الاربعاء ، ٢٤ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١١:٢٤ مساءً

أم الدنيا و سيناريو قد توصف بالاستبداد

عبدالرحمن صادق الوحش
الخميس ، ١٣ ديسمبر ٢٠١٢ الساعة ٠٤:٤٠ صباحاً
"قراءة تحليلية للواقع المصري في ظل الأزمة الحالية على إثر الإعلان الدستوري المثير للجدل الصادر في 22 من نوفمبر 2012م ثم الخلاف الذي تلاه على مسودة الدستور"

بدت الأوضاع مستقرة نسبياَ برهة من الزمن, وتجلت مظاهر الحضارة المصرية الحقيقة من جديد وزادت وضوحاَ في موقف أم الدنيا من العدوان الأخير على غزة والذي خرجت منه بنصر عظيم و إحراج كبير لحكومة أوباما و نتنياهو
ولكن يا فرحة ما تمت ؟؟

بات شركاء الأمس فرقاء اليوم و نزل الثوار من جديد إلى التحرير مطالبين بإلغاء الإعلان الدستوري المذكور،الذي في رأيي الشخصي أن مبررات صدوره غير مقنعة بالمقارنة بوضع الشارع الذي بات متأكداَ من تجاهل مؤسسة الرئاسة وهذا ما زاد الوضع سوء و رَفَعَ سقف المطالب الثورية .. من حل التأسيسية . . . إلى إلغاء الإعلان الدستوري ثم رفض مسودة الدستور و المطالبة بتأجيل موعد الاستفتاء على مشروع الدستور الذي لا شك عندي أنه سيُقر لا محالة بموجب ما لجماعة الأخوان من قدرة على الاستقطاب خصوصاً في الأرياف ، و لن ينتهي الحال هنا فقط ، بل سيستمر الارتفاع إلى ما الله به عالم ولا شك عندي أيضا أنه بعد إقراره سيسقط إذا تواصلت تلك الاحتجاجات.

وما زاد حدة الوضع هو عدم ظهور الرئيس ليبرر موقفه و يطمئن شعبه العظيم إلا في وقت متأخر و هذا هو عين الخطأ في نظريات إدارة الأزمات ففي مقابل كل ثانية تمر يزداد الغضب الشعبي و ما هو اليوم محتمل كان في الأمس ممكن
وختاماَ وقع ما لم يكن في الحسبان مأساة بكل المقاييس و جريمة مكتملة الأركان أحداث الاتحادية الدامية يوم الأربعاء الماضي ، الذي راح ضحيتها العديد من القتلى و الآلاف من الجرحى ، هذا بعد مسيرات الثلاثاء السلمية الذي سبقته الذي بهرتنا بشدة حيث أفصحت عن شعب في قمة الرقي و حكومة تطبق أسمى صور الديمقراطية والحرية.

وهذا يؤكد أن مؤسسة الرئاسة وقعت في العديد من الأخطاء كانت هي أهم أسباب نزول الشباب إلى الشارع ، ثم توالت الأخطاء بقصور غير منطقي في التعامل مع الغضب الشعبي الذي كان بأشد الحاجة لسلاسة و شفافية و وضوح و تفهم للواقع و التواؤم معه لتهدئة الموقف ، و الابتعاد عن العنف قدر المستطاع و عن تبني القوة و الهيمنة كوسيلة لتنفيذ السياسات و الأهداف.

