الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠١:٢٢ مساءً

مسيرة الحياة في ذكراها الأولى ( 1_3 )

وائل حسن المعمري
الاثنين ، ٢٤ ديسمبر ٢٠١٢ الساعة ١١:٤٠ صباحاً
مسيرة الحياة الراجلة من تعز إلى صنعاء .. والتي انطلقت من ساحة الحرية بتعز صباح يوم العشرين من ديسمبرمن العام المنصرم 2011 , وكأنت أولى محطاتها مدينة القاعدة .. هذه المدينة التي كان لإستقبال أهلها المتميز والغير متوقع حقيقة أكبر الأثر في نفوس أبناء تعز من الثوار والثائرات المشاركين في المسيرة..

والملاحظ أن أبناء القاعدة كما يبدو وجدوا يومها فرصتهم التاريخية من ناحية ليعلنوا وبما لا يدع أي مجال للشك عن تأييدهم المطلق وقناعتهم الأكيدة بظرورة دعم المسار الثوري وللمرة الأولى وبشكل جماعي منقطع النظير , كما أنهم وجدوها أيظآ فرصة سانحة كما يبدو كذلك من ناحية أخرى ليعربوا عن صادق إمتنانهم لهولاء الشباب الأفذاذ من أبناء تعز الثورة , والذين كان لهم قدم السبق في إشعال شرارة ثورة الحادي عشر من فبراير المجيدة , ولقد كان من الفطنة بمكان أن يستغل هولاء الثوار من أبناء القاعدة وضواحيها شرف أولى المشاركات بمسيرة الحياة مادامت الأقدار قد وضعتهم في طريقها بل وأولى محطاتها على الإطلاق ,ولهذا ما كان منهم إلا أن قرروا أن يكونوا وهم التواقين للحرية والكرامة من أوائل الداعمين والمساندين لها وعلى النحو الذي سجله لهم التاريخ وبجدارة واستحقاق..

فعلوها إذآ أبناء الحالمة وتحققت لهم بشائر نجاح غير معهودة بوصولهم لمدينة القاعدة وأحضانها الدافئة المضيافة , لقد كان لحفاوة الإستقبال حينها معاني متعددة وقد مثلت بحق تلك الساعات صفحة ناصعة من صفحات الوفاء من أوفياء أحرار لأوفياء قدموا جل ما استطاعت أن تقدمه أجيال لوطن يستحق التضحيات ..

تأثر الكثير من الثوار الواصلين بعد طول عناء بمشاعر جياشة كانت دافعآ كبيرآ لهم في مواجهة طول مسير ومجهول لا يعلمونه رغم استعدادهم النفسي له .. إن ذلك الإستقبال المثير للإعجاب والترحاب الكبير أنساهم شهور عناء من الثورة المستمرة ومرارة تحمل ظلم ذوي القربى من أبناء جلدتهم وما عداهم من حكام طغاة لا يمتون للوطنية ولا للإنسانية بصلة تذكر .

قد تبدو لبعضكم غير واقعية ولا منطقية هي مبرراتي التي جعلتني أخصص كل هذا الحيزمن الموضوع لهذه المحطة من محطات مسيرة الحياة ,لكني أعتقد غير ذلك تمامآ , من وحي ما عشناه من مخاوف لازمتنا لأيام على مصير هذه المسيرة الفريدة حتى وصلت مدينة القاعدة وكانت أولى بشائر نجاحها يومها.
لقد كان البعض رغم حسن نواياه بالمسيرة وروادها يتخوف حينها من فشل المسيرة عند أول محطة اختبار جماهيرية شعبية لها ,لإعتقاده أن أسباب النجاح لم تتوافر بعد لمسيرة من هذا النوع وفي هذا التوقيت العصيب تحدبدآ, والبعض الآخررغم أنه كان من المتحمسين جدآ لفكرة المسيرة إلا أنه كان يخشى عليها أيظآ من الفشل لإعتبارات أخرى ليس أقلها الإعتبارات الأمنية منها , ويتمنى عكس ذلك دون شطط أو إفراط في تفاؤل.
وهكذا ظلت النوايا تتعارك وشكوك التخوفات , حتى انتصرت مدينة القاعدة وجماهيرها الثائرة للمسيرة والثورة عمومآ كما أسلفت وانتصر المشاركين في المسيرة تبعآ لذلك لكل أمانيهم الثورية المتقدة, ولإرادتهم الثورية في المضي قدمآ بالثورة ووسائلها المبتكرة في التصعيد النوعي كمآ وكيفآ وحيثما استدعت الظرورات لذلك.

