الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٨:٢٩ صباحاً

لا تتوقعوا منا ما ليس من دورنا ,ولا تلومونا في ما ليس بمقدورنا

محمد عثمان المخلافي
الاربعاء ، ١٤ نوفمبر ٢٠١٢ الساعة ٠٢:٤٠ مساءً
تشهد بعض المناطق اليمنية من حين لآخر حروبا تذكرنا بعصوركنا نظن أنها انطوت و صارت حكايات للتسلية ,وبعض تلك المناطق عُرف عنها ارتفاع نسبة المتعلمين من ابنائها ومنهم العشرات من حملة المؤهلات العليا ,فيتساءل كثيرون كيف يحدث ذلك في مناطق كتلك ؟ ويذهب بعضهم الى لوم وتوبيخ حملة المؤهلات العليا أو من يسمونهم (حملة الأقلام ) لتقصيرهم وقد كان منتظرا منهم المبادرة لإطفاء تلك النيران المشتعلة
بمقدور المثقفين أن يمنعوا اشتعال حرائق في المستقبل إذا نجحوا في إشعال النار في العقول للتخلص من العقلية السائدة لإدراك المصلحة الحقيقية العامة والتمييز بين الحق والباطل والخير والشر والضار والنافع , ولكنهم يعجزون ان يطفئوا الحرائق المشتعلة من فوهات المدافع والبنادق حين تعلو قيمة القوة فوق كل القيم و تغيب العقول خلف ثورة المشاعر الغاضبة الهائجة التي تتحكم بالسلوك وسط ظلمة الغضب والرغبة في الانتقام وادراك الثأر,فيقدم الاب اوالاخ على التضحية بأبناء او اخوان آخرين وهو يثأر لأبن او اخ له لأن ما يحركه ليس الحزن على من فقد وانما لعجزه عن ضبط الشعور الطاغي بالاهانة للفرد او للجماعة وما يعنيه ذلك من حط للقَدْر والانتقاص من الجدارة,فلا تصالح على الدم الا بدم .

وقد تغيب العقول وتعلو قيم القوة والسيطرة نتيجة الرغية الجامحة في مكانة أعلى والاستزادة من المصالح المترتبة عليها في السلطة والثروة أو المحافظة على مكتسباتها القائمة لتشرب حين ترد الماء صفوا ويشرب غيرها كدرا وطينا وكل ذلك يحدث في ظروف اختلت فيها موازين القوى لصالح افراد في الجماعات ولصالح جماعات في المجتمع معتمدين (افرادا وجماعات) على بيض الصفائح غير المشروعة لا سود الصحائف .لا يستند المثقف الى عصبية يخشى اولئك غضبها إن أغضبوه فيصغون اليه كسبا لرضا عصبيته ولا الى قوة مادية يخافونها او يرجونها. وقوته تكمن في أفكاره وتغلغلها في عقول الناس وفي قدرته على ادراك الاسباب الحقيقية للصراعات المشتعلة وهي اسباب لا يهتم بها رجال الامن ورجال القضاء عادة لأنهم معنيون بالقضية من حيث اسبابها المباشرة والظاهرة للعيان.

والحلول التي تبحث عنها الجماعات الباحثة عن حل حينئذ ليس بالضرورة ان تكون مما في ذخيرة المثقفين من افكار عقلانية وانما مما جرى عليه العرف والعادة او فرضته موازين القوى الجديدة وهكذا يجد المثقف نفسه غير مرغوب فيه من أطراف النزاع ومن أطراف الحل ايضا .

إن الطبيعة البشرية لا تتغير وإنما تتهذب في ظروف مناسبة لذلك فتتغير نظرتها الى طرق اشباع دوافعها الإنسانية فنجد ( فيليكس) الامريكي من اصل نمساوي يقفز من أعلى نقطة في الفضاء مستخدما تكنولوجيا العلم الحديث لإشباع حاجته إلى تحقيق مكانة مرموقة , في حين أننا نجد من يشبعون تلك الحاجة على طريقة قبيلة بكر و تغلب.

والظروف المناسبة لتهذيب الطبيعة البشرية عديدة ابرزها تحقيق قدر من التعليم لا يقل عن الاساسي ( معارف ومهارات وقيم واتجاهات وليس مجرد شهادات ورقية ) تمكن الشخص من معرفة أين تكمن مصلحته ومصلحة أبنائه وأحفاده من بعده ,ومن إدارة الخلافات بطرق سلمية,فإذا سولت له نفسه أن يحقق مصالحه على حساب مصالح آخرين وجد أمامه سلطة تمنعه من فعل ذلك وتعاقبه على فعل ذلك ,فيرتدع هو وغيره , ولا يمكن لتلك السلطة ان تقوم بذلك ما لم يكن لها وحدها حق احتكار القوة المشروعة لحماية المصلحة العامة واعتراف المجتمع بشرعيتها ومراقبته لأدائها,ولا يمكن للتعليم والسلطة ان يؤتيا اكلهما الا في ظل نشاط اقتصادي يتيح للناس فرص تحقيق مصالحهم دون الحاجة الى العدوان على حقوق الاخرين .وبدون ذلك فإن ما يحدث سيستمر في الحدوث