ثم إن بعض المواقف الخاطئة للغاية الصادرة من قبل جماعة الإخوان المسلمين كتعطيل المحكمة الدستورية ، و محاولة إجبار الإعلام على ترك مهمته الأساسية ألا وهي كشف الحقائق بكل حرية وشفافية ، وذلك عبر الاعتصامات أمام المدينة الإعلامية ، و ختاماَ التوجيهات الصادرة من قيادات في الجماعة و الدعوة إلى مسيرات إلى أمام القصر الجمهوري للدفاع عن الشرعية ضد من وصفوهم بالقوى الغاشمة ، الأمر الذي يعد جريمة بكل المقاييس حيث أن نزول المؤيدين على المعارضين لا بد وأن نسيل فيه دماء ، بعيداَ عن كل الاتهامات المتبادلة ، وهذا هو ما جعلهم يحولون اتجاه مليونيتهم السابقة من التحرير إلى الجامعة ، فما بالهم هذه المرة لم يحكموا العقل بل حكموا القوة ، حتى وإن قدموا الأعذار و المبررات فكلها واهية لا تنفي عنهم التسبب أو السببية في الأحداث الدامية ثم إن ما سموه حق الدفاع عن الرئيس و الشرعية فهذا ما يطلق عليه ( عذر أقبح من الفعل ) لان الرئيس المنتخب هو رئيس الدولة لا الجماعة و حمايته هي مهمة أجهزة أخرى كما أن هذا يخلق دولة داخل الدولة وهذا يعارض مبادئ الديمقراطية ، و سيكون لإصرار تلك القيادات على نفس المواقف و التهديد بأن المعارضين لو حاولوا اقتحام القصر فإنهم جاهزين للتحرك إلى أمام القصر و الاشتباك مع المعارضين حتى لو سالت الدماء فالأهم من الدماء هو حماية القصر ؟! رغم أني أتساءل أيهما أشد حرمة القصر أم دماء المصريين و من هو المسئول عن حماية الرئيس هل جماعته أم الأجهزة المختصة وفقا لمبادئ الديمقراطية أم أن مصر ما بعد الثورة عادت إلى عصور شريعة الغاب و حكم القوة ؟؟!
و اذكر فتوى كانت قد صدرت من هيئة العلماء عندنا في اليمن أول أيام الثورة المباركة مفادها الآتي :
( أن الاعتصام حق شرعي وقانوني لكل مواطن على أن يكون سلمياً و في مكان عام و يكون لهم الأولوية ، و لا يجوز لأي فئة أخرى معارضة لهم الاعتصام في نفس المكان لان في هذا شبهة إثارة لفتنة ).

فلماذا لا يحال هذا الموضوع إلى الأزهر للإفتاء فيه ؟؟؟
و أعتقد أن السبب الحقيقي في عدم استنكار الرئيس لكل هذا هو مبدأ مغروس في عقل كل فرد من أفراد الجماعة وهو أن الواجب يقضي بنصرة الجماعة و تحقيق أهدافها أولاً
و التأريخ يؤكد أن الجماعة فعلاَ كانت و ما زالت تدعو إلى مبادئ سامية و نبيلة و قيم إنسانية تهدف إلى الرفع من شأن الفرد المسلم و الدولة الإسلامية إلى جانب أن الجماعة عاشت أوضاع من الظلم و القهر و الاستبداد في ظل النظام السابق ، مما اضطرهم إلى خوض الصراع السياسي للبقاء و ولد فيهم رد فعل عكسي و محاولة للتفنن في التنظيمات السرية المغلقة وعدم الثقة في كل من هو خارج الجماعة وفي ظل هذا الصراع كان لا بد لهم من التنازل عن كثير من القيم و المبادئ في سبيل الحفاظ على التنظيم ثم للوصول إلى السلطة و لكن و كما يقول المثل الشعبي ( مع المدى يقطع الحبل الحجر ) وكذلك الجماعة في خضم الصراع على السلطة خسروا أكثر مما حصلوا ، و الكبت الذي مُورٍس عليهم ولد لديهم رد فعل عكسي و ميول لاستخدام القوة و لتبني العنف و التصادم مع كل من يخالفهم الرأي و السعي أحياناً للاستحواذ و فرض الرأي على الآخرين و سيطرة فكرة المؤامرة على كل أفكارهم وبالتالي تصرفاتهم و عدم الثقة بالآخرين أو تخوين أي مخالف مهما كان موقعه منهم بالأمس كما يصفهم البعض.

، و بوصولهم إلى السلطة التي ترعرعوا فيها و نهلوا منها و مارسوا بعض أعمال السياسة في ظلها ، وبالتأكيد عند ممارستهم لنفس السياسة لن يشعروا بأنهم مخطئين بل و ما فيهم من احتقان سيجعلهم دونما شعور يمارسوا نفس الاستبداد بل و أكثر في سبيل نصرة الجماعة وأهدافها من أجل الدين الإسلامي ، رغم أن اللعبة السياسية و أطماع السلطة الأحرى ترك حلة الدين بعيدا عنها و عدم استخدامها كوسيلة لمنح شرعية دينية للبعض و نفيها عن الآخرين حتى و إن كانوا على نفس الدين.

رغم أنا كنا نتمنى أن تترك الساحات الثورية و ما كان فيها من تجانس وتآلف و اختلاف بين كل الفئات يساريين ويمينيين ومستقلين أثرا واضحا و مستمراً فيهم و أن يخرجوا من بعض آثار تلك العقدة التي بسطت نفوذها فيهم و مد أيديهم للجميع بلا استثناء في سبيل بناء الأوطان و إعلاء مصالحها على مصالحهم حتى لا ينسلخوا من ما هم عليه الآن في قلوب العامة وأن لا ينقلب التعاطف الشعبي الذي كان لهم نتيجة الظلم و الاستبداد عليهم بعكسه فيما لو طغى الإحساس عند الآخرين أنهم أصبحوا مع الحكم أكثر استبداد و طغيانا على معارضيهم ، رغم أني ألمس تغيرات إيجابية و لكن هناك من يعتبرها عديمة الأثر ، وفي هذه الحالة فإنهم لن يواكبوا المتغيرات ولن يتوائموا مع ما أحدثته الثورات العربية ، هذا طبعاً على وجه العموم وليس خاص بمصر فقط.

هذا لا يعني أن غيرهم منزهين من الخطأ بل قد يكونوا أكثر أخطاء ، ولكننا نتكلم عن واجبات الحاكم التي من المفترض أن تتجاوز كل الانتماءات و الصراعات الداخلية فالحاكم حتى و إن كان عضوا في الجماعة ولكنه حالياً رئيس الدولة بما فيها من أنصار و معارضين ، ثم إن استخدام الدين في الصراعات لكسب مناصرة العامة و الزج به في السياسة يسيء إلى الدين بل و يفقد الكثير الثقة في الدين و المتدينين
وقبل أن أختم فإن الدساتير لا تقر بالأغلبية لأن العقد الاجتماعي ( الدستور ) هو الضمان الحقيقي للأقلية بأن لا ظلم و لا استبداد عليهم من قبل الأغلبية رغم أن لي تحفظ على مصطلح الأغلبية ، لأنه فيما لو سلمنا أن للأغلبية الحق في صياغة دستور وإقراره أيضاً بالأغلبية ومن ثم سيتم إنشاء بقية السلطات و انتخابها وفقاً لما سيقرره دستور الأغلبية و سيكون الفوز بها أيضاً للأغلبية . . . إذاً سُحِقَ أصحاب الأقلية و هذا هو الاستبداد بعينه لا الديمقراطية ؟؟؟؟

إذاً فلا بد من دستور يتفق عليه الجميع أولاً ثم بعد ذلك لا ضير على أقلية ال49% إذا حكمهم أغلبية ال51% فالدستور الذي رضي به الجميع سيضمن حقوق الأقلية في مقابل سلطات حكم الأغلبية ثم فيما لو تم إقرار دستور ما بالقوة والغلبة دونما وجود للرضا والتوافق فمن الممكن إقراره و من الممكن أيضاً فرض الرأي بالقوة و الحكم أيضاً بالقوة لكن لا ولن يحصل الاستقرار ولن تقوم لذلك البلد قائمة
أخيراً نصيحة للإخوان و للدكتور/ محمد مرسي بالتحديد ضرورة رؤية الأمور من عدة زوايا وليس من زاوية الجماعة فقط حتى يستطيع تقدير الأمور على حقيقتها و التواؤم معها ،
فإن من أكثر ما يؤلمني أن يوصف مثل الدكتور / محمد مرسي بما فيه من وطنية و صدق سريره تُلمس منه من أول وهلة - بالمستبد ، و أن يوصف بأول رئيس تدخل مصر في عده في مثل هذه التداعيات و الخلافات بعد بضع شهور من توليه السلطة رغم أنه وصل إليها بانتخابات نزيهة وعقب ثورة من أعظم الثورات ، و إني و الله لمن أشد محبيه و لكن لي بعض العتاب .