الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٩:٤٠ مساءً

النهاية المتشابهة لرؤساء اليمن

موسى العيزقي
الخميس ، ٠١ يناير ١٩٧٠ الساعة ٠٣:٠٠ صباحاً
لم يكن كرسي الرئاسة في اليمن مستقراً على مر التاريخ تقريبا، وتحديدا وماسنتناوله في هذا التقرير منذ ولادة أول نظامين جمهوريين في كل من الشمال والجنوب، فمنذ قيام ثورتي 26 سبتمبر و 14 أكتوبر حكم شمال اليمن وجنوبه (10) رؤساء، كان أول رئيس لليمن الشمالي عام 1962م المشير عبد الله السلال، وأول رئيس لليمن الجنوبي عام 1963م قحطان محمد الشعبي.

تولى المشير عبد الله السلال الحكم في اليمن الشمالي عام 1962م، واستمر فيه حتى العام 1967م، واجه السلال معارضة شديد من قبل ما أطلق عليها انذاك (بالقوة الثالثة) بقيادة الشهيد محمد محمود الزبيري، الذي اتهم السلال بمحاولة الاستحواذ على السلطة وإبقاء الحكم في سلالة آل السلال.
استعان الزبيري بما أُطلق عليها "القوة الثالثة" التي لعبت الدور الأكبر في انقلاب 5 نوفمبر 1967م الذي أطاح بأول رئيس لليمن الشمالي والذي أصبح لاجئا في المنفى.
رئيس توافقي ..

بعد الإطاحة بنظام المشير عبد الله السلال برز إلى الساحة الرئاسية وبقوة القاضي عبد الرحمن الارياني - الذي كان - يتمتع بدعم من ابرز رموز القوة الثالثة باعتباره محل إجماع القبائل، حيث تولى الحكم في الشمال عام 1967م عقب الإطاحة بأول رئيس جمهوري.

عمل الارياني على تعيين قادة الجيش من العسكريين المتخرجين حديثاً من الكليات والمدارس الحربية، التي شكلت قوة لايُستهان بها لبناء جيش نظامي صار من الصعب زحزحته خصوصا بعد مواجهته لحصار صنعاء.

دخل القاضي الارياني في صراع مع قادة الجيش الجديد الذين طالما ساندوه من اجل مواجهة الملكيين.
أطيح به في 13 يوليو بانقلاب وُصف بالأبيض من خلال حركة 13يوليو التصحيحية التي قادها المقدم إبراهيم الحمدي رحمه الله، وأصبح بعدها لاجئا في العاصمة السورية دمشق عام 1974م.

الرئيس الأسطورة .!!
لم يقتصر ظهور الحمدي كرئيس مقتدر على التعاطي مع كل القوى الداخلية والخارجية، بل برز أيضاً كزعيم شعبي أحبه اليمنيون كما لم يحبوا رئيساً قبله (!).
انتهج الحمدي سياسة مغايرة لمن سبقوه من الرؤساء من خلال سحبه البساط من تحت قدم "القوة الثالثة" في احتكار التعامل مع المملكة السعودية، وأصبح يتعامل معها كدولة شقيقة مثلها مثل باقي الدول، كما عمل على إقصاء القبيلة، وتحجيم دورها، بل وطرد بعض رموزها الى الخارج.
هذه هي الحركة التصحيحية التي قادها الحمدي في 13 يوليو 1974م، والتي مهدت لبناء يمن المؤسسات الحديثة.
استمر حكم الحمدي حتى عام 1977م، رحل بعدها بعملية اغتيال وصفت بالمدبرة.

رئيس لأشهر ...
بعد اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي تولى الحكم في اليمن الشمالي المقدم احمد حسين الغشمي، الذي لم يكن يتوقع هو الآخر تلك النهاية المأساوية لحكمه، ولم يكن يعرف أن حكمه لن يستمر إلا لبضعة اشهر..
انتهج الغشمي نهج الحمدي في تبني سياسة مغايرة لسياسة زعماء القبائل والعربية السعودية، وتعرض لعملية اغتيال دبرها له الرئيس الجنوبي حينها علي سالم ربيع (سالمين)، وكانت نهايته العام 1978م.

رئيس حصري ..!
بعد مقتل الرئيس احمد الغشمي تسلم السلطة الرئيس علي عبد الله صالح الذي انتهج سياسة مغايرة لسياسة سلفيه الحمدي والغشمي، فبنى علاقات وطيدة مع المملكة العربية السعودية، ناهيك عن فتحه الباب بمصراعيه أمام القبيلة ورموزها.
توغلت القبيلة في النظام السياسي وأصبحت من أهم مكوناته بفضل علي صالح، وهي بحسب مراقبين سبب الرئيس في تخلف الوطن، والعامل الاكبر في عدم التحاقه بركب التقدم والحضارة.

لم يكتفِ صالح بذلك بل وظف المقربين إليه وأفراد أسرته في المواقع الحساسة، وعمل على إزاحة الشخصيات ذات الرصيد الوطني، وهي العوامل نفسها التي عملت على إطالة عمر هذا النظام..
نجح صالح في كسب ثقة شريحة كبيرة من أبناء الشعب اليمني لاسيما الأميين وأبناء الطبقة الكادحة، كما نجح في تصويره للكثير منهم انه الرئيس الحصري، وانه رجل اليمن الواحد الذي لم تلد النساء مثله، وبرحيله سيتقسم اليمن ويدخل في صراع وحرب ودمار.

ظل النظام يعزف على تلك الأوتار طيلة ثلاثة عقود، إلى أن جاءت الصحوة العربية الشعبية والتي بدأت بتونس ووصلت إلى مصر ونجحت بالإطاحة بحكم رئيسين عربيين متأصلين في الحكم.
اندلعت ما سميت بالثورة الشعبية في اليمن في الـ11 فبراير من العام الحالي، ومازالت حتى اللحظة .
ظل صالح يرواغ مع استمرار الاحتجاجات المطالبة برحيله حتى الثالث من يونيو حيث تعرض لمحاولة اغتيال أدّت من خلال قصف مسجد دار الرئاسة، وأدى إلى إصابته وبعض رموز حكمه، وما زال يتلقى العلاج في المملكة العربية السعودية حتى اللحظة.

رؤساء الجنوب..!!
بعد إعلان استقلال جنوب اليمن من الاحتلال البريطاني صدر قراربتعيين قحطان محمد الشعبي كأول رئيس لجمهورية اليمن الجنوبية الشعبية بتفويض من قيادة الجبهة القومية التي لم يختلف أداؤها السياسي عن "القوة الثالثة" في الشمال سوى بتطلع الأولى إلى بناء دولة حديثة.
بدأت معارضتهم لقحطان باتهامه بالميل إلى اليمين الرجعي الذي مثلته قيادات عسكرية أفرزتها أحداث مارس 1968 في عدن، وهو التاريخ الذي شهد أيضاً بروز ما سُمي بيسار الجبهة أو "اليسار التقدمي".

إلى ذلك كانت جبهة التحرير المستوعبة لسلاطين اتحاد الجنوب تنافس كي يوازي تأثيرها السياسي تأثير "القوة الثالثة" في صنعاء، غير ان الدور السياسي والعسكري لقوة "اليسار التقدمي" استطاع أن يوصل قحطان الشعبي إلى تقديم استقالته من رئاسة الجمهورية، وأعلن "اليسار التقدمي" في قيادة الجبهة القومية بيان إقالة الرئيس ووضعه تحت الإقامة الجبرية، في ماعُرف بحركة 22يونيو التصحيحية عام 1969.

رئيس منتقم..!!
تولى رئاسة جمهورية اليمن الشعبية سالم ربيع علي (سالمين) العام 1969م، استمر في السلطة حتى العام 1978م وهو التاريخ الذي اغتيل به الرئيس الشمالي احمد حسين الغشمي اتهم على اثرها الرئيس (سالمين) بتدبير عملية الاغتيال، واعدم بعد ذلك مع مجموعة من أنصاره في عدن بعد هزيمتهم في المواجهة المسلحة القصيرة مع مجموعة عبد الفتاح..

مصير غامض ..!!
بعد إعدام الرئيس سالمين عيُن عبد الفتاح إسماعيل رئيساً لمجلس الرئاسة ثم عين في العام نفسه أميناً عاماً للحزب الاشتراكي اليمني الذي حل محل الجبهة القومية.
استقال في ابريل 1980 من جميع مهامه الأسباب صحية، وعاش في المنفى في الاتحاد السوفيتي السابق حتى سُمح له بالعودة بعد خمس سنوات لتندلع أحداث 13 يناير 1986 والتي اختفى خلالها في ظروف غامضة..

منفي اضطراري ..!!
بعد الإطاحة بالرئيس سالمين أصبح علي ناصر محمد رئيساً بالوكالة لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية قبل اختيار عبد الفتاح إسماعيل لرئاسة الجمهورية.
في العام 1980 قررت الجبهة القومية في مؤتمر استثنائي تنحية عبد الفتاح وتعيين علي ناصر رئيساً للجمهورية ورئيساً للوزراء وأميناً عاماً للحزب الاشتراكي اليمني.
في فبراير 1985 تخلى عن رئاسة الوزراء وبقي رئيساً للجمهورية وأميناً عاماً للحزب حتى صباح يوم الاثنين 13 يناير 1986، وإثر انفجار الأحداث الدامية ذلك اليوم، نزح عن عدن إلى صنعاء ثم إلى دمشق حيث أقام في الأخيرة كمنفي شبه اضطراري..

آخر رئيس للجنوب ..!!
تولى علي سالم البيض منصب الامين العام للحزب الاشتراكي اليمني والذي كان يحكم بالفعل جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية اكثر من الرئيس المعلن (م. حيدر العطاس)، بعد أحداث يناير حتى العام 1990م.. ووفقا لهذه السلطة وقع مع الرئيس علي عبد الله صالح آخر اتفاقيات الوحدة في 30 نوفمبر 1989م، وبعد إعلان الوحدة في 22 مايو 1990 تولى نائب رئيس مجلس الرئاسة في الجمهورية اليمنية، ثم نائباً لرئيس الجمهورية بعد انتخابات العام 1993م..
هجر مقر إقامته في صنعاء وظل في مدينة عدن إثر الخلافات السياسية الحادة التي أدت إلى نشوب حرب صيف 94.
أعلن الانفصال عن دولة الوحدة من جانب واحد في 22 مايو 1994 لمدة لم تتجاوز الشهرين، ثم نزح كطرف مهزوم في حرب صيف 94 إلى سلطنة عمان التي منحته حق اللجوء السياسي ومن ثم الجنسية العمانية.

ظهر مؤخراً على شاشات التلفزة وواجهات الصحف بعد غياب دام 15 سنة وألقى خطاباً يُطالب فيه بالانفصال عن دولة الوحدة مرة أخرى، الأمر الذي تسبب في فقدانه الجنسية العمانية والتعاطف الذي كان يحظى به كطرف مهزوم وممثل لشراكة أقصتها الحرب عن دولة الوحدة.