السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:٤٧ مساءً

صراع الأجنحة المالكة في المسرح اليمني

عبد الجبار الشرفي
الخميس ، ٠١ يناير ١٩٧٠ الساعة ٠٣:٠٠ صباحاً
الصراع السعودي السعودي المحتدم داخل الأسرة المالكة يتجلى هذه الأيام وتظهر آثاره في المسرح اليمني في طيات المؤامرة الكبرى التي تستهدف اليمن أرضا وإنسانا، فكل جناح يدعم فريقه بسخاء ووضوح ويدفع به دفعا لتحقيق طموحاته وأحلامه، إلا ساحات الثورة والتغيير فليس لها من يدعمها أو يخفف من آلامها داخل الأجنحة المتصارعة، والكل ممن يعمل فوق الطاولة* يبذل ما في وسعه لإجهاض الثورة ووأدها في مهدها خشية أن يستشري داء الساحات فيصيب أحرار الجزيرة والحجاز ونجد، وإذا كان نجاح الثورة في تونس ومصر قد أرق الأسرة المالكة وأقض مضجعها فتآمرت للقضاء على الثورة وأنفقت المليارات وحركت مرتزقتها لإفشال الثورة، ولازالت حتى اليوم تزرع الأشواك أمام الثوار وتصنع الثورات المضادة، فليس بمستغرب ما يعانيه الشعب اليمني من جارته وشقيقته الكبرى من عقوبات جماعية قاتلة شلت جميع جوانب الحياة وما تعانيه ساحات الثورة من قتل يومي ممنهج وإبادة جماعية، حتى وُجد من يتساءل: كيف يمكن لأسرة ملكية تفتقر إلى أبسط مقومات الشرعية أن تسمح بثورة في خاصرتها في بلد تتعامل معه ليس كحديقة خلفية وإنما كحقل لتجاربها وزبالة ترمي فيها أوساخها؟

وبنظرة عابرة علي المسرح اليمني تتجلى للناظر حقيقة هذا الصراع وتغنيه عن تتبع التسريبات المخابراتية والتقارير الإخبارية وقراءة مابين السطور واستراق السمع لمعرفة ما يجري خلف الكواليس، فمن الواضح أن جناحا من الأسرة المالكة يتشبث بعلي عبد الله صالح على مضض ويعمل على ترميم ما بقي من شخصه كورقة اقتضت المرحلة والضرورة الحفاظ عليها ولو جثة محنطة، ولذلك يضخ هذا الجناح الأموال حتى يتمكن من تهيئة الوضع لسيطرة ولي عهده أحمد المعد سلفا والمرضي عنه من قبل الإدارة الأمريكية واللوبي الصهيوني، وتمكين بقية أبنائه وأبناء أخيه وبعض أصهاره وخاصته من إحكام قبضتهم على المؤسسات الأمنية والعسكرية خشية من الخطر الذي يمكن أن يشكله علي محسن الأحمر وحلفاؤه السعوديون على جناح الملك فيما لو استطاع الانقضاض على الحكم والسيطرة على الجيش، هذا من جهة ومن جهة أخرى ليتسنى لأحمد وإخوته وأبناء عمومته الحفاظ على المصالح الأمريكية وفتح آفاق البر والبحر والجو لبوارجهم وقواعدهم وطيرانهم وتمكينهم من نهب ثروات اليمن وخيراته ومنح الأمريكيين الشرعية لانتهاك السيادة وضرب أي هدف يزعمون فيه تهديدا لمصالحهم بذريعة ما يسمى بخطر الإرهاب، أما الجناح الآخر من العائلة السعودية المالكة المتهم بمساعدة التطرف في العالم فيراهنون على حليفهم الاستراتيجي علي محسن الأحمر الذي فضَل أن يحتمي بساحة التغيير و يتمترس بثوارها وأن يركب موجة الثورة هو والمحسوبون عليه من العسكريين وشيوخ القبائل والسلفيين المنضوين تحت لوائه ليعيق الثوار عن الحسم ويطيل في عمر الثورة حتى يرتب أوراقه مع الداخل والخارج ويتمكن هو وحلفاؤه من إقناع الأمريكيين بأنه هو الأقدر على حماية مصالحهم وأنه من سيقدم لهم التنازلات الأكثر وأنه الأقدر على إسكات الساحات وإقناع الشعب بضرورة