السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٧:٥٧ صباحاً

حتى نتوقف عن دفن رؤوسنا في الرمل

جلال الشيباني
الثلاثاء ، ٢٧ نوفمبر ٢٠١٢ الساعة ١١:٤٠ صباحاً
يقول البعض بأن النعامة تدفن رأسها في الرمل عندما تشعر بالخطر معتقدة بذلك أنها تحمي نفسها من ذلك الخطر, ربما تكون هذه المعلومة غير صحيحة من الناحية العلمية ولكن دعونا نصدق ذلك من الناحية الغير علمية وبنفس طريقة برامج الكرتون ولنقارن ذلك بتصرفاتنا الحياتية اليومية وكيف أننا نهرب من مواجهة المشاكل وكيف أننا نسوفها معتقدين بأنها سوف تختفي من تلقاء نفسها وكأننا فعلاً ندفن رؤوسنا في الرمل هروباً من المواجهة !!

من الناحية العلمية والعملية يعتبر هذا الخوف من مواجهة المشاكل أمراً طبيعياً لنا نحن الكبار وخصوصاً لمن لم يتعلم كيفية حل المشاكل ولم يتمرس على مواجهتها فحل المشاكل مهارة يمكن تعلمها في أي وقت, ولكن كل ما كان ذلك الوقت مبكراً كان ذلك أفضل, ومعنى ذلك أن نعلم أطفالنا كيف يواجهون مشاكلهم بأنفسهم وكيف يجدون الحلول المناسبة لمواجهة المشكلة وتحويلها إلى منحة وخير, ففي الحقيقة تعتبر المشاكل فرصاً تحتاج فقط لمن يدركها ويستفيد منها.

إن مهارات حل المشاكل وطرق صناعة القرار تعتبر من أهم المهارات التي يحتاج إليها كل إنسان في كل جوانب الحياة سواءً الشخصية والعائلية أو العملية والوظيفية وهذه المهارات لايولد الإنسان وهو مجهز بها ولكنها مهارات تتطور وتنمو بالخبرة والممارسة وهي علم قائم بذاته وتقوم عليه العديد من الدراسات والأبحاث ولكن هذا ليس مجال الحديث هنا وإنما المقصود أننا نحن الكبار قد لا ندرك أن الأفعال التي نقوم بها عند مواجهة المشاكل إنما هي هروب منها بينما نعتقد أننا بذلك الهروب نريح أدمغتنا من هم المشكلة ونحن بذلك حقيقة لا نقوم بشيء سوى أننا نترك المشكلة لتتفاقم وتتحول إلى معضلة أو كارثة.

إن تعليم الأطفال مهارات حل المشاكل يعتبر من الأمور المهمة جداً لتطورهم الذهني ولما له من أثر بالغ في تكوينهم الشخصي على المدى البعيد فالطفل الذي يمتلك مهارات حل المشاكل تتعزز لديه ثقته بنفسه كما أن ذلك ينعكس على شخصيته وفي تعامله مع الأخرين, وأيضاً فإن الطفل الذي ينشىء وقد تعلم مهارات التعامل مع المشاكل فإنه حين يكبر تصبح لديه القدرة على استشفاف الفرص من خلال المشاكل فهو ببساطة لاينظر إلى المشكلة ولا عقباتها كعائق يجب التوقف عنده ولكن ينظر للأمر على أنه فرصة يمكن استغلالها وتلك العوائق ما هي إلا عبارة عن أدوات يمكن تطويعها للمساعدة في إيجاد الحل, وبذلك هذا الطفل حينما يكبر يصبح باحثاً عن المشاكل ولايعني هذا أن يكون صانعاً للمشاكل ولكن بمعنى أنه يبحث عن المشاكل لإدراكه التام بوجود الفرص المختبئة خلف تلك المشاكل.

في الحقيقة إن هذا الأمر لايتوقف عند هذا الحد فقط فتعليم الطفل مهارات حل المشاكل يفيد الطفل على أكثر من وجه, فمن تنمية القدرات على التحليل المنطقي وإيجاد الحلول المبتكرة إلى تنمية الإبداع والقدرة على ضبط النفس عن مواجهة المشكلة أو أي ظرف صعب, كما أنه يتعلم التخطيط السليم وكيفية حساب المخاطر, وهناك أيضاً التعلم من خلال التجربة والخطأ فحل المشاكل يتطلب منا في بعض الأحيان تجربة شيء جديد وأحياناً ما تخفق هذه التجارب وبالتالي تحفظ التجربة في وجدان الطفل على أنها درس لتجنب الفشل, وكما قال أديسون عندما سأل لماذا قام بالف تجربة فاشلة ليصنع المصباح الكهربائي كان رده ببساطة أنه تعلم ألف طريقة لتجنب الفشل.

فهل حان الوقت لنعلم أطفالنا كيف يواجهون مشاكلهم بقوة المنطق والتفكير وكيف يصنعون الحلول المبتكرة وكيف يتعلمون من الفشل والإخفاق لعلهم حين يكبرون لايكونون مجرد نعام يدس رأسه في الرمل عند أول مؤشر للخطر.