الخميس ، ٢٥ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٥:٣٢ صباحاً

المحطة التالية... أوبرا عمران .!

د . أشرف الكبسي
الخميس ، ٢٩ نوفمبر ٢٠١٢ الساعة ١٢:٤٠ مساءً
كعادتي... ألقيت لعناتي على المنبه ، وغادرت منزلي نحو وظيفة معلومة ومستقبل مجهول ، كان الشارع نظيفاً ولامعاً ، على غير العادة ، حتى الشمس لم تبدو هكذا متفائلة ومشرقة من قبل ، أسرعت الخطى محاولاً إخفاء الدهشة عبر تجاهل المرئيات من حولي ، إلا أن فكي لم يستطع إلا أن يتدلى أكثر وأنا اقرأ على لوحة معدنية أنيقة ، بخلفيتها الصقيلة البيضاء وحروفها البارزة الزرقاء ، وباللغتين العربية والإنجليزية : محطة مترو البليلي..!

تلفت يمنة ويسرة ، لا أثر لما أعتدت رؤيته لسنوات ، أين مزيج الضجيج من أبواق السيارات والطابور المدرسي ، وصرخات المجانين وأنات المساكين ، لا أثر لرائحة السمك الممتزجة بروائح زيوت وعادم المحركات ، وأدخنة براميل القمامة والسياسة المحترقة، تلك الرائحة التي تشبه إلى حد كبير معكوس ماركة العطور الشهيرة (حرماني) ! وأين هي تلك الدرجات النارية التي طالما بدت (نازية) ، وأين هي فوضى تقاطع اتجاهات الحياة المتباينة ، وتلاشيها في نقطة واحدة بالمركز ، الرصيف والطريق ، الحيز الخاص والعام ، عربات الباعة ، القطط الجائعة والكلاب الضالة وتلاميذ المدارس الحائرة ..!

تجاوزت في وجل مدخل (المحطة) ، وقفت على السلم المتحرك الكهربائي نزولاً نحو الأسفل ، متخوفاً أن تنطفئ الكهرباء في أية لحظة ، ولكن عبثاً فلم يحدث من ذلك شيء ، كان المكان يعج بكل ما هو جميل : اللوحات والزخارف الفنية الرائعة على الجدران والأسقف ، النظام والترتيب سيد الموقف ، الجموع البشرية تسير بإيقاع منتظم نحو هدف محدد ومعلوم ، وهناك وقف رجل الأمن ببزته الأنيقة والمرتبة ، ونظاراته السوداء ، مظهره اللائق كان يوحي بالثقة والاطمئنان مؤكداً حضور القانون والنظام والدولة المدنية ..!

على جانب الممر الرخامي الفسيح ، وقف – بشموخ - شاب بثيابه اليمنية التقليدية ، وكأنه تمثال شمع بمتحف اللوفر ، وقد أمسك بالعود ، ووضع على الأرض قبعة من الخيزران ، في إيمائه لقبوله الممكن عون المعجبين ، كان صوته رائعاً ودافئاً وهو يغني: ما أجمل الصبح في ريف اليمن حين يطلع..!
تناوبت الجداريات واللوحات الإعلانية ، في الترويج لفعاليات متنوعة مرتقبة ، فهذه تدعو لحضور مسرحية (الشيخ شكسبير) بمسرح (البلقة) الوطني ، وتلك تعلن عن الافتتاح الوشيك لحفل توزيع جوائز الأوسكار، في (فلورمونيا) الحصبة ، حيث يُتوقع مناصفة الجوائز بين هوليود ومدينة (الحتارش) السينمائية..!

بعد أن ابتعت إحدى الصحف الإخبارية ، وتوجهت نحو عربات المترو ، ألقيت جسدي ورأسي - المكتظ بالآلاف من علامات الاستفهام والتعجب – على المقعد الجلدي في مؤخرة العربة ، التي سرعان ما انطلقت إلى الأمام ، فهي تعرف – خلافاً لي - كم هو الوقت ثمين..!

أسرعت لأتصفح تلك الجريدة ، علني أجد فيها بعض الإجابات لتساؤلاتي الحائرة ، لكن عبثاً فعلت، فقد تضمنت العناوين الرئيسية التالية:

• اليمن يقرر إلغاء نظام الكفالة عن العمالة الخليجية الوافدة!

• الرئيس اليمني يستخدم حق الفيتو ، ويلوح باستخدام الترسانة النووية !

• افتتاح خمسة مفاعلات نووية جديدة في قاع جهران !

• هبوط المركبة الفضائية (سعوان) بنجاح على كوكب المريخ !

• صناعة السيارات اليمنية تتصدر القائمة ، وشركة بنز تتهمها باحتكار السوق العالمية !

• المعارضة تهدد بإسقاط الحكومة لتجاوز معدلات البطالة في البلاد 2%..!

• إلقاء القبض على شيخ في مقاطعة (شبوان) لحيازته مسدساً غير مصرح !

أغمضت عيناي ، مستسلماً لسحر المذاق المغاير للحياة التي أمتلك ، ولا فرق إن كان هذا واقعاً أم حلماً أو حتى جنون... ألقيت الصحيفة من يدي ، وارتسمت على شفتاي ابتسامة غامضة وحزينة ، بينما كنت أستمع لأجمل سيمفونية عرفتها يوماً ، مكبرات الصوت ، وهي تردد : المحطة التالية .. أوبرا عمران..!!