الخميس ، ١٨ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١٠:٠٦ مساءً

رحلة صعبة ( 6 ) والأخيرة

عباس القاضي
السبت ، ٠٨ ديسمبر ٢٠١٢ الساعة ٠٨:٤٠ صباحاً
بدأت المدينة تلوح بيديها من بعيد بمبانيها الشاهقة ،،، وخفقات قلبه تزداد ، لقد بدأ واقع الفراق يكبر كلما كبرت مباني المدينة .

قال لها : هل ستذهبين مباشرة إلى عمادة شئون الطالبات ،، أو لديك في الرياض أحد ؟،،، قالت : للعمادة ،،، وأنتَ ؟ قال لها : للسكن الجامعي .

وهنا بدأ ينبش الأوجاع و يستجر الأحزان ،،، بسؤال ، أدرك من جوابها ،، أن لديها من الوَجْد ما يدمر بلدا بكامله - على العكس من تصوره - قال لها : هل كنت سعيدة بمرافقتي ؟ قالت : نعم ، يا مدين ، لقد رأيت فيك أخلاق أمة كاملة ،،، وأردفت : أنت شهم ونبيل يا مدين ،،، ربنا يخليك لزوجتك وأولادك ، بإشارة ذكية منها ، لتحدد مسار العلاقة بينهما ،،، رد عليها : وأنت يا نوف ، كنت مثالا للفتاة النقية الطاهرة ، كنا في اختبار حقيقي ونجحنا فيه .

هل ستذكرينني يا نوف ، بعد اليوم ؟ يقولها مدين والدمع تتساقط من عينيه كا البرد ،،، قالت : سأذكرك ما حييت ، وإذا تزوجت سأسمي أول أبنائي مدين على اسمك ،،، تقولها ، وهي تدخل كفها بين اللثام وخدها لتمسح الدموع ،،، سيكون كل لحظة مرت منذ يوم أمس ، هي نبراسي في الحياة ،،، واستطردت : إنني أتمنى رجلا مثلك ، يا مدين ،، لكنه ليس أنت ، فزوجتك الصابرة على فراقك أولى بك ،،، سأنتظره ،، ولن أرضى بأن يكون أقل منك ،، إني أحس يا مدين ، بأنك ستصبح عائقا أمام زواجي ،،، لأنك رفعت سقف طموحي في مواصفات الزوج الذي أريد .

حاول مدين أن يحد من هذا الشلال المتدفق من المشاعر ،،، قائلا : نوف ، كلامك هذا يلسعني ، يجلدني ، أنا لا أستحق كل هذا ،،، كل ما فعلته ، هو من أسس ديننا ،،، وأردف : هل أصبحت الأخلاق والقيم استثناءا يا نوف ؟

ردت عليه بإيحاء قاتل : أنت يا مدين ، شخصية جاذبة جسما وروحا ، لا أدري ،، كيف تقوى زوجتك ، على فراقك ؟ رد عليها : ما بك ، يا نوف فتحت علي كل الجبهات ؟ وأنت من يوم أمس تكتفين بالإشارة ،، ولكنه أسرها في نفسه قائلا : هذا توفيق من الله ، لو كان هذا البوح ، من يوم أمس لا أصبح السريران سرير واحد .

ها نحن وصلنا محطة الوصول ،،، الحمد لله على السلامة ، تقولها وهي تفتح حقيبتها اليدوية ، لتناوله ميدالية مكتوب عليها اسمها ،،، خذ يا مدين ،، تذكر أختك التي لم تلدها أمك ،،، وبدوره هو أدخل يده في جيبه ،،، أخرج مفاتيحه نزعها ، ليعطيها ميدالية مكتوب عليها ،،، مدين .

نزلوا من السيارة ،، أوقف تاكسي ليصعدا بها إلى العمادة ،،، لزموا الصمت واكتفوا بلغة العيون ،،، وقفت التاكسي أمام العمادة ،،، نزل ليساعدها بإنزال حقيبتها من السيارة ،،، كما ساعدها في أول لقائهما برفعها إلى طاولة التفتيش في المطار .

وقفت تودعه بنظرات من عيون دامعة ، وهي منتصبة القامة ، كأنها أمام نصب تذكاري ،،، ثم نطقت بالكلمة التي يعشقها خاصة من أفواههن : لا أله إلا الله ،،، رد بعدها : محمد رسول الله .

تحرك بعد وداعها ،،، لكنه كان يحس كأن في جيبه جمرة تلتهب ،، أدخل يده ليخرجها فإذا هي الميدالية الذكرى ، المكتوب فيها " نوف " أمسكها بيده فكأنما يفوح منها المسك والعنبر ،،، لذلك كان لا يستطيع أن يضعها في جيبه ولكن بيده ،،،،،،، وكذلك هي .