وتمثل تلك الأنواع المستغلة من الأسماك ما نسبته 17% فقط من أجمالي أنواع الأسماك والأحياء البحرية المتواجدة في المياه اليمنية. كما أن التقارير تشير إلى أن اليمن تحتل المرتبة الرابعة بين الدول العربية المنتجة للأسماك بعد المغرب وموريتانيا ومصر، ولازالت هناك بعض أنواع من الأسماك لم يتم استغلالها مثل: الماكريل الجدب والتونة المهاجرة وشروخ وجمبري الأعماق، وبعض الرخويات!!
وتُعد اليمن من الدول الأولى عالمياً في إنتاج وتصدير (الحبَّار)، وتحتل المرتبة الأولى بين الدول العربية في إنتاج الشروخ الصخري حسب إحصائية منظمة الأغذية والزراعة الفاو. إلا أن الاصطياد الجائر خصوصاً للشروخ والحبار والجمبري المرغوب خارجياً يُعد مشكلة خطيرة تهدد هذه الأنواع بالانقراض من المياه اليمنية. ويعتبر القطاع السمكي احد أهم القطاعات الاقتصادية في اليمن بحسب أغلب الدراسات، وهو المصدر الثاني بعد النفط في توفير العملة الصعبة للبلد، كما أنه يوفر أكثر من 70 ألف فرصة عمل في مجال الصيد و30 ألف في مجال الصناعات السمكية والأنشطة الأخرى المرتبطة بالقطاع السمكي كالنقل والخدمات العامة بإجمالي 100 ألف فرصة عمل. وبحسب إحصائيات كان إنتاج اليمن من الأسماك في 2010 نحو 300 ألف طن بقيمة 120 مليون دولار، إلا أن هذا الرقم تراجع في العام الماضي 2011 بنسبة 35 بالمائة نتيجة للأزمة السياسية وانعدام المشتقات النفطية التي يحتاجها الصيادون.

غير أن هذه الأرقام ليست الشيء الوحيد الذي يجب على المواطن اليمني معرفته عن ثروته تلك، بل الحقائق التي لا يعرفها أغلب الناس عن هذا القطاع الحيوي المنهوب، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

• قيام السفن الأجنبية باستنزاف الثروة السمكية اليمنية بشكل مرعب وغير قانوني حيث تُمد الشباك بالهكتارات لتغطي مساحات شاسعة من مناطق صيد الأسماك لتجرف ما فيها من سمك وغير سمك! ومن الجُرم الذي ما بعده جُرم أن تنتقي من تلك الأسماك ما يُناسبها وترمي البقية وقد تلفت في البحر!

• هناك سفن تقوم بالتعليب في عرض البحر فتقوم بجرف الأسماك وتعليب ما يُناسبها ورمي المخلفات والنفايات في البحر وتمضي بحفظ الله دون رقيب!

• هناك السفن التي تستخدم أساليب محرمة دولياً في الصيد ومنها تفجير عبوات ديناميت لقتل الأسماك وهي بذلك تقوم بالقضاء على الشُّعب المرجانية والمزارع البحرية التي تتربى عليها الأسماك، وفي دراسة فإن مثل هذه الشُّعب تحتاج على الأقل إلى مائة سنة لتعود كما كانت عليه!! أي أن هذه السفن تساهم في القضاء على الحياة البحرية في شواطئنا بشكل ينذر بزوال هذه الثروة!

• بعد كل هذا الهدر والاستنزاف للثروة السمكية لم يعد الصياد اليمني قادراً على الصيد في المياه القريبة، بل أصبح مطالباً بقطع الكيلومترات ليواجه سُفن الصيد الأجنبية بإمكانياته البسيطة وينافسها على رزقه!

• تنافس السفن الأجنبية قوارب الصيد المحلية وصيادي اليمن البسطاء الذين يعتمدون في عيشهم هذا القطاع الحيوي.. وكثيراً من سكان المدن الساحلية اليمنية ومنها تهامة هم فقراء ويعتمدون في غذائهم على السمك والمأكولات البحرية التي بدأت بارتفاع ثمنها محلياً ولم تعد كما كانت غذاء البسطاء، فقد وصل سعر كيلو الجمبري إلى ما يُقارب 15 دولاراً وبعض أنواع الأسماك مثل الديرك إلى ما يعادل 10 دولارات بعد أن كانت رخيصة جداً مقارنة باللحوم البرية فأصبحت تعادلها سعراً رغم هذه الثروة التي من المفترض أن لا تنضب حسب تقدير علماء البحار!

• بدأت كثير من الأنواع البحرية بالانقراض والشحة في السوق اليمني نتيجة للصيد غير المسئول الذي يتم أحياناً في غير مواسم الصيد ومنها الجمبري الذي قلَّ بنسبة 50% نتيجة لصيده في غير موسم (فترة التزاوج والتكاثر) بحسب بعض الدراسات. كما أن (سمك أبو سيف وأبو مطرقة) قد انقرضت من سوق السمك.

• الصيد غير الممنهج قد يؤدي إلى ازدياد نسبة البطالة حيث ومهنة الصيد تمنح فرصاً لعشرات الآلاف من اليمنيين الذين احترفوها وورثوها وخبروها ويعيشون عليها!!

• هناك شبكة فساد كبيرة في هذا القطاع الحيوي استنزفت ومازالت أموال الدولة المحصلة من هذا القطاع، وتم الحديث عنها والتنبيه لها بالوثائق في عدد من الصحف والمواقع الالكترونية، ولكن لم يتم اتخاذ أية تدابير أو إجراءات ضد المخالفين.

كثيراً هي تلك الكتابات والدراسات والإحصائيات الموثقة التي تطرقت ومازالت تتطرق لقضية استنزاف الثروة السمكية اليمنية، إلا أن الجهات المعنية لم تقم حتى الآن بدورها الفاعل في الحفاظ على هذه الثروة المهدرة التي لو تم الحفاظ عليها واستغلالها بشكل أمثل لكفت اليمنيين الحاجة والعوز، ناهيك عن الثروات الأخرى التي تحدثنا عنها وما زلنا نُنبه لضرورة إنعاشها وتطويرها والمحافظة عليها من ثروات طبيعية وبشرية يمنية "ثروات الشعب اليمني".. إلا أنَّ جدنا الشاعر عمرو بن معد يكرب الزبيدي لم يخطئ عندما قال "وقد أسمعت لو ناديت حياً *** ولكن لا حياة لمن تُنادي!!"