الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٨:١٦ مساءً

مستقبل اليمن بين حراكين (شمالي وجنوبي) !!!

د . عبد الملك الضرعي
الاثنين ، ٢٦ نوفمبر ٢٠١٢ الساعة ٠٣:٣٠ مساءً
شهد مطلع شهر نوفمبر2012م إعلان قيام الحراك الشمالي السلمي انطلاقا من ساحة التغيير بصنعاء ،يأتي ذلك بعد قيام حراك المحافظات الجنوبية منذ عام2007م ،وبالتالي يتبادر إلى الذهن أسئلة عديدة حول أهمية انطلاق حراك الشمال وتبنيه لموضوع يصل حد المطالبة بانفصال الشمال عن الجنوب وذلك أسوة بحراك الجنوب المطالب بفك الارتباط عن الشمال.

إن قيام الحراك الجنوبي جاء بعد حركة مطلبية للمتقاعدين والمبعدين العسكريين ، ومن المؤسف أن السلطة الحاكمة لم تستجب في الوقت المناسب لتلك المطالب مما أدى لزيادة الاحتجاجات فتمت معالجة المشكلة في وقت متأخر بأضعاف المبالغ التي كان بالإمكان اعتمادها من وقت مبكر ، ولم يقف الموضوع عند ذلك الحد بل تحولت القضية إلى قضية رأي عام فتحت الباب لاحتجاجات جماهيرية مفتوحة متعددة المطالب وصلت حد المطالبة بفك الارتباط.

أما في المحافظات الشمالية فخيار الوحدة ظل خياراً لكل المجموعات الشبابية والسياسية والاجتماعية ، إلا أن الممارسات التي تقوم بها بعض الشخصيات والمجموعات المحتكرة للقوة والسلطة والثروة، ومن تلك الممارسات استمرار نهب المال العام الذي وصل حد تخصيص أبار نفطية لبعض الشخصيات النافذة ، ذلك أدى لبروز قناعات لدى بعض الشماليين بأن الوحدة اليمنية لم تحقق مصالح السواد الأعظم من أبناء اليمن شماله وجنوبه ، بل زادت من منافع مراكز النفوذ القبلية والسياسية.

إن الإعلان عن تأسيس الحراك الشمالي السلمي كما نشر على لسان مؤسسيه يهدف إلى إعادة النظر في آليات الوحدة اليمنية وفق رؤية تجعل منها وحدة جاذبة تلبي مصالح عامة أبناء الشعب اليمني شماله وجنوبه ، وتحجِّم من استباحة مراكز القوى للمال العام والثروة الوطنية ، فليس من المعقول أن يتلقى أبناء وادي ساه بحضرموت أطنان من مخلفات التلوث الناجمة عن استخراج النفط ولا يحصلون على مزايا تفضيلية قياساً بالمناطق والمحافظات الأخرى ، بينما يخصص لبعض النافذين أيراد أبار نفطية بكاملها ، تلك الممارسات لن يقبلها أبناء الشمال ولا أبناء الجنوب ، لأن الوحدة بهذه الكيفية مثلت أرباح إضافية لفئة من المجتمع دون سواهم.
إن العامل المشترك بين حراك الشمال والجنوب هو رفض ثقافة الفيد ونهب المال العام والخاص والثروات والأراضي ، وتلك مطالب مشروعة هدفها تعزيز العدالة الاجتماعية والمساوة بين مختلف أبناء الشعب اليمني .

إن الوحدة اليمنية العادلة مطلب شعبي سواء في الشمال أو الجنوب ، بل أن المراجعة التاريخية لمؤتمرات الحزب الاشتراكي قبل قيام الوحدة اليمنية كانت تؤكد على أولوية خيار الوحدة اليمنية بل وأمتد ذلك إلى المستوى الشعبي في مختلف المحافظات الجنوبية، والزائر للمحافظات الجنوبية مطلع التسعينات كان بإمكانه إدراك تلك المشاعر ، بل لا ننسى الموقف الشعبي الجنوبي المساند للوحدة اليمنية خلال حرب صيف1994م.

ما هو مؤكد أن الخيار الشعبي في الشمال والجنوب هو خيار الوحدة اليمنية ، ولكن الممارسات التي أعقبت حرب صيف 94م ،بداية بالاستيلاء على مساحات واسعة من أراضي المحافظات الجنوبية مروراً بمصادرة المباني السكنية والحكومية بما فيها المباني التابعة للرموز القيادية للحزب الاشتراكي وانتهاء بالاستحواذ على شركات الإنتاج السمكي ونسبة من إنتاج النفط وشركاته ، كل تلك الممارسات وغيرها عززت من حجج المطالبين بفك الارتباط ، وأضعفت من قدرة الوحدويين على الدفاع عن خيار الوحدة اليمنية.

أخيراً حتى تكون الوحدة اليمنية جاذبة للشمال والجنوب ، من الضروري إعادة النظر في الأخطاء والممارسات الانفصالية التي مارستها مراكز الفيد والنفوذ بداية بإعادة منازل القيادات التاريخية والأراضي المنهوبة في المحافظات الجنوبية ، وإن ادعى ملاكها أنه تم شراؤها من الدولة ، فكل بيع أو شراء لمبنى أو أرض لم يتم بواسطة مالكه الأصلي فهو بيع باطل و استغلال للنفوذ والسلطة لمصالح خاصة ، على حكومة الوفاق فتح ملف تقرير (باصرة هلال) أمام الرأي العام ومعالجة القضايا المشمولة فيه ، على الحكومة ورئيس الجمهورية إيقاف إي مخصصات من الإنتاج النفطي للشخصيات النافذة بعد كشف ذلك وبالوثائق أمام الرأي العام ، بل يجب أن يصل ذلك الإجراء حد استعادة تلك المخصصات المخالفة للقانون كونها سطو غير مشروع على المال العام ، وعلى الحكومة إعادة النظر في توزيع عائدات الموارد السيادية بحيث تعطى المحافظات التي تتواجد فيها تلك الموارد مخصصات تنموية تتناسب مع حجم مواردها المحلية ، إن مصفوفة من الإجراءات لاستعادة ثقة الإخوة في المحافظات الجنوبية بخيار الوحدة اليمنية على قدر كبير من الأهمية ، بينما استمرار التغاضي عن المطالب المشروعة لأبناء المحافظات الجنوبية سيكون له عواقب خطيرة يتوقع امتداد أثرها إلى المحافظات الشمالية التي تعاني من هيمنة وسيطرة نفس مركز النفوذ ، وبالتي لا يستبعد أن يتحول الحراك السلمي الشمالي إلى حراكات في تهامة والمناطق الوسطى وحضرموت وغيرها ، بينما المواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية والشراكة في القوة الثروة والسلطة بين مختلف مكونات المجتمع سيعزز من الوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي.