الخميس ، ١٨ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:٤٣ مساءً

عُـرْس نـُهَـى

عباس القاضي
الأحد ، ٠٩ ديسمبر ٢٠١٢ الساعة ٠٣:٤٠ مساءً
قالت له : هذه طلباتي في التجهيز وهذا المكان الذي اخترته لقضاء شهر العسل .

فتح الورقة تَمَلَّكَته الدهشة ، قرأها وإذا بأبيها وأمها كل ينظر للآخر .

فقد كتبت بالورقة : جّهّازي ،عمرة ،،،، وشهر العسل ، حج ،،، ثم قالت : نحن نقترب من منتصف شهر ذي القعدة ،،، فالوقت مناسب للسفر ، وليكن زفافي إلى المطار.

أغرورقت أعينهم بالدموع خشوعا ورهبة ، حاول الأب ومعه الأم أن تؤجل فكرة العمرة والحج إلى ما بعد الزفاف ،، يريدون أن يفرحوا بها كونها الكبيرة من أبنائهم ،، إلا أن نهى قالت لهم : ستكونون أسعد الناس ، وأنا أطوف حول الكعبة ، وأسعى بين الصفا والمروى ، بفستان الزفاف ، مسحوا دموعهم ثم قالوا : سعادتك نريد ،، قالت نهى : سعادتي : أن أبدأ حياتي الزوجية في طاعة ، فقد حضرت أعراس لصديقاتي ، رأيت فيها ما يغضب الله ويخدش الحياء .

ماهر ، بدلا من ترتيب الصالة وحفلة الحناء والزفة ،، رتب إقامتنا هناك في مكة في فندق قريب إلى الحرم ،، قالت له نهى بصوت جاد .

انطلق ماهر كالريح يفتش في مذكرته عن هاتف ابن عمه محمود المقيم هناك ،، اتصل به قال : سأرد لك الخبر في الليل ،، جاء الخبر بما يشرح صدر ماهر ،،، فقد كان على بعد أمتار من الحرم .

بدءوا بتجهيز سفرهم ،، ماهر يخاطب نهى : ما رأيك بهذا القماش ؟ وهذا الموديل ،، وهذا الشكل ؟ ،، ردت عليه بحزم ،، ماهر ،، أريد فستانا واحدا للعرس ،، دولابي يئن من كثرة الملابس ،، هذا الفستان يكفيني ،، وأنت جهز نفسك بالإحرام ،، وخذ بدلتك الذي عند الخياط ،،، يكفينا ،،وإذا احتجنا ملابس ، سنشتري من هناك .

يومين وهم في المطار ، بعض أهاليهم وأصدقائهم ودَّعوهم بموكب سيارات إلى المطار ،،، هي تلبس فستان العرس الأبيض السُّكَّري وهو يلبس الإحرام .

وصلا مطار جدة ، ومحمود في انتظارهم ، أخذ متاعهم إلى السيارة،،ومن جدة إلى مكة والتلبية لا تنقطع ماهر بصوت عال ونهى همسا " لبيك اللهم لبيك..."

وكانت نية الحج " التمتع بالعمرة إلى الحج " فما زال الوقت إلى الحج فيه متسع ، وهم عرسان .

أطلوا على الحرم ،، فلما نظرت نهى إلى مآذنها أجهشت بالبكاء ، وماهر يضمها إليه ، ويبكي مثلها ،، لا عليك ،،سنقيم فيها شهرا يا نهى .

أوقف محمود السيارة ، ثم أسرب أمامهم ، دخلوا من باب السلام ،، فرفعوا أيديهم في اتجاه الكعبة ، وهم يدعون " زادك الله شرفا وتعظيما " .

محمود دليلهم في العمرة ،، طافوا ،،، صلوا ،،، سعوا ،،،شربوا من ماء زمزم ،،، تحللوا ,, وكانوا يؤدون هذه المناسك والدموع تفيض من أعينهم وقلوبهم تخفق ،،، وكانت نهى تمسك بأطراف إحرام ماهر ،، كأنها زوجته من عشرين عاما ،،وكان كلما التفت ماهر إليها صدت وجهه إلى الأمام حتى لا ينشغل بها ،، كيف لا ، وهي فائقة الجمال ،، فقد كانت أمها تدللها ،، وتناديها : " حمامتي " .

عادوا إلى السيارة ، ومن ثم إلى الفندق ، وصلوا إلى الجناح ،،،يااااه ، ما أجمله ،، يا ماهر ، حتى لو خسرنا فهو أقل بكثير من خسارة في عرس يأكله غيرنا ،،، هيا ،، قم البس لي البدلة والكرفته ،، أريدك عريسا بجد ،، أما أنا فهذا الفستان سيبقى أتبرك به ، وسأحتفظ به لعرسي ابنتي ،، قال لها ماهر : ابنتي ؟ أريد البكر ولد قالت : بنت ،، قال : ولد ،، نظروا لأنفسهم وهم بالمرآة ، و كرعوا بالضحكة ،، حتى أغمي عليها ، ولم تصح إلا وهي بحضن ماهر ،يلقيها على الكنبة وهو يقول : " بسم الله ..." .

قضوا أيامهم على أحسن ما يكون خاصة بعد أن وفر لهم محمود سيارة ،،، كانوا ينزلون فيها إلى جدة ،، يقضون أوقاتهم على شواطئها ومولاتها دون التفريط في أداء الصلاة بالحرم ،، وقد زاروا المدينة المنورة لثلاثة أيام .

بدأ مناسك الحج باليوم الثامن من ذي الحجة – يوم التروية - ،، ذهبا إلى منى ،، وفي فجر يوم التاسع ، اتجهوا بقلوب خاشعة وعيون دامعة إلى جبل عرفات .

وهاهم في أصيل يوم عرفة ، وعلى سفح جبل الرحمة ـ تجلس على صخر أصم ، وبجانبها ماهر ، هي تقرأ وهو يصغي ، وبصوت لو رفعته ،، وكان هناك طائر في السماء وسمعها ،، لسقط من فرط جماله .