الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٢:٤٢ مساءً

موسم الحجيج إلى غزة!

حبيب العزي
الاربعاء ، ٢١ نوفمبر ٢٠١٢ الساعة ١٠:٤٠ صباحاً
لعل من كرامات الربيع العربي الذي استمد سخونته القوية من تلك النار التي اشتعلت في جسد البوعزيزي “رحمة الله عليه” مؤذنة ببزوغ فجر جديد على المنطقة العربية ولم يزل ساخناً حتى اللحظة أنه أسقط تحالفين أو محورين كانا قائمين في المنطقة ، هما محور الاعتدال الذي سقط مع سقوط مبارك ، ومحور الممانعة الذي سقط – من الناحية النظرية على الأقل – يوم أن اندلعت الثورة السورية، وليحل محلهما تحالف جديد بدأت ملامحه تتشكل - لا أقول في الأفق- ولكن عملياً على الأرض ، وهو محور رباعي يضم كلاً من مصر وقطر وتركيا وحركة حماس، أو ما اصطلح على تسميته لدى البعض بـ” محور غزة” ، والذي اكتملت ملامحه في القمة الرباعية التي جمعت بين الرئيس مرسي وأمير قطر ورئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوجان والسيد خالد مشعل ، وذلك بالتزامن مع انعقاد القمة العربية الطارئة التي دعت إليها مصر بشأن العدوان على غزة ، والتي انعقدت في القاهرة يوم الأحد الفائت على مستوى وزراء الخارجية العرب.

هذا المحور الجديد الذي هو أحد إفرازات الربيع العربي وكراماته على شعوب المنطقة كما أسلفت ، جاء ليغير موازين القوى في المنطقة لصالح حماس هذه المرة ، ولصالح كل قوى وفصائل المقاومة داخل قطاع غزة ، كما لصالح القضية الفلسطينية برمتها ، والأهم من هذا وذاك فقد جاء ليعلن كسر الحصار الظالم على غزة ، الذي كان مفروضاً من طرف مصر في العهد السابق أكثر من الصهاينة ، وقد تبلور هذا المحور بشكل واضح بعد الاعتداءات الأخيرة على القطاع ، والذي جعل مصر تتخذ مواقف مختلفة تماماً على ما كانت عليه في السابق ، وتتناغم مع مصر25 يناير ، وتعيد لمصر مكانتها الطبيعية كرائدة للأمة العربية ، كما تتناغم مع المزاج العام للجماهير العربية المتعطشة لاتخاذ أي مواقف من شأنها ردع الكيان الصهيوني عن العربدة المتواصلة في قطاع غزة ، وهي المواقف التي لاقت ارتياحاً شعبياً كبيراً في مصر وفلسطين وبقية البلدان العربية.

إن زيارة أمير قطر إلى قطاع غزة قبل أسابيع قليلة كانت بمثابة إعلان رسمي لكسر الحصار على قطاع غزة من جهة ، وإيذاناً ببدء موسم جديد للحجيج ليس إلى مكة المكرمة هذه المرة ، ولكن إلى غزة العزة ، وبعدها أتى العدوان الأخير على القطاع ليفتح الباب مُشرعاً أمام حركة الحجيج من البوابة المصرية ، فكان رئيس الوزراء المصري السيد/ هشام قنديل أول الداخلين إلى القطاع معلناً تضامن مصر الكامل مع أهالي غزة في خطوة تاريخية هي الأولى من نوعها من الجانب المصري ، ولتشكل الإعلان الثاني بعد قطر لكسر الحصار رسمياً عن قطاع غزة من الجانب المصري ، ثم أتى الإعلان الثالث لكسر الحصار سريعاً من قبل تونس الثورة ، فكان عبور السيد/ رفيق عبد السلام – وزير الخارجية التونسي، والوفد المرافق له إلى غزة عبر معبر رفح من الجانب المصري ، ومن المفترض أن يزور غزة السيد نبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية على رأس وفد يضم وزراء الخارجية العرب ، بحسب ما تم التأكيد عليه ساعة كتابتنا لهذا المقال ، وكل هذا الحراك ، وكل تلك الوفود التي قررت الحجيج إلى غزة لم تكن لتجرؤ فيما مضى على اتخاذ خطوة كهذه لولا الربيع العربي ، وهي باتت اليوم أكثر شجاعة في إرسال رسائل قوية لإسرائيل مفادها بأن الوضع في المنطقة قد تغيّر وأن غزة اليوم لم تعد لوحدها كما كانت بالأمس في أواخر العام 2008م ، وكل ذلك بفضل هذا التحالف الذي دفع باتجاه فك الحصار وقرر تغيير أوراق اللعبة برمتها في المنطقة ، وبمقدمته مصر التي قدمت كل التسهيلات اللازمة لعبور تلك الوفود إلى قطاع غزة.

لذلك ليس من المستغرب أبداً أن يُزعج هذا التحالف الكيان الاسرائيلي وحلفاءه في المنطقة وعلى رأسهم السيد محمود عباس وحكومة الضفة الغربية وكذلك بقية الحلفاء من الدول العربية التي كانت محسوبة على محور الاعتدال ، والتي باتت تشعر اليوم بغيرة شديدة جراء خفوت دورها بسبب عدم مقدرتها على التأثير في مجريات الأحداث وبخاصة بعد الربيع العربي ، كما شعورها بأنها لم تعد لاعباً أساسياً في معادلة الصراع وتوازنات القوى الجديدة في المنطقة ، وهي بالمناسبة لا زالت تعيش وهم أنها بمنأى عن رياح التغيير التي هبت على المنطقة .. ولكن هيهات.