الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٢:٣٠ مساءً

الدّاءُ المجتمعي الأخطر..!

د . محمد ناجي الدعيس
الجمعة ، ٠٧ ديسمبر ٢٠١٢ الساعة ٠٩:٤٠ صباحاً
برغم ما يمثله الداء ــ المرض ــ والأوبئة العضوية والنفسية المختلفة من خطورة ظاهرة وباطنة على الإنسان والتي قد تودي بحياته، إلا أنها تظل أهون من شِدة داءِ الحماقة الذي يُصرُّ البعض على احتضانه ونقله إلى أفراد مجتمعه ليصبح ــ داء الحماقة ــ أخطرُ داءٍ مجتمعي تتوالد منه أوبئة لمبادئ شيطانية متطرفة كالمناطقية والمذهبية والفئوية..الخ، جميعها يَصُبُّ للهدم المجتمعي ومن ثم الوطني ولتوسيع رقعة الفساد وإحكام منظومته.. يشعر الفرد وكأن الحماقة هي القاسم المشترك الذي اتفق عليه الشركاء الفرقاء في الساحة اليمنية، وأُغفل تماماً عن عمد دور الصامتين من السَّواد اليمني الأعظم الذي يمتد بطول وعرض الساحة وهو الفيصل الأساس لكل قضية..!! ألم تؤخذ العبرة من حماقات الفترات السابقة وما آلت إليه..؟!! أم أن نُخَب ومثقفي مهد العروبة هم مصرّون على تطبيق المقولة أينما وجد العرب ضاع الحل كنوعٍ من التأكيد على أصالة عروبتهم؟! وفي كل فعلٍ ــ أكان سلوك أو حوار ــ لا نرى إلا داء الحماقة يتجلّى نهجه بسبب انعدامُ الضبط وضياع مسطرة القانون، فأضاعوا قسط الكلمة وضاع الرشد منهم لإيثار وطنٍ على أنفسهم وفئويتهم.. فالوطنية لا تعني مطلقاً وبأي حال من الأحوال الجنوح إلى الحقد والكراهية والاقتتال بين أبناء الوطن في سبيل شخص أو قبيلة أو حزب أو مذهب ..الخ، ولكنها تعني الولاء لوطن بكل مكوناته بممارسة سلاح العدالة الوطنية سواءٌ بسواء..

إن البطالة والفقر والحرمان التي تشكل آفات اقتصادية واجتماعية وأخلاقية مُدمِّرة، ليست نتيجة طبيعية للتقدم التاريخي، وإنما هي ناجمة عن فساد وجور وخلل أساسي في النظام السياسي، والذي فُرضت عدواه قسراً إلى بقية النظم الاجتماعية السائدة، في العملية الاقتصادية - الاجتماعية برمتها، والجارية اليوم في ظل العولمة وعلى جميع الاتجاهات، وهو الأمر الذي تذكرنا به تقارير التنمية البشرية الصادرة عن الأمم المتحدة سنوياً، داعية فيه الشركاء كافة إلى توجيه جهودهم لتصحيح الخلل وبناء علاقات أكثر عدلاً وانسجاماً.. ومع الأسف وكأنَّ الشركاء الفرقاء لا تعنيهم إلا ذواتهم، فالمحرومون مشغولون بمطالب يومهم وخبزهم، ولعلهم أيقنوا أن صوتهم لا يُسمع، والأغنياء غارقون في ترفهم وحساباتهم المصرفية، فليس لهم أوطان ولا قلوب ولا آذان.. والسياسيون اختزلوا الأوطان في كرسي الحكم واحستوا الصراع من أجله.. ألا يمكن إذاً حل مشكلة البطالة والفقر والحرمان وجوع الناس؟ ألا توجد هناك أبدال حلول حقيقية ممكنة؟ نقول هنالك حلول بديلة، لكنها لن تهبط علينا فجأة.. وما على الأغلبية إلا أن يبحثوا عنها داخل ذواتهم بجدٍ وإيمان، وتعمل تلك الأغلبية على تجسيدها في أرض الواقع. فقط يقتضي الأمر منهم الاجتهاد والعمل بمفردهم صفاً واحداً دونما كللٍ أو ملل، مع احتضان الآخر ومن ثم تحديث مطلب الاتصال والتواصل معه رغبة في التكامل والتعايش معاً.. وبأن يحسنوا الحاضر ليتطور المستقبل.. كما أن عليهم الجنوح عن صخب الحديث بأمجاد الماضي قليلاً، والذي أخذ كل وقتهم وجهدهم..

إن الافتقار في كيفية التواصل والاتصال مع الآخر يُعد الركيزة الأساس التي تشكل عائقاً صلباً لتأطير الرؤى والأفكار ضمن أرضية مشتركة تعني بما يصبوا إليه الناس وتهم مكونات وطن، ومحطات كثر تشهد إضافة إلى أن واقع الحال يؤكد قولنا هذا.. فنجد شريحة من النخب المثقفة والأحزاب والقبيلة، والجيش ..الخ، نجد أن الأصل في تعاملاتهم مع الآخر هو الإقصاء الذي لا ينشأ إلا من ضعف الحُجة لتقاطع المصالح الشخصية والفئوية وما في مستواها على حساب مصلحة وطن واستقراره.. وما يؤسف له فيما وصل إليه الجهل المجتمعي، أن يصبح إصدار حُكم المواطن اليمني على المسؤول ليس من منظور النزاهة والكفاءة، ولكن من خلال العلاقة الشخصية التي تربط المواطن بالمسؤول وبمقدار ما حققت تلك العلاقة من مكاسب مادية شخصية لذلك المواطن من المسؤول.. أبذلك يمكن نماء وطن؟!
خاتمة القول.. إن من الأمور السيئة أن يفقد الفرد ممارسة قيم الفضيلة في علاقاته مع الآخرين .. ولكن أن يمارس الفرد قيم الرذيلة مع الآخرين هو أمرٌ في غاية السوء، وخصوصاً إذا كان ذلك السلوك صادر من النخب المجتمعية منهم حاملي اللقب العلمي أو العسكري أو القبلي أو المذهبي ..الخ، أو شخص يدعي الدين وتلك الطامة الكُبرى .. ألستم معي في كذلك؟