الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١١:٥٤ مساءً

ما بين سوريا واليمن.. السر وراء تماسك النظام

عبدالملك الحجري
الخميس ، ٠١ يناير ١٩٧٠ الساعة ٠٣:٠٠ صباحاً
تموز/ يوليو العام 2000م رحل حافظ الأسد وما هي إلا ساعات حتى حسم الأمر واختير نجله “بشار” زعيماً لحزب البعث الحاكم وقائداً للجيش وفي مساء اليوم التالي صادق البرلمان السوري بالإجماع على تعديل الدستور و اختياره رئيساً للجمهورية فأثبت بذلك النظام السوري تماسكه و إلتزامة بخط الأسد حياً كان أو ميتاً ولعبت مراكز القوى والعائلة والأعوان الدور المحوري في الانتقال السلس للسلطة من الأب إلى الابن في ظل نظام جمهوري وحزب ذو تقاليد تنظيمية عريقة .

لعل الدور الأبرز في سلاسة خلافة الابن لأبية بتلك الصورة الدرامية يكمن بإخلاص الحرس القديم للنظام ممثلاً بقائد الجيش الفعلي العماد مصطفى طلاس وأمين الحزب الفعلي عبد الله الأحمر.

هنا في اليمن غادر في مطلع يونيو الماضي علي عبد الله صالح صنعاء إلى الرياض جراء إصابته البالغة في حادثة النهدين الشهيرة التي ما زالت فصولها حتى اللحظة.

صالح كما الأسد رتب الأوراق مُبكراً من قوة وأعوان وحلفاء لما بعد الرحيل والحفاظ على كرسي الحكم والسلطة في الحياة والممات فظل النموذج السوري هو الملهم لصالح وفتح تسلم الابن لسلطة الأب في سوريا شهيته للتوريث رغم معارضة ابرز مراكز القوى في الجيش والنظام للفكرة إذا مااستثنينا قادة حزب المؤتمر الشعبي الحاكم كونهم في المجمل موظفون من الطراز الأول .

خلال العقد الماضي دفع صالح بنجله الأكبر “احمد” لاختبارات عملية بدأت منذ تولية قيادة أهم الوحدات العسكرية الضاربة (الحرس الجمهوري) بعد حياة مدنية تخرج فيها من كلية للعلوم السياسية بلندن وشغل بها عضوية البرلمان كنائب عن حزب المؤتمر الشعبي الحاكم , خلال عقد من الزمان تمرس القائد العسكري الصاعد فنون القيادة وإدارة الأزمات وتولى أكثر الملفات حساسية (ملف الإرهاب) وعمل إلى جواره أبناء عمومته ممن أسندت إليهم أيضاً إدارة أهم مفاصل المؤسسة العسكرية والأمنية وأستطاع ومن معه من نسج علاقات وثيقة بأطراف إقليمية مؤثرة وأصبح محل ثقتها كما عمل لسنوات على كبح جماح مراكز القوى المحسوبة على الحرس القديم للرئيس صالح , صانعاً من أقزام الساسة المدنيين والضباط العسكريين أعواناً للنظام وفق قاعدة الأتباع لا القادة , كل هذا صاحبة دعم لوجيستي خفي من المندوب السامي (سفراء واشنطن) مما أسهم في نجاح معظم خطواته .

علي عبد الله صالح إلى ما قبل أشهر لم يكن يثق بقدرات الأبناء واليوم وهو يحكم من على سرير المرض ومن خارج الأرض اليمنية مطمأن القلب والسريرة وهو على ثقة من أن القادة الأبناء (أحمد والذي يتولى قيادة الحرس الجمهوري والقوات الخاصة , طارق قائد الحرس الرئاسي , يحيى قائد القوات الامنية المركزية ,عمار مدير ادارة المخابرات ،خالد قائد سرايا الدفاع الوطني ) وأعوانهم الأقزام المخلصون برهنوا أنهم جديرين بالمواجهة وأنهم قادة بحجم المعركة السياسية . فلم يعد خافياً استطاعت ثلة حاكمة ونظام متهالك من مواجهة ثورة شعبية عارمة أصطف إلى جانبها أهم حلفاء صالح من الحرس القديم في الجيش والدولة والحزب الحاكم والقبيلة والمؤسسة الدينية.

هنا أتسال كمتابع سياسي عن ما وراء تماسك النظام وبلاء الأبناء في إدارة البلاد واحتمال نجاح سيناريو التوريث إذا ما قارنا ما حدث كان في حالة رحيل صالح عن الدنيا لا سيما والعالم العربي يعيش في عنفوان ثوراته فسنجد أن هناك عدة عوامل ساهمت في حدوث ذلك أهمها يتمثل في ما يلي :

أولاً : رغبة اللوبي السعودي اللاعب الأساسي في المعادلة السياسية اليمنية والحليف الأبرز للطبقة السياسية الحاكمة والمعارضة والمؤسستين الدينية والقبلية , في بقاء الأبناء وإعادة إنتاج ما تبقى من النظام لنفسه في أسوأ الأحوال وتعويض الجانب الآخر من حلفاءه مالياً ومعنوياً من خلال إشراكهم في تقاسم السلطة والثروة .

ثانياً : وجود لوبي خفي داخل صفوف تكتل اللقاء المشترك المعارض يعمل على تنفيذ الأجندة السعودية ويستهدف إفراغ الثورة من مضمونها ويتضح من خلال استمرار تعاطي أحزاب المشترك مع المبادرات السياسية وتحويل الثورة إلى أزمة سياسية وسيطرة المشترك على القرار داخل ساحات وميادين التغيير والحرية ومصادرة القرار الشبابي المستقل .إضافة لتصريحات بعض ساسة المشترك الطموحين التي أضرت بالثورة وغيرت أراء الكتلة الصامتة تجاة الثورة.

ثالثاً : وجود طاقم متمرس بجوار الأبناء استطاع استخدام ورقة افتعال الأزمات والتعاطف الشعبي مع حادثة استهداف الرئيس وورقة القاعدة والخوف الأمريكي من خطرها الإرهابي , واللعب بمهارة فائقة بهاتين الورقتين على المستوى المحلي والإقليمي أبرز عرابية يتمثل في الدكتور عبد الكريم الإرياني وعلي محمد الآنسي واللواء علي صالح الأحمر وعبد الحافظ السمة وعمل إلى جانب هذا الطاقم بعقلية الموظف التابع الجنرال المتقاعد عبد ربه منصور هادي نائب رئيس الجمهورية (كمرجع دستوري) من خلال قيامة بمهام رئيس الجمهورية , والصحفي المخضرم عبده محمد الجندي نائب وزير الإعلام (كمهرج ) من خلال عمله في إدارة المطبخ الإعلامي للنظام .

في الأخــيــر .. حكم الأسد الأب سوريا من قبر الموت وحكم صالح الأب (شفاه الله) اليمن من سرير الموت لكن ربيع الثورات العربية ينذر بنهاية حتمية لحكم الأسد وبنهاية شبه حتمية لحكم صالح فمشاريع التوريث السياسي في الأنظمة الجمهورية انتهت للأبد وحاجز الخوف سقط وثورة التغيير انطلقت وعربياً حققت انتصاراتها ويمنياً بات انتصار الثورة قاب قوسين أو أدنى.

إذا ما أستطاع الشباب أصحاب المصلحة الحقيقة في التغيير استعادة ثورتهم من سماسرة السياسة والقضايا الوطنية وإعادتها إلى وهجها والتزامها بخطها النضالي السلمي والاستمرار في المرابطة في الساحات حتى تحقق كافة أهدافها برحيل رموز النظام بعيداً عن نشوة الانتصار الزائف التي حاولت أحزاب المشترك إيهام الجميع به والتماسك المهترئ للنظام الذي حاول بنفس الوتيرة إيهامنا به , فعلى شباب الثورة سرعة بلورة مواقفهم الثورية والتوجه نحو الحسم السلمي وإدارة عجلة التغيير بعيداً عن المنظومة السياسية التقليدية ويا حبذا إن تبدأ أولى الخطوات بتحقيق التداول السلمي للسلطة داخل المنصة ووقف الاعتداءات الإجرامية في حق أصحاب الخيار الوطني المستقل والقوى المدنية الحالمة بدولة المؤسسات الحديثة يتساوى فيها المواطن وصاحب الجملة الدينية الزائفة في أطار دولة المواطنة المتساوية التي لا فرق فيها بين حاكم ومحكوم ولا شيخ ولا رعية فالكل سواسية أمام النظام والقانون .

وعلى الممسكين بالسلطة الحاكمة من الأبناء والأخوان والأعوان التقاط الفرصة التاريخية واخذ العبرة من السيناريو السوري الذي يدفع اليوم ضريبة التوريث واستثمار التعاطف الشعبي الجارف مع ماتعرض له الرئيس صالح من مؤامرة رخيصة بعيدة عن الأخلاق الثورية والإنسانية التي ندينها جميعاً كما أدنا بالأمس القريب تلك الجرائم في حق الشباب المرابطون .

والعمل على تغليب مصلحة الوطن فوق كل الاعتبارات والمصالح الضيقة وتسهيل الخروج المشرف الكريم لقائد وطني قدم الكثير وفرضت المرحلة ترجله من على سدة الحكم حفاظاً على تاريخه ومستقبل شباب وطنه.

كما عليهم العمل إلى جانب العقلاء من أبناء الوطن لوضع تصور للمرحلة الانتقالية تضمن التداول السلمي للسلطة واحترام إرادة الشعب الناخبة بما يضمن أمن وسلامة ووحدة البلاد والعباد.