الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١٠:١٨ مساءً

الرق هل كان خطيئة ام ضرورة؟؟

يحيى مقبل
الاربعاء ، ١٢ ديسمبر ٢٠١٢ الساعة ٠٨:٤٠ صباحاً
انه لشيء مخز وفاضح ان نسمع عن تقارير تتحدث عن عشرات من العبيد لا زالوا يرضخون للعبودية في اليمن بعد 64عام من صدور الاعلان العالمي لحقوق الانسان الصّادر في 10 ديسمبر/كانون الأوّل 1948 في وقت لم تعد البشرية في حاجة اليه في زمن اصبح ترفا وبذخا وخطيئة وعارا .

وليس لأي كان الاحتجاج بالتاريخ الاسلامي وبممارسة المسلمين للعبودية بإفراط كما جميع الاديان والامم عبر التاريخ لتسويغه ، وفي المقابل ليس لأي كان الإساءة والانتقاص او ازدراء الاديان والحضارات بسبب ممارستها للعبودية في الماضي مالم تتجاوز حدود المنطق في ذلك .لأنه من غير المنطقي ان نحكم في الظرف الحالي (حيث تزاحم الألة الانسان )وبعقلية القرن الحادي والعشرين على من مارسوا الرق في أزمان وظروف مختلفة.

الرق أو العبودية قديم قدم التاريخ .مارسته كل الامم والاديان وعليه قامت الدول والممالك ونشأت الحضارات. و لم يكن يوما بتلك السوءة والعار التي ينظر اليه بها اليوم ،كان في تلك الايام ضرورة حياتية ووجودية ولم يكن ترفا .

لولا الرق لما قامت للزراعة قائمة فالعبيد هم الذين استصلحوا الاراضي وزرعوها لولا العبودية ما شادت الانسانية عمارتها فالعبيد هم الذين شيدوا المدن وبنوا الحصون والقلاع فلولاهم ما عرفت الانسانية حدائق بابل ولا اهرامات الجيزة ولا سور الصين لولاهم ما شاد الامويون والعباسيون مدنهم في الشام والاندلس والعراق ولولا العبودية لما عرفت أوروبا عصر النهضة ولما كانت أمريكا بهذه القوة . وحتى في عصر النهضة وبعد قيام الثورة الفرنسية لم تستطع ان تتخلص من العبودية لماله من ارتدادات سلبية على الاقتصاد الفرنسي ولكنها اصدرت مرسوما بمنح المواطنة لكل مواطنيها مهما كان لونه او عرقة ، وحينما اصدر مجلس الثورة الفرنسية قرارا بإلغاء العبودية في جميع مستعمراتها ومنحتهم الجنسية الفرنسية لم يصمد ذلك الاعلان طويلا نتيجة لتضائل صادرات المستعمرات الفرنسية بعد القرار فما كان من نابليون الا ان اعاد الاسترقاق في عام 1802 وما كان من العبيد المحررين الا الممانعة والثورة على قرارات نابليون لكنه قضى على ثورتهم واعادهم الى الاسترقاق ولم يصدر بعدها قانون في فرنسا لإلغاء العبودية الا بعد زهاء ثمانية عقود .

نظام العبودية وان لم يشرعن له الاسلام لكنه ساهم في بناء الحضارة الاسلامية فالكثير من جيوش المسلمين كانت من الرقيق ولم يكن المجال العسكري هو المجال الوحيد الذي ساهموا فيه بل ساهموا بفعالية لا تنكر في كل مناحي الحياة سواء السياسية او الدينية والعلمية والأدبية توصل الكثير منهم الى وظائف في اعلى سلم الدولة كالكتابة والوزارة كان للموالي الفضل في التصنيف والتدوين والترجمة وكانوا في الغالب اكثر عبقرية من العرب فصنفوا في الفقه والحديث والتفسير والنحو والادب والطب والفلسفة والمنطق و........الخ .

قال أحمد أمين رحمه اللّه: "هؤلاء الأرقاء والموالي أنجبوا في الجيل الثاني لعهد الفتح عددا عديدا، يعد من بعد، من سادات التابعين وخيرة المسلمين، ومن حملة لواء العلم في الإسلام"

ويقول المبرد في كتابه الكامل: "وكان أهل المدينة يكرهون اتخاذ أمهات الأولاد حتى نشأ فيهم علي بن الحسين وقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله ففاقوا أهل المدينة فقها وورعا فرغب الناس في السراري)).

(وجد العرب في الإماء والرقيق خير عون على الحياة، وتزوج كثير من الأرقاء- بعد عتقهم- بالعربيات، ولم يروا في ذلك عيباً ولا غبار عليه، وبالتالي تسرى وتزوج كثير من العرب بالإماء من غير العرب وحصل مزج كان له أكبر الأثر في الحياة العقلية، ودخل البيت العربي عناصر فارسية، ورومانية، وسورية، ومصرية، وبربرية، و بطريق التناسل اختلط الدم العربي بغيره من الدماء، فأنتج أعظم العقول المفكرة).

اذاً لم يكن نظام العبودية او الاسترقاق خطيئة انسانية ولم يكن وصمة عار على من مارسوه _شريطة ان يكن في حدود لا تتجاوز الحاجة ولا تلحق الضرر ولا تتعدى حدود منطق ذلك العصر كما حدث للرقيق في بعض فترات التاريخ قديمه وحديثه ففي كل من اوروبا وامريكا كانت الكثير من القوانين تتجاوز حدود المنطق في كل العصور _بقدر ما كان ضرورة حياتية ولا كان مزاولة اجتماعية وأخلاقية بغيضة، بل كان نظاماً اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً وسياسيا راسخ في كل المجتمعات والحضارات .

ولذا فقد كان تركة طبيعية ورثها الاسلام من اقدم العصور ولأن الغبن في نظام الاسترقاق وارد متى ما تجاوز حده ولأنه سيأتي الوقت الذي تستغني فيه الانسانية عن الرق فقد اتى الاسلام لا ليشرعن له ولا ليلغيه بشكل مفاجئ لأن التوقيت لم يحن بعد ولكن ترسل وتتدرج في الغائه بقدر التطور والتغير في الظروف المصاحبة وحاجة الانسانية اليه، ولأن هدمه بقرار مفاجئ كان سيسبب ارباكا واعاقة لسيرورة الحياة وتطورها ولهذا سعى الإسلام إلى معالجة الأمر بفتح باب العتق على مصراعيه ،وجفف معظم منابعه . فقام الإسلام بالحث على العِتْق في الكفّارات ، ففي كفارة قتل النفس خطأ عتق رقبة ،وفي كفارة الظِّهار، وكفارة الوطء في نهار رمضان ،وفي كفارة اليمين عتق ايضا.

وجاء الحث على العِتق في الكفارة الكبيرة والصغيرة ، فهي في قتل النفس وفي كفارة الظِّهار وفي كفارة الوطء في نهار رمضان ، وهي تُقابِل صيام شهرين مُتتابِعين .كما جاء في مُقابِل صيام ثلاثة أيام في كفارة اليمين .

أما الاسترقاق في الحرب وهو الذي استمر فله ما يبرره.
فالاسترقاق أو الاسر في الحرب فهو عين العدل حسب وجهة نظر حكيم اليونان وفيلسوفها الاكبر ارسطو فكان يبرر الرق في الحرب قائلا :ان المنتصر في الحرب يستطيع دائما ان يقتل المغلوب .لكن في استطاعته ايضا ان يعطيه الخيار بين الموت والحياة وبين الاسترقاق فمن يفضل الحياة على الحرية يصبح عبدا .وهذا هو عين العدلٍ. ولم يبق الاسلام على الاسترقاق في الحرب الا من باب المعاملة بالمثل حيث كان افراد من المسلمين يسترقوا .
فالمقارنة بين القتل والرق وليست بين العبودية والحرية كما يحلو للبعض.

وعندما توسعت الدولة الاسلامية لم يعد المنبع الوحيد للاسترقاق هو الحرب ففي الدولة العباسية لا سيما في اخرها كان العبيد يجلبون من الروم والفرس والترك و....الخ .من دون حرب فيشترون ويباعون في اسوق النخاسين كيفما كان الحصول عليهم بالخطف والنهب أو بغيرها وهي طرق غير شرعية لم يقرها الاسلام من اول وهلة ولهذا انحرف الاتجاه سلبا بنظام العبودية فلم يعد الاسترقاق ضامنا ولا رافدا للدولة ولا مصدر رفاهية ورخاء للبشرية .حيث فقدت الحياة توازنها فقد كان العبيد في أواخر الدولة العباسية يمثلون فائضا بشريا بدون حاجة اليهم حيث توقف توسع الدولة الاسلامية وتوقفت الحروب الا ما كان من حروب داخلية بين الأمراء والملوك ولهذا اصبح الاسترقاق كنظام مصدر بؤس فقد انقلب الموالي على اسيادهم وقتلوهم وحكموا بدلا عنهم .
ولا تحسب هكذا تصرفات على الاسلام ولكنها ممارسة بشرية خاطئة وغير مبررة من افراد ينتمون الى الاسلام ولو كانت حالات الاسترقاق والعبودية مقتصرة على تعاليم الاسلام لانقرضت العبودية في وقت مبكر من تاريخ البشرية فالآية اليتيمة التي اشارت الى الاسر لم تشرعن له بقدر ما اوجدت حل وهي قوله تعالى:. {فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ }محمد4 . فالمن والفداء وهي الخطوة التالية بعد شد الوثاق حيث لا وجود لإدامة العبودية في النص. لأن الشارع يعلم انه سيصبح وصمة عار وخطيئة كبرى اذا اصبح ترفا.

لكن نود التعرف على سبب النظرة السيئة للاسترقاق كخطيئة وعار على الرغم من مساهمته بشكل رئيسي في بناء الحضارات الانسانية المتعاقبة حيث ينظر له كخطيئة بشرية ويتهم الدين الاسلامي الذي تعامل معه كموروث تاريخي يجب ان ينتهي وقت الاستغناء عنه وذلك عندما تستقيم الحياة بدونه ولهذا شرع الدين الاسلامي في تجفيف منابعه . لأن الشارع يعلم انه سيأتي الوقت والظرف الذي يكون فيه الرق خطيئة وغبن ووصمة عار.
وهنا يجب الاستعانة بمناهج حديثة لدراسة الماضي بكل أثاره ومفاهيمه فللحكم على ممارسة او سلوك ما أو قيمة اخلاقية ما يجب ان نحكم عليه بعقل ذلك التاريخ . كان هيجل يقول :(كل حقيقة هي حقيقة في الآن وغير حقيقة في غير الآن تظهر خطأ في وقت لاحق لوقتها). ويطالب الفيلسوف هردر ان ينتقل المؤرخ بذهنه الى وسط الثقافة التي يدرسها عوض ان يترجم تلك الثقافة الى منطق زمنه عليه ان يتخلى عن معيار عقله ليستعير معيار الحضارة التي يدرسها. أي يتخلى عن العقلانية للاعقلانية حتى يستطيع تقييم الماضي بشيء من العدالة
ففي هذه المنهجية التي اقترحها هيغل وعمل بها من اتوا بعده مخرج لهذه الاشكالية فقد استخلصوا من كلامه انه من العبث فهم اثار الماضي انطلاقا من قيم الحاضر لان الحاضر لا يمثل المطلق. وهذا ما نود التوصل اليه فالحكم على الرق بمعاييرنا ليس الا اسقاط لمفاهيمنا العصرية التي لم تأت من فراغ بل عبر تغيرات حضارية كبرى اتت بفعل تراكم التجربة البشرية وتغير الظروف المحيطة . فلولا مكننة الحياة العملية (الصناعة )في التاريخ الحديث والمعاصر لما استغنت البشرية عن الرق .ولولا الرق لما ظهر عصر النهضة.

ويقول عبدالله العروي: المتعمق في التاريخ يعلم انه لولا الرق لما نشأت الحضارة ولما ظهرت فلسفة الانوار ذاتها .ويقول هيجل (ينتمي الرق الى مرحلة الانتقال من طور طبيعي الى طور أخلاقي في حياة الانسانية ،الى مرحلة كان الجور فيها ما يزال حقا .كان الجور آنذاك صوابا وضرورة. ).