ولهذا وذاك أعتقد جازمآ أن مدينة القاعدة وأبنائها الأبطال يستحقون منا إشادتنا المنصفة كشهادة لله وللتاريخ وأمام التاريخ وحقائقه المجردة من الأهواء والأمزجة..

مسيرة الحياة كانت وبحق ومن غير مبالغة أو انتقاص ,.. تاريخية بكل ما قد تعنيه الكلمة من معاني , بالنظرإلى كون هذه المسيرة هي المسيرة الراجلة الأولى من نوعها , وبالنظركذلك لوجهتها قطعآ .. وأخذين بعين الإعتبار تمامآ الرسائل التي أرادت لها أن تسمع الأذان الصماء في الداخل والإقليم والعالم , ومع ما قد يترتب على هذا التحدي الثوري الكبير من جسامة الصعاب التي كنا ندرك أنها قد تفوق يومها كل التوقعات وحتى خيال أكثرنا سوداوية وتشاؤمآ..

لكنها الثورة وحماس الشباب فيها , وكذا الحنين للإنتصارات , والوفاء لتطلعات الجماهير في الحياة , والوفاء قبل كل ذلك لدماء شهدائنا الزكية التي كان مطلب إنهاء الحصانة يقف على رأس أولويات المسيرة وأجندتها...

كانت كل هذه الدوافع الثورية وغيرها من المبررات والأهداف السامية للثورة , حافزآ لأمثال هولاء الثوار الأبطال الذين لا يعرفون لليأس والمستحيل مكان في نفوسهم أبدا مهما كانت الصعاب وبلغت التحديات..

وهكذا تمر وتنقضي الساعات المريرة والجميلة في آن واحد ولينقضي معها نصف يوم المسيرة الأول وساعاته الحاسمة , ولتنتهي إستراحة الثوارفي القاعدة وليبدأون مواصلة المسير بعد ظهر ذلك اليوم بعد أن إنظمت إلى ثوار تعز مجموعة من ثوار مدينة القاعدة والمناطق المحيطة بها ...,
ولتتواصل بعد ذلك من جديد مسيرة العطاء الثوري مرورآ بأولى منغصاتها التي سرعان ما تجاوزها الثوار في النجد الأحمر ورموها خلف ظهورهم واستوعبوا الدرس وفهموا القصد والمراد منه دون اكتراث أو وجل من رصاصات الغدر ودنائة الجرم المرتكب .., فلم يكن يومها أحدآ يحلم أو يعتقد أن النظام وأعوانه وأجهزة قمعه ومرتزقته سيلتزمون مبدأ العقل والصبرعلى المكاره, وهم لا يمثلون من خلال هكذا أعمال حمقاء إلا أنفسهم المريضة أوأخلاق أسيادهم من أولئك المتربصين بالثورة وشبابها في كل وقت وحين من خلال أفعالهم المشينة المتربصة بحياة شباب سلميين عزل من أي وسائل القوة إلا قوة المنطق في مواجهة منطق القوة وعجرفة أصحابها..

