الثلاثاء ، ٢٣ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٧:٥٢ مساءً

خلوة الكترونية

عباس القاضي
السبت ، ٠٨ ديسمبر ٢٠١٢ الساعة ٠٢:٤٠ مساءً
لا يذكران من هو الذي طلب الإضافة ، ومن هو الذي استجاب لها في صفحة التواصل الاجتماعي ،، كل ما يعرفانه أنهما أصبحا وجها لوجه ، ينشر فيراها أول المعجبين ، وتنشر فتراه أول المعلقين ، تطورت العلاقة بينهما في نوافذ الدردشة ، ولأنه يجيد العزف المنفرد على مقامات الحرف الجميل ، تجاوبت معه بأدب جم ولغة راقية .

استمرا حتى كانت الخلوة الالكترونية إدمانا لا يستطيعان مفارقتها ، إذا غادرتها يجافيه النوم ، وإذا لم يتواجد فيها باتت على الطوى تعاف الزاد .

ولأنهما من طبقة راقية اتفقا على استحالة الارتباط لظروفهما الأسرية كونه مرتبط ، وهي حريصة على عدم زعزعة إمبراطوريته الأسرية كما تحب أن تسميها .

كانا يجيدان استحداث مشاريع جديدة في الكلام لتعرف عنه ويعرف عنها أكثر بعيدا عن الإسفاف ، يركزان على مخاطبة الروح أكثر من مخاطبة الغرائز ، ومن حبه لها كان يتمناها لنفسه ، ويريدها لغيره ، لمن يسعدها أكثر ، يريد لها زوجا مثاليا يستحق هذا الروح الملائكي والقطعة النادرة من البشر ، يتصفح وجوه الناس ، ويختبر طبائعهم ، ليختار لها ما يناسبها ، يريده ولو يشتريه بالمال .

وكانت تعتريه أحيانا نوازع البشر فعندما يستبد به الحب والغرام ، وتمتلك الرغبة حواسه ، يقول لها عبارة واحدة : هل سيأتي اليوم الذي فيه تقَبِّليني دون إثم ، فترد عليه : لن أفعل ، فأنا حريص على أسرتك ولا أريد أن تؤتى هذه الأسرة الرائعة من قِبَلي بأن أكون زوجة ثانية ، ولن أفعلها خارج إطار الزواج ، فجسمي أمانة عندي أسَلِّمُه لمن يستحله بكلمة الله ، وتردف بعبارة لا تمل من تكرارها : أخاف من حرارة وجهك لتلسعني في الدنيا إثما وفي الآخرة نارا ، فتكون هذه العبارة أشهى من القبلة نفسها ، لأنه تربى على مائدة الفضيلة وترعرعت القيم معه حتى أصبح على بوابة الكهولة ، فيزداد تعلقا بها .

رآه في الجمعية الخيرية التي أعتاد أن يمر عليها بين الحين والآخر ، يبحث عن مهمة تسند إليه حبا في تحمل المسئولية المجتمعية ، وكان نادر لا يفارقها أبدا يشترك في جميع أنشطتها.

بدأت حرارة المحبة تدب في قلبيهما ، وذلك للهم المشترك ، فربما التقت يداهما على رأس يتيم واحد .

قال له فارس : أراك يا نادر ، قد نسيت نفسك ، ألا تحب أن يكون لك زوجة ومن وراء الزوجة بيت وأولاد ؟ ، قال نادر : نعم ، أريد ولكن لم أجدها إلى الآن ،، رد فارس وبلهفة : اسند المهمة إلي ،، قال له نادر وهو يتحسس لحيته ، وبابتسامة طفل ، سأكون شاكرا ، فأنا واثق بك قرءا الفاتحة بمبادرة من فارس ، وذلك لما تضمره نفسه لجاهزية طلبه ، أما نادر قرأها أملا ومثوبة عند الله ، بعد يومين سأرد لك الخبر،، قالها فارس وهو ينطلق كالريح .

ذهب ليفتح جهازه ويبحث عن نافذتها وجده مفتوحا ، قال لها : وجدته ، من هو ؟ ردت بسرعة ، قال لها : عريس الغفلة ، ظل ينتظر ردها ،، لعشر دقائق ،، يتوقع أن سيكون ردها صفحة كاملة ،، ولكن كان عبارة عن كلمة واحدة هي " أخجلتني " اتركي الدلع يا بنت ، ايش رأيك ؟ منتظر الرد قالت : كذا لا شافني ولا شفته ؟ ،،أوصل التلفون بالجهاز وأرسل لها صورته ،، ها أعجبك ؟ يا " أخجلتني " ردت عليه مش بطال بس شكله يميل إلى السمرة ،، يا نجوى هذه الإضاءة كانت ضعيفة الراجل أبيض صييييني ، طيب ما هو اسمه ؟ اسمه نادر ،، اسم ، حلا ردت باستحياء ، قالت : أنا واثقة فيك فقد سمعتَها مني أكثر من مرة أنت عندي أعز من أخ وأقل من حبيب ، بلعها فارس وهي مُرَّة ويضغط على إحساسه مداريا حبه ، هاا آخر جواب ، اقل له : أنت موافقة ،، قالت : من حقه أن يرى صورتي ، كم رأيت صورته ،، رد عليها : نعم ، نعم ، دعيني أكلمه وأنت جهزي الصورة ، بس ها لا " تعجرميها " خليها طبيعية وواقعية ،، سيأتي معي بالمحادثة القادمة إن شاء الله .

أمسكه من يده ، ذهب به إلى مطعم راق ، وفي إحدى زواياه ، حكى قصته معها ، بكل صدق وأمانه ، حلف له أنه لم يرها ، وأقسم أنه لن يقابلها لذات الغرض .

وافق نادر وقاسمه أن تكون نجوى بمثابة أخته ، برد الشاي ولم يشربا من روعة سرد الحكاية ،، شرباه جرعة واحدة كأنه علاج .
قاما متجهان إلى غرفة فارس ، فتح الجهاز ، فوجداها على أحر من الجمر ، وأول رسالة : ها ، هات الصورة ،، جاء الرابط ، قال له فارس : اضغط عليه ومن ثم شوف الصورة ،، مسك نادر بيد فارس قائلا له : اجلس يا راجل هي مش أختك ؟ وبعدين أنا ما ليش في الكمبيوتر ولا أفهم فيه ،، ضغط فارس وظهرت الصورة ،، ياسلاااااام قالها نادر هذه غاية ما أتمنى ،، قل لها : موافق ، موافق ، نادرا يأمر فارس .

رد عليها فارس : ولل ولل ولل موافق على بركة الله .
تزوج نادر بنجوى ،، خلفوا خمسة أطفال اثنين منهم توأم وكان فارس لا يدخل البيت إلا بنادر ، ويغادر بسرعة البرق ، لكن كانت سيرة فارس لا تنقطع من البيت احتراما وتقديرا ، فقد كان حاضرا في أوقات سعادتهما العرفان ووقت المشاجرة كونه السبب في تعارفهما .

وفي صبيحة يوم سبت جاء الخبر كالصاعقة إلى بيت نادر : فارس مات ،، وكانت نجوى في المطبخ ،، تركت الموقد مفتوحا وخرجت بما تلبسه داخل البيت وبرأس مكشوف كا المجنونة ، قطعت الشارع الأول والثاني والثالث ،، وصلت إلى البيت والناس محتشدون كأنه الحشر ،، استغرب الناس من حالة المرأة التي كانت تشق الصفوف على غير عادة المجتمع ، حاولت بعض النساء تغطية رأسها لكنها ألقته من فوقها .

وصلت وهو مسجى على فراش الموت ، وضعت يدها على خده ،، وصاحت بصوت جنائزي ،، لقد ذهبت حرارة وجهك يا فارس آلآن أقبلك ، أحقق ما تمنيت ،، وحققت شرطي أن لا تلسعني حرارتها ،، وجثت على ركبتيها ،، ونادر يبكي عند رأسه ،، حاولوا أن يرفعوها من فوق فارس ،، وجدوها ثقيلة ،، وبعد جهد ،، رفعوها فوجدوها جثة هامدة ،،، ماتت نجوى .