الاستسلام للهيمنة الأمريكية كأمر واقع اقتضته المشيئة الإلهية وحتم به القدر الذي لا مناص منه، وتجدر الإشارة إلى أن علي محسن متشبع بالفكر الوهابي ويتسم بالذكاء ويجيد المراوغة والمخادعة وتربطه بالمتطرفين علاقات قوية ويتطلع إلى التفرد بالحكم منذ زمن وهو أشد وأقوى خصوم أحمد علي وأبناء عمومته، لذلك يطمئن إليه الجناح المتشدد في الأسرة المالكة وينظرون إليه كحليف استراتيجي قويٍ ووفي, ولذلك بادر هذا الجناح من بداية اهتزاز الثقة بينه وبين شريكه في الحكم علي صالح بتزويده بمبالغ خيالية من المال وتمكينه من الحصول على أحدث الأسلحة والمعدات العسكرية ليتمكن من الصمود أمام الأسلحة الأمريكية الحديثة التي يمتلكها الجيش الموالي لعلي صالح وأسرته، ويستخدم علي محسن المال السعودي لتفكيك الجيش الموالي لعلي صالح ويأمل أن يتمكن في الوقت المناسب من توجيه ضربات قوية وماحقة تفقد جيش صالح توازنه وتساعد على انهياره ليستحوذ على الحكم ويتفرد بالسلطة بعد هزيمة شريكه علي صالح، واستطاع الجناح السعودي المتشدد ـ مستعينا ببعض كبار مشايخ حاشد والجوف كالعكيمي وحسين الأحمر ورموزٍ من قادة التطرف المتواجدين بمأرب والجوف وأبين ـ أن يشكل ميليشيات من المرتزقة مهمتها تأمين قنوات تربط علي مسن بحلفائه السعوديين بعيدا عن سيطرة نظام صالح تضمن استمرار تدفق الأسلحة والأموال والمعدات إلى حليفهم وشركائه والجيش الذي يقوده، ولتشجيع القبائل على تحقيق هذا الهدف تم إطلاق مرتبات مشايخ وقبائل الأطراف كبادرة لحسن النية بعد توقفها لمدة أربعة أشهر، والخطوات السعودية مستمرة لاستقطاب ألسواد الأعظم من مشايخ القبائل ورموز السلفيين وإغرائهم بمبالغ ما كان يحلم بها بعضهم شريطة أن يقفوا مع قبائلهم إلى جانب القائد علي محسن ويعملوا على تأمين القنوات البرية والبحرية التي تربط بين البلدين خاصة الخط الصحراوي الذي يربط الجوف بنجران، واللقاءات لازالت مستمرة ومكثفة والإغراءات متواصلة، وليس آخرها الاجتماع الذي عقد قبل أسبوعين مع عدد من مشايخ الجوف وحاشد في المملكة حيث حظي هؤلاء برعاية خاصة لم يعهد وها من قبل حيث استقبلهم في منفذ نجران فريق رسمي من الضيافة السعودية في سيارات خاصة صحبتهم إلى عدد من المستشفيات المتخصصة لزيارة جرحى المعارك التي تدور في الجوف منذ عدة أشهر بين أتباعهم والحوثيين، ولعل هذه المرة الأولى التي ينالون فيها هذه الحظوة والاهتمام وتقلهم طائرة خاصة إلى سمو الأمير ويتم إنزالهم في أفخم الفنادق لينالوا شرف ضيافته وعظيم هباته، وقد يجهل أو يتجاهل هؤلاء سر كل هذا الاهتمام والرعاية والسخاء خاصة حينما يصدر من أناس هم غاية في التكبر والتعالي والنظرة الدونية إلى جيرانهم وبالذات اليمنيين!! ولكن المشايخ ومرافقيهم من السلفيين المتشددين يدركون في قرارة أنفسهم أنما ينالونه من المال والرعاية ليس لسواد أعينهم وإنما هو ثمن بخس للدماء اليمنية التي تسفك في الجوف وغيره لتحقيق نزوات آل سعود وأطماعهم هم ومن يدور في فلكهم، ومن المؤكد أن ممارسات كهذه لم تعد خافية على أبسط الناس، وثوار الساحات وأحرار اليمن يدركون مخططات الأجنحة السعودية المتصارعة ويناشدون الأسرة المالكة بأجنحتها المختلفة أن ترفع يدها عن