السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١٠:٠٥ صباحاً

دجاجة مشوية

عباس القاضي
الجمعة ، ٢١ ديسمبر ٢٠١٢ الساعة ١٠:٤٠ صباحاً
يبدو أنه صاحب المطعم ، عندما أومأ إليه أن يقوم بتجهيز الدجاجة الأخيرة في الشواية ،،، واستمروا بتناول الغداء ، قام يمشي ، وهو ينظر إلى خلفه ، ينظر إلى أياديهم ، التي لم تتوقف ، وكأنه يمضغ معهم ، وينظر إلي بنظرة حنق ، إذ كنت سببا في مغادرته من مكانه .

ذهب إلى الشواية يمسك بالسيخ ( قضيب حديد ) الذي يخترق الدجاجة والتي يبست من طول دورانها،، قرأت نظراته ، وارتباكه ،، فذهبت مسرعا إليهم ،، وقلت لكبيرهم ، والكلام موجه إليهم ، كلهم : لو سمحتم ،،، انتظروا صاحبكم ، حتى يأتي ،، صاح أحدهم : ما عليك منه ،، دعه يلحق ما تبقى ،، قالها ، وهو يعب قطعة اللحم في فمه ،،، كررت النداء " معليش ، عشان خاطري " ،، وهنا أشار إليهم كبيرهم ، أن يتوقفوا عن الأكل وكأنه ما يسترو ، يقود فرقة موسيقية ،، وأردفتُ : مسكين ،، قد يكون أكثركم حركة منذ الصباح ، وأشد جوعا ،، أقول هذا ، وهم ينظرون إلي ، كأنني قادم من كوكب آخر ،،، ولاحظت ذاك الذي قام ، كيف اعتدل بقامته ، وتنفس الصعداء ،، عندما سمعني أخاطبهم ، ويرى كيف تسمرت أياديهم في حافة طاولة الطعام ،، بعضهم كانت نظراتهم حادة عرفتها من حواجبهم وشفاههم التي تعبر عن حالة الزعل ،،، وآخرين نظرات رضا ، وإعجاب لهذه اللفتة الإنسانية التي ما اعتادوا عليها في زمن " مشي حالك " .

رأيته يقطِّع الدجاجة إلى شطرين ويضع عليها البهارات ، وكأنها طفل مدلل بين يديه ،،، يبتسم وهو ينظر إلي بعين الرضا ،،غير مبال بالسرعة ، مادامت أياديهم توقفت عن الأكل ، وكأنه يريد أن يغيض بعضهم .

من أين أنت يا أخي ،،،؟ سألني كبيرهم ،،، أجبت على سؤاله ،، ولولد يناولني الدجاجة في كيس داخل كيس ،،، ثم أزحت له الكرسي ليجلس ،،، ومددت يدي لأناول الرجل الألف الريال ثمن الدجاجة ،،، إلا أن صاحب المطعم قال : اقسم بالله ، ما تعطي ريال واحد ،،، هذه الدجاجة ، مقابل موقفك الإنساني ،، لكني ألقيت بالألف الريال وذهبت مسرعا ،،، فقاموا كلهم خلفي يلاحقوني يردون عليَّ الألف الريال ،،، لم يدعوني افتح سيارتي وسدوا الشارع ،،، حتى أن الناس نظروا إلي بنظرة شك وريبة ،،، عندما صاح أحدهم ،،، هل أحضر الشرطة ؟ أشاروا إليه لا ، لا ،، رأيت أحدهم وقد تمدد أمام السيارة حتى لا أتحرك بها .

وقد أخذت الألف الريال ،، عندما وجدت ذلك الذي كان أشدهم زعلا من توقيفه عن الأكل ،، وعينه تسح بالدموع ، وهو يقول : أنا فداك أنا عُبَيدك ،، خذ الألف ، وأجهش بالبكاء.