الثلاثاء ، ١٦ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١٠:٤٩ صباحاً

الحوار الوطني حيلة ومكيدة لاستدراج الجنوب!

د . عبدالله محمد الجعري
الخميس ، ١٥ نوفمبر ٢٠١٢ الساعة ٠٣:٤٠ مساءً
لعل هناك من يتساءل لماذا يصر نظام صنعاء على دخول الجنوبيين ممثلين بحامل قضيتهم الحراك السلمي في ما يسمى الحوار الوطني، وهو ـــ أي نظام صنعاء ـــ إلى الأمس القريب لا يعترف أو يقر بهذا الحراك السلمي الجنوبي، فما الذي جد واستجد حتى أن صنعاء تقوم بتخصيص وإعداد لحوار وطني لحل قضية شعب الجنوب، هل خلف الأكمة ما وراءها، أقول نعم! هناك هدف استراتيجي مخطط له بدقة وعناية فائقة من قبل نظام صنعاء القبلي الذي هزت ثورة الشباب في الشمال من كيانه وزعزعت ترابطه وتحالفاته وحساباته، فيخشي أن تأتي الطامة الكبرى من جهة الجنوب وهو ما سيحصل بالفعل عاجلاً أم آجلاً سيما في ظل التقلبات في السياسة الدولية وعدم استقرارها فأصدقاء الأمس أعداء اليوم والعكس فلا ثبات في السياسة مطلقاً، لذا فأن هذا النظام القبلي المتهالك يسعى للملمة ما تشظى منه لعلمه الأكيد واليقيني أن الضربة إذا ما أتت من الجنوب فلن يستطيع مقاومتها والفواق منها، وحتى لا تتحقق مثل هذه السيناريوهات التي يراها ويقرأها ويلمسها النظام القبلي في صنعاء يحاول بشتى الطرق والوسائل لإقحام الحراك الجنوبي في الدخول في حوارهم المزعوم تحت ذريعة حل قضية الجنوب وهو يعلم يقيناً – أي نظام صنعاء - أن أي نتائج تتمخض عن هذا الحوار لن تحل قضية شعب الجنوب لأن حلها الوحيد هو ما أرتضى به الشعب الجنوبي وأقتنع به واختاره ألا وهو فك ارتباطه عن نظام صنعاء القبلي، وهو ما لا يرضى به هذا النظام، لأن من تذوق وتعود على نهب ثروات الجنوب لن يرضى أن تُسلب منه هذه الكنوز التي يرى أنها له حجراً محجوراً هذا أمر، والأمر الآخر لإصرار نظام صنعاء على دخول الحراك الجنوبي في ما يسمى بالحوار الوطني هو أن هذا النظام القبلي قد أعيته الحيل وباءت كل مخططاته بالفشل الذريع أمام سلمية حراك الشعب الجنوبي، فلقد حاولت مطابخ إعلامه مراراً وتكراراً إلصاق التهم بالحراك السلمي الجنوبي فتارة نعتته بأنه تنظيم قاعدة وتارة أخرى بأنه عميل لإيران بل وصل الأمر ببعض من زبانية نظام صنعاء إلى التشدق بالقول أن الحراك السلمي الجنوبي ممول من إسرائيل، وقبلها وصفوا الحراك السلمي بأنه مسلح وغيرها من التهم والإفتراءات التي كذبها الواقع وسقطت أمام الصمود الأسطوري لشعبنا الجنوبي الذي أثبت للعالم قاطبة أن حراكه هو حراك سلمي مشروع تقره شرائع السماء ولا تنكره تشريعات البشر والمواثيق والعهود الدولية، وأن أصدق وأدل على سلمية هذا الحراك أن أبناء شعبنا الجنوبي بمختلف شرائحهم وفئاتهم العمرية يواجهون بصدورهم العارية أعتى آلات القمع والتنكيل والقتل سواء تلك التي ترتكب من قواته العسكرية المرابطة في الجنوب بعد اجتياحه في حرب صيف 1994م، أو تلك التي ترتكب من قبل تلك التنظيمات التي زرعها نظام صنعاء في الجنوب كتنظيم القاعدة وما قام ويقوم به هذا التنظيم من أعمال عنف وإرهاب ضد أبناء الجنوب، ومع هذا كله ظل الحراك الجنوبي سلمياً حتى اللحظة، هذه السلمية هي التي أقنعت العالم بمشروعية هذا الحراك الجنوبي وأنه حامل لقضية وحامل لمشروع وطني يتمثل في استعادة دولة المؤسسات والعدالة الاجتماعية والمساواة التي يفتقر النظام القبلي في صنعاء لأبسط أبجدياتها.

الأمر الثالث الذي يجعل صنعاء تصر الآن على ضرورة التمثيل الجنوبي في حوارها الوطني المزعوم هو أن المبادرة الخليجية وبإصرار من أطراف في نظام صنعاء لم تتضمن أي بند يخص قضية الشعب الجنوبي لأن أطراف نظام صنعاء كانت أثناء صياغة تلك المبادرة لا تقر ولا تعترف بشيء أسمه قضية جنوبية، لذا قال الجنوبيون إن هذه المبادرة لا تعنينا وحُق لهم ذلك، فما كان من نظام صنعاء ومن سار على شاكلته لتصحيح تلك الغلطة الذي وقعوا فيها إلّا أن يدعوا إلى هذا الحوار المزعوم حتى يستدرجوا الجنوبيين ويدخلونهم إلى المبادرة الخليجية من الشباك الخلفي ومن ثم تطبيقها على الجنوبيين باعتبارها مرجعية لهذا الحوار المزعوم ولكن هيهات لهم ذلك، فأبناء الجنوب على وعي تام بمثل هكذا مخططات فما بالكم بالسياسيين منهم وبالذات الذين اشترطوا لدخول حوار صنعاء أن يكون التمثيل مناصفة بين الجنوب والشمال ومع أني أرفض فكرة الدخول في هذا الحوار أصلاً إلّا أنني أقدّر هؤلاء الساسة من أبناء الجنوب الذين يشترطون لدخولهم ذلك الحوار أن يكون التمثيل فيه مناصفة بين الجنوب والشمال فهؤلاء الساسة يدركون تلك المرامي والغايات المبطنة لنظام صنعاء فيغازلونه بنفس الطريقة، لأن الرضاء بالتمثيل المتساوي بين الجنوب والشمال يفوت فرصة تطبيق تلك المبادرة الخليجية بأثر رجعي على الجنوب وحراكه السلمي، فأن لم يخرج هذا الحوار بنتائج تذكر وهو ما سيحصل فعلاً، فأن الجنوبيين سيخرجون بفائدتين مهمتين إلى جانب فائدة عدم تطبيق المبادرة الخليجية عليهم بأثر رجعي وهاتان الفائدتان الأخريان هما: الفائدة الأولى إجبار نظام صنعاء على الاعتراف بحقيقة مفادها أن قضية الشعب في الجنوب ليست كسائر القضايا التي طُرحت للنقاش في ذلك الحوار المزعوم وأن ما عداها لا يرقى إلى مستواها، والفائدة الثانية هي أن الرضاء بالتمثيل المتساوي بين الجنوب والشمال هو اعتراف صريح من النظام في صنعاء بتطبيق قراري مجلس الأمن رقم 924 ، ورقم 931 الصادرين عام 1994م أثناء اجتياح القوات الشمالية للأراضي الجنوبية واحتلالها بالقوة، وكأن ذلك الحوار الذي تم كان تنفيذاً لهذين القرارين الأممين وليس تطبيقاً للمبادرة الخليجية التي لا تنص على أي حوار بين الجنوب والشمال.

لذا يجب التمسك بالتمثيل المتساوي بين الجنوب والشمال وجعله قاعدة وأساس ثابت لا حياد عنه لأية حوارات أو مفاوضات قادمة، لأن من الكياسة وحسن السياسة أن لا تعود إلى منطقة الوحل التي أُنقذت منها بعد أن شارفت على الهلاك فيها، وأن المؤمن لا يلدغ من جُحر مرتين.

وفي الأخير أقول لنظام صنعاء القبلي كفى عويلاً ونواحاً على وحدة أخدجت قبل اكتمالها وعليكم أن تتقبلوا الحقيقة المرة بأن هذه الوحدة وهي وحدة الفيد والغنيمة ونهب ثروات الجنوب وطمس هويته وتأريخه قد ماتت وانقضت، وأن عليكم أن تصغوا إلى إرادة شعب الجنوب في التحرر والاستقلال، حباً وحفاظاً على ما تبقى من وشائج اجتماعية بين شعبينا لم تمزقها تلكم الوحدة المنتهية، والتي لا نملك كجنوبيين حيال موتها إلّا أن نقول لكم: "ماتت قتلتوها عظّم الله أجركم يا ذي قتلتوها أدفنوها وسط طين".