الشعب وأن تتركه يقرر مصيره بنفسه، وخير لها أن تقف إلى جنب الشعب بدلا من وقوفها إلى جانب أسرة بيت الأحمرالمتصارعة بشقيها ( علي صالح و علي محسن) والثوار يعدون آل سعود بعدم التدخل في شؤونهم الخاصة، ولا يعترضون أبدا على خلافاتهم وصراعهم، ولكن من حقهم أن يقولوا خوضوا صراعاتكم على أرضكم ودعوا الشعب اليمني يقرر مصيره بنفسه، كفاكم عبثا بأمن شعبنا واقتصاده كفاكم مسخا لهويته وتراثه كفاكم استخفافا وتجاهلا لتاريخه وحضارته كفاكم تكبرا وتطاولا على أبناء شعبنا ورموزه، ومن حقهم أن يقولوا لعلي صالح وعلي محسن كفاكم عبثا بدماء شعبنا ومقدراته، أبدتم أهلنا في وسط الوطن وجنوبه وشماله، وقضيتم على وحدته وآماله وأحلامه، والشعب يعي أنكما شريكان في كل قطرة دم سفكت منذ 17يوليو عام 78م وحتى يومنا هذا( أنتما المسئولان عن دماء الشهيد الزعيم إبراهيم الحمدي، أنتما من قتل الناصريين وأخفى جثثهم لتثبتا لآل سعود براءتكما من القومية واستحقاقكما لحكم اليمن بجدارة، أنتما من قتل اليمنيين في الوسط [المناطق الوسطى] بتوجيهات السعودية ودعمها، أنتما من ارتكب مجازر حرب 94 في حق أهلنا في جنوب الوطن وأباح الممتلكات العامة والخاصة فيدا لمن فتحها، أنتما من خاض ستة حروب عبثية ضدأ هلنا أبناء محافظتي صعدة وعمران ذهب ضحيتها عشرات الآلاف من المدنيين والعسكريين طمعا في المزيد من الأموال السعودية والرضا الأمريكي، أنتما من استعبد أبناء الشعب ثلاثة وثلاثين عاما وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا وأذقتموهم مرارة الذل والهوان، أنتما من سحل أحرار اليمن وسقاهم كأس الردى، فعلتما كل هذا وأنتما على العرش مصطلحان، أما وقد اختلفت مصالحكما وساءت الثقة بينكما وتمترس كل منكما بقسم من الجيش والشعب وجناح من الأسرة المتصارعة، فلم يعد أمام الشعب كل الشعب في وجودكما إلا الموت جوعا أو القتل برصاص بلاطجتكما وأموال آل سعود، وبعد كل هذا تستخفان بوعي الشعب وعقله فيجعل أحدكما من نفسه حملا وديعا يتباكى على الأحرار وهم يتساقطون على أرض الكرامة برصاص البلاطجة دون أن يدافع عنهم هو وجيشه برصاصة واحدة ويتناسى المجازر التى ارتكبها في حق الأبرياء، والآخر يتمسكن إلى الناس مظهرا حجم المظلومية التي تعرض لها متناسيا أعداد من أحرقهم بالنار والصواريخ والمساجد التي هدمها فوق رؤوس عمارها، فلم يبق إلا أن نقول لكما ارحلا ودعا الشعب يستعيد كرامته المهدورة واقتصاده المنهار وإنسانيته المفقودة وعرضه المنتهك، ارحلا إلى أسيادكما وشاركا الأسرة المالكة صراعها على أرضها وليس على تراب وطننا المظلوم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*أما من ينظر إلى الثوار نظرة إعجاب وإكبار فهم الأحرار الذين لا يزال عملهم تحت الطاولة ويسعون إلى تغيير النظام الملكي الوراثي المستبد بنظام ديمقراطي يحترم الإنسان ويحافظ على كرامته فمن المؤكد أنهم في الجزيرة كُثر ويشكلون كتلة كبيرة ومنظمة داخل الجزيرة وخارجها وفيهم من أولاد عبد العزيز وأحفاده . إلا أن الوقت لم يحن بعد للخروج بمشروعهم الحضاري الذي يمكن أبناء الجزيرة من استبدال النظام الإقطاعي الوراثي بدولة مدنية حديثة ترى الناس أحرارا وسواسية أمام النظام والقانون