الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١١:٢٤ مساءً

وطن يستغيث: "وآمنهم من خوف"!!

علي الذهب
الخميس ، ٢٩ نوفمبر ٢٠١٢ الساعة ٠٨:٤٠ مساءً
تناولتُ في تحليل سابق أحداث ومجريات الهجوم الذي تعرضت له السفارة الأمريكية في صنعاء، في سبتمبر الماضي، الذي جاء في سياق ردة الفعل العنيفة إزاء الفلم المسيء للرسول الكريم محمد -صلى الله عليه وسلم- وكنت قد عرضت ضمن مقترحاتي: عزل وزير الداخلية، ومحاسبة رجال المنظومة الأمنية في العاصمة الذين يثبت-بعد محاسبتهم- أنهم مقصرون في واجبهم الوظيف..

الآن، وبعد الطي الغريب لتفاصيل تلك الحادثة والأطراف المتورطة فيها، وكذا التعتيم على نتائج أحداث جسيمة سابقة لها، كحادثتي السبعين وكلية الشرطة، وبعد ثلاث حوادث أخرى تخللتها الأيام العشر الماضية؛ فإنني أجدد تلك الدعوة وبصوت عالٍ، بل ويسعني- أيضا- أن أذكِّر-كواجب مهني ووطني- فالذكرى تنفع المؤمنين، أن هذا المجتمع أو أي مجتمع آخر ينتظر ممن يتولى إدارة شئونه: "أن يكون قويا ويهتم به" وأنّ تحقق القوة دون الاهتمام أو العكس؛ هو خلل فضيع!!
إليكم تلك الحوادث التي استدعت هذا الحديث..

-الحادثة الأولى:
سقوط طائرة عسكرية مع طاقمها المكون من عشرة طيارين من مختلف الرتب العسكرية والدرجات في الكفاءة، مع توارد معلومات خطيرة تشي بأن تلك الطائرة تعرضت لنيران أرضية مجهولة الهوية والمصدر، وأن السبيل إلى معرفة ذلك، سيكون ضربا من الخرافة.

-الحادثة الثانية:
مقتل ثلاثة من المحتفلين بذكرى يوم عاشوراء، في مجْمع شيعي حوثي في صنعاء، أودى بحياة ثلاثة أشخاص وجرح سبعة آخرين، وما تزال الحادثة مثار جدل، بل ستكون مفتتحا لعنف وسجال متبادل بين هذه الجماعة وخصومها في الأيام القادمة.

-الحادثة الثالثة:
مقتل دبلوماسي سعودي-اليوم- كان يعمل في الملحقية العسكرية السعودية في صنعاء، ومقتل مواطن يمني كان يعمل مرافقا معه، على أيدي أفراد مجهولين، ولا تزال القضية قيد التحقيق، أما نتائج التحقيق فلن تتجاوز صفات سابقاتها من الحوادث.

المهم، أن هذه الحوادث لا تشير-فحسب-إلى أن المنظومة الأمنية اليمنية شبه مشلولة؛ بل إنها لتؤكد أنها ميتة أو أنها أقرب إلى هذا التوصيف؛ وأن همّ القائمين عليها هو تقاسم المغانم التي تتخلل الفترة الانتقالية الحالية التي يعيش المواطن البسيط خوفها ورجائها، تيقنا منه، أن بعد العسر يسرا، وأن ضبط النفس ضرورة شرعية يواجه بها التردي الأمني الحاصل.

قد يقول قائل أن الحادثة الأولى لا تأتي في السياق الأمني؛ غير أن حادث تعرضها للسقوط في ظل ما يسرب من معلومات عن استهدافها بنيران أرضية، يجعل الواقعة أمنيةً بدرجة صرفة، ويجعل أجهزة الأمن-على اختلاف درجتها ووظيفتها التخصصية- موضع مساءلة، وهذا الأمر يذكرنا بواقعة مشابهة، جاءت في ظروف كانت فيها الجماعات الإرهابية أنشط من الأجهزة الأمنية، وذلك أواخر عام 2002م، عندما تعرضت طائرة تابعة لشركة هنت النفطية لصاروخ أرض-جو، بالقرب من مطار صنعاء الدولي، إلا أنه لم يسفر عنه خسائر بشرية!!

لو جرى-جدلا- توصيف الحالة الأولى بأنها عسكرية فنية؛ فإنه سيبرز سؤال بحجم هذه الحادثة الجسيمة، هو: أين هي لجنة الشئون العسكرية وتحقيق الأمن والاستقرار، التي تضم كلا من وزيري الدفاع والداخلية، والقادة العسكريين من ذوي الصلة بهذا الشأن؟ وسيكون الجواب خجولا باهتا، عندما يواجه ذلك بالقول: إنها عجزت عن تحقيق ثلث المهام التي كلفت بها رغم مضي عام كامل على تكوينها، وأن ما تحقق على يديها، إنما هي أمور ثانوية يمكن أن يقوم بها شيخ صغير في بادية ينام رجالها على أجساد بنادقهم.

إن إيثار مراعاة الشعور تجاه جهة ما أو شخصية ما كلفت بأعباء منصب ما ولم تقم به خير قيام، في مقابل سيادة الفوضى والتخلي عن السعي لتحقيق أمن اليمن وسلامة مواطنيه ورعاياه؛ يعد كارثة متعددة الجوانب والتداعيات، وخيانة وطنية، وهي سلوك غير داعم لفكرة تحقيق الأمن والاستقرار التي ينشدها الجميع، لاسيما أن المرحلة القادمة ستكون حافلة بمتغيرات سياسية تضمنتها المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ولن تخلو أيامها من شاكلة هذه الحوادث، ما لم يجرِ التهيؤ لمواجهة ذلك.