مسيرة الحياة تستحق منا أكثر الكتابات تفصيلآ وتدقيقآ بالأحداث وما صاحبها من باب إنصاف هذه الملحمة الثورية وإنصاف شباب الثورة فيها .. أولئك الشباب الأخيار الذين دفعوا أثمانآ باهضة لا يستطيع إدراك حجمها أو كلفتها المادية والنفسية إلا من عاش هذه المسيرة ومراحلها المختلفة الغاية في التعقيد والمرارة , لكنني أريد أن أخصص هذا الجزء وجزئين آخرين لتناول الجوانب الأكثر أهمية وإثارة في مسيرة الحياة كون هذه المحطات من وجهة نظري هي الأهم من حيث دلالة المكان والأخطار التي كانت تحدق بالمسيرة فكرة وهدفآ وإنسانآ , وتداعياتها إن على مستوى النجاح أو الفشل لا قدر الله , مع أنه يحز في نفسي كثيرآ عدم الإشارة إلى محطات محددة في المسيرة لا تقل أهمية كتلك عن سواها ,خاصة تلك المتعلقة منها على وجه الخصوص بأجواء وصول المسيرة إلى إب ويريم وذمار ومعبر وما رافقها من أجواء تستحق الإشارة إليها في قادم الأيام إنشاء الله .....

ولكي نوجز نعود إلى نقطة أعتقدها شخصيآ أنها كانت نقطة فارقة ومحورية في المسيرة ومستقبل نجاحها , وهي تلك النقطة المرتبظة بالجانب الجغرافي واستحقاقاته الأمنية التي كان لها أهمية مفصلية كون المسيرة سلمية في المقام الأول وتهددتها تبعآ لذلك أخطار أمنية جسيمة كانت كفيلة بتغير دراماتيكي للمسيرة في حال السماح بحدوثها وعلى النحو الذي خطط لها .,
وحيث أنه كان يشاع يومها أن أعداء المسيرة والمستهدفين من شرارة وهجها الثوري لن يسمحوا لها في ظل أي ظرف من الظروف أن تتجاوز نقطة نقيل يسلح لاعتباره الأمني وقبله لإعتباراته الجغرافية ,
حيث أننا جميعآ ندرك أن محافظة صنعاء تبدأ إدراريآ وجغرافيآ تقريبآ عند هذه النقطة تمامآ ووصول المسيرة صوبها يعني وصول طلائع الثوار بمسيرتهم والهدف منها إلى صنعاء ,ولهذا فقد كانت المجاميع القبلية التي رافقت المسيرة ووفرت لها الحماية الأمنية في محافظة ذمار تؤكد أثناء مسيرنا من معبر صوب نقيل يسلح أنهم سيتوقفون عن مرافقتنا عند أسفل نقيل يسلح ,كونه آخر حدود المحافظة إداريآ , ولأنهم أيظآ سيكونون في مواجهة القوات العسكرية الكبيرة التي يحشدها النظام منذ يومين لمواجهة المسيرة وما يمكن أن ينتج عنه من تداعيات,فقد أثروا على أنفسهم وبالتنسيق مع القبائل الأخرى الواقعة ضمن إطار محافظة صنعاء على عدم تجاوز حدود تقسيمهم الإداري ..ولذلك فقد كنا نشعر حقيقة أننا نواجه أخطارآ حقيقية تحدق بنا لمجرد بدء صعود حشود الثائرين لنقيل يسلح ,ذلك النقيل الذي سرعان ما اكتشفنا أنه قد صار كثير التسليح عدة وعددا ..

كنت أشاهد الجموع الثائرة من الرجال والنساء وحتى الأطفال يصعدون النقيل بكل فخر واعتزاز واصرار لا يشابهه إصرار , إصرارعلى ظرورة مواصلة السير نحو العاصمة وإيصال الرسائل التي من أجلها انطلقت المسيرة منذ وهلتها الأولى في تعز الشموخ والإباء ..

وما هي إلا نصف ساعة تقريبآ من السير في نقبل يسلح حتى صرت وجهآ لوجه مع جحافل قوات خاصة تابعة للأمن المركزي تقريبآ بالإظافة لقوات أخرى من تشكيلات عسكرية أو أمنية لربما لم أدرك سر تواجدها ولا حتى سبق لي أن عرفت مسمياتها,كما لم لم استطيع استيعاب الهدف من وجودