الخميس ، ٢٥ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:١٣ صباحاً

الاوجاع المسكوت عنها ........... التعليم في اليمن

خالد الحداء
الأحد ، ١٨ نوفمبر ٢٠١٢ الساعة ٠٣:٥٠ صباحاً
{ العلم وحده القادر على حل مشكلات الجوع والفقر والمرض والجهل والخرافات والعادات والتقاليد البالية ، والثروات الآيلة للنضوب ،والبلدان التي تتضور شعوبها جوعاً } جواهر لال نهرو أول رئيس وزراء للهند .

إن بناء قاعدة للمستقبل لأي مجتمع تنطلق من القاعدة الأساس والمتمثلة بالتعليم ، لأنه لا تطوير ولا تنمية حقيقية إلا من خلال التعليم ، ولا يمكن بأي حال الحديث عن مرحلة من الازدهار للتعليم في المستقبل في ظل المؤشرات التي تفيد بان نسبة الملتحقين بالتعليم للفئة ( 6- 15) 56% وهذا ما يؤكد أن الواقع التعليمي بكل تفاصيله مازال يتدحرج ويهوي إلى الأسوأ .

وفي ظل الوضع التعليمي الحالي وباعتراف القائمين على هذه المؤسسات التعليمية ، تبقى الإشكالية مستمرة وتزداد مع مرور الزمن ، خاصة وان عدد سكان اليمن سوف يتضاعف الى حوالي 40 مليون خلال عقدين من الزمن ، وهذا نتيجة نسبة نمو سكاني يبلغ 3.1% ، أي أن الإشكاليات سوف تتضاعف مع تزايد أعداد الملتحقين بالتعليم العام ، وهذا ما يتطلب مضاعفة الأموال والجهود المستنيرة القائمة على حسن التخطيط في كل الميادين ذات العلاقة .

ومع ما ذكر من حقائق ماثلة أمام الجميع ورغم وضوحها بكل تفاصيلها لمسؤولي التعليم في اليمن ، إلا أن هذا لم يكن كافياً للبدء في تنفيذ الحلول العملية للوصول إلى تعليم متكامل ومتوازن يلبي الاحتياجات المختلفة للمجتمع والدولة على حدٍ سواء ، ولكن بالمقابل كانت المؤتمرات والندوات واللجان المستحدثة باستمرار والبحوث الدراسات المتكررة والتي تكلف خزينة الدولة ملايين الدولارات بمثابة الهروب إلى الأمام للحيلولة دون الإصلاح الفعلي للمنظومة التعليمية ككل .

التعليم العام ..... القاعدة
الحديث عن التعليم العام الذي يمثل الحلقة الرئيسية التي ترتبط بها بقية الحلقات في مراحل التعليم التالية، بحيث أن أي قصور أو في التعليم العام يكون ذات مؤثراً على مخرجات التعليم الجامعي والتعليم الفني والتقني.
وبناء على هذا الترابط تنظر الحكومات المتعاقبة للتعليم العام باهتمام بالغ ، وبرز هذا الاهتمام وأصبح أكثر فاعلية من خلال وضع إستراتيجية وطنية للتعليم العام بمستوياته المختلفة والتي تهدف إلى تحسين وتطوير البنية الأساسية التي تكفل الارتقاء بالعملية التعليمية لمستويات أكثر كفاءة وإنتاجية في المستقبل .

وفي هذا السياق ومن خلال القراءة في تلك الاستراتيجيات التي وضعت البناء والارتقاء بالمنظومة التعليمية إلى مستويات متقدمة هدفاً تتضافر لأجل تحقيقه جميع الإمكانيات البشرية والمادية في الدولة ، كانت بتفاصيلها واقعية وبمعنى أخر أنها لم تكن مستحيلة التحقيق .

ولكنه وبمرور السنوات من عمر تلك الإستراتيجية ومن خلال البحث في ما أنجزته السياسات على أرض الواقع ، يتبين أن مستوى التنفيذ لم يرتقي إلى الطموح والآمال ، بل العكس من ذلك فالتعليم العام بمرحلتيه الأساسية والثانوية في تدهور مستمر ، وهذا الواقع لم يعد خافياً على احد حيث أشار تقرير للبنك الدولي فيما يخص التعليم في الشرق الأوسط ، ان اليمن وبجانبها جيبوتي والعراق تحتل المستوى الأدنى من حيث سهولة الوصول لمصادر التعليم ونوعيته ومدى فاعليته .


التعليم العالي ........ المستقبل
يمثل التعليم العالي بمؤسساته المختلفة الجهة المناط بها إنتاج المعرفة والتي يمكن من خلالها تغيير الواقع وبناء النهضة بمختلف أشكالها.

وتعد الجامعات أهم تلك المؤسسات التي يناط بها بناء المستقبل ، وهذا النوع من التعليم يعمل على ربط العملية التعليمية والتنمية العلمية بكل متغيرات العصر ، وفي هذا السياق شهد التعليم العالي اهتماماً متزايداً خاصة في العقدين الأخيرين ، من خلال إنشاء العديد من الجامعات الحكومية في العديد من المحافظات بالإضافة إلى افتتاح الجامعات الخاصة بداية من النصف الثاني في التسعينات للقرن الماضي .

وبالرغم هذا العدد المتصاعد في الجامعات ، إلا أنه وحسب الأرقام الرسمية التي تؤكد بأن نسبة من يلتحق بالجامعات لا يتعدى 25% من خريجي الثانوية العامة ،وان غالبية هؤلاء الطلبة يلتحقون بالتخصصات الإنسانية المختلفة، بينما التخصصات العلمية الهامة والضرورية لأي نهضة مستقبلية لا يتعدى نسبة الطلبة الملتحقين بها 14% ،
كذلك تبرز إشكاليات متعددة في نظام التعليم الجامعي في اليمن متمثلة في جانب التطوير والتحديثات الذي مازال غير قادر على مواكبة المتغيرات والتطورات والتقدم العلمي والتكنولوجي المتسارع في العالم ، وفي هذا الإطار كانت هناك العشرات من المؤتمرات والندوات بالإضافة للعديد من الدراسات العلمية التي ناقشت هموم وتحديات التعليم الجامعي مشخصاً الحالة اليمنية كما هي على الواقع ، مقترحة في نفس الوقت التصورات والبرامج الكفيلة بإصلاح منظومة التعليم الجامعي ، إلا أنه وبرغم تلك الدراسات القيمة فان الوضع الجامعي لم يشهد التحسن الذي ينقل التعليم الجامعي إلى مستوى الطموح .

والتجربة اليمنية في هذا السياق لا تختلف كثيراً على مثيلاتها في العالم العربي والدول النامية ، نتيجة عدم إدراك حقيقة أن تقدم الدول اصبح من أصعب الأمور ما لم يكن للتعليم مكان مرموق لدى الدول والمجتمع على حدا سواء .


التعليم الفني والمهني ......الحاضر
يُعد التعليم الفني والمهني البوابة الرئيسية الذي يمكن من خلاله تغيير واقع الاقتصاد والعمل خاصة للبلدان ذات الموارد الطبيعية المحدودة ، وعالم اليوم يؤكد أن من أهم أهداف التعليم هو الوصول للعمل ، وهذا ما يفرض التوسع في إعطاء الأولوية للمهارات العقلية ( الابتكار – والإبداع ) وإيجاد البيئة الخصبة للانتقال من تلك المهارات النظرية وتحويلها إلى مهارات يدوية على أرض الواقع ، وفي ذات الإطار تؤكد التقارير الصادرة عن المنظمات الدولية ( منظمة العمل الدولية ) على أهمية الموارد البشرية في عمليات الانتماء الفعالة في البلدان المختلفة وخصوصاً الدول في العالم الثالث .

والكثير من تجارب الدول في العالم تؤكد أن الاقتصاد يصبح أكثر إنتاجا وتنافساً من خلال وجود إمكانيات بشرية ماهرة ومدربة ، بالإضافة إلى إن الاستثمار الأمثل هو في البشر الذي يكون في المستقبل أكثر معرفة ومهارة ، وهذا ما ينعكس بدورة في الاستغلال الأمثل للموارد باستخدام التكنولوجيا المتقدمة .

ومن خلال هذا العرض الذي يربط بين أهمية التعليم المهني والفني والاستثمار في رأس المال البشري يبرز نموذج الدول الأسيوية (النمور الأسيوية ) كمثال واضح على القدرة في التحول من دول توصف بالمستهلكة إلى مصاف الدول المنتجة والمنافسة إلى حد ما للدول المتقدمة ، وهذه النقلة في الواقع لم تتطلب عدة قرون بل أن هذه القفزات الاقتصادية الهامة لم تستغرق العقود الثلاثة ، وتقف ماليزيا بنجاح تجربتها في المقدمة حيث لم تعتمد في تلك النهضة على الموارد الطبيعية القابلة للنضوب ولكن اعتمدت على تنمية الموارد البشرية ككل مع التركيز على التعليم المهني والفني ، الذي مثل العمود الفقري والركيزة الأساسية لتلك النهضة و الهادفة للوصول بماليزيا إلى مصاف الدول المتقدمة بحلول 2020م .

وهكذا يتضح أن تنمية الموارد البشرية ليس بالأمر الهين ولكنه بالمقابل ليس من المستحيلات ، والمشهد في اليمن ليس بشاذ عن هذه الحقيقة ، حيث ينظر الخبراء للتعليم الفني والمهني في اليمن بأنه يمثل احد أهم المداخل لإحداث تنمية شاملة في البلد ، وفي هذا السياق شهد العقد الأخير إنشاء وزارة خاصة بهذا المجال في محاولة لإظهار الاهتمام الرسمي بهذا النوع من التعليم ، وتشير البيانات والأرقام إلى أن الاهتمام بهذا التعليم النوعي قد شهد قفزات كبيرة حيث تم إنشاء العشرات من المعاهد التخصصية في مختلف المحافظات ، بالإضافة إلى العديد من المعاهد التي قيد الإنشاء ، كذلك تم إنشاء عدد 6 كليات مجتمع في عدد من المحافظات ، ولكن هذا التوسع لم يُمكن الوزارة من قبول كافة المتقدمين حيث تم قبول 13000 ألف طالب في التعليم النظامي في جميع التخصصات بينما كانت الأعداد المتقدمة في 2010م تتعدى 2100 ألف .
وعلى الرغم من أن الأرقام تشير إلى تزايد أعداد الخريجين خلال السنوات الماضية ، إلا أن هذه الارقام لا تتماشى مع التحديات المختلفة التي تواجه الدولة وعلى رأسها رفد التنمية بالإمكانات البشرية المؤهلة والماهرة كأحد الحلول المتوفرة والممكنة للخروج باليمن إلى مستقبل أفضل . إضافة إلى أن الاهتمام المتزايد بهذا التعليم كنتيجة طبيعية لانتهاج سياسة السوق المفتوح ،وهذا ما يفرض بدوره العمل على مواكبة التطورات في مختلف التفاصيل ابتداء من التخصصات والمهن المستحدثة بالإضافة إلى الأجهزة والمعدات التي تشهد تطوراً متسارعاً .

وأمام تلك التحديات الماثلة أستحدث القائمين على التعليم الفني والمهني إستراتيجية متكاملة للارتقاء بالتعليم خلال السنوات القادمة ، وهذا ما كان بالفعل من خلال تزايد أعداد الطلاب في مختلف المستويات حيث بلغ العدد 25000 ألف في 2010م ، أي إن الأعداد تضاعفت خمس مرات خلال العقد الأخير ، إضافة إلى استحداث التدريب التعاوني الذي يعتبر أحد الحلول الرئيسية لتدريب الطلاب في السوق العمل ، ولكن ما يعيب التدريب التعاوني انه لم يوجد إطار قانوني يلزم الجهات الخاصة قبول المتدربين بشكل دائم ، وكذلك فتح الباب أمام استثمارات القطاع الخاص والمؤسسات الأهلية للدخول إلى هذا النوع من التعليم ، كان من ابرز الايجابيات بالرغم من أن هناك ضعف في الرقابة والأشراف من الجهات ذات الاختصاص .

ولكن ورغم هذا التصاعد والمرتبط احياناً بضغوط خارجية ( المانحين الدوليين ) يلاحظ أن هنالك إشكاليات وسلبيات عديدة في تنفيذ الإستراتيجية ، وعلى رأس تلك الإشكاليات ضعف الجانب الإداري المتمثل في القائمين على هذا القطاع الهام ، هذا الضعف الذي يفضي إلى ارتجالية في الكثير من القرارات الصادرة ، وهذا في مجمله يوحي بان هناك صعوبة في إدراك إن هذا التعليم النوعي يمثل عنق الزجاجة للخروج باليمن من أزماتها الاقتصادية ( نتيجة شحة الموارد الطبيعية ) عبر إيجاد أيادي عاملة ماهرة ومتدربة تخدم السوق المحلية بالإضافة لسوق العمل الخارجي في دول الجوار ( الخليج العربي ) وقطع الطريق أمام الحجج المستمرة القائلة بان العمالة اليمنية غير مدربة ولا مؤهلة للتعامل مع المتطلبات المختلفة لسوق العمل الخليجي ، وثاني تلك السلبيات يتمثل في الجانب التمويلي فعلى الرغم من أهمية دعم المانحين الدوليين للنهوض بالتعليم عموماً والتعليم والفني المهني خصوصاً ، إلا أن المنطق يلزم أي إستراتيجية طموحة بان لا ترتكز على موارد مالية غير مضمونة ( تخضع للضغوط المختلفة) وان يكون بالمقابل اعتماد ونجاح تلك الإستراتيجية في الجانب التمويلي مرتبط بموارد الدولة الذاتية بالمقام الأول ، وأن تكون أموال المانحين إضافات غير مرتبطة ولا مؤثرة بإنجاح الإستراتيجية التعليمة بمراحلها المختلفة.

• وفي ختام هذه القراءة للتعليم في اليمن والتي تشير أن الاهتمام بالتعليم خلال السنوات الماضية قد شهد تزايد وتقدم ، إلا أن التحديات مازالت كثيرة أمام للنهوض بالواقع الراهن للتعليم بمؤسساته المختلفة ، مع التأكيد أن التحديات المختلفة التي تواجه اليمن حكومة وشعباً في الحاضر والمستقبل سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو مجتمعية .. الخ ، في مجملها نتاج ضعف الدائرة الأهم والمتمثلة في التعليم ، وأن الحل لتلك الإشكاليات والسلبيات لن يكون أن لم يتم إصلاح التعليم ككل ، وهذا الإصلاح بحاجة إلى إرادة سياسية فعالة وحازمة لأحداث التغييرات المطلوبة في المنظومة التعليمية ،وبما يتناسب ودور قطاع التعليم المناط به شباب اليوم ورجال الغد، بمعنى آخر أن مستقبل اليمن المنشود مرتبط بإصلاح التعليم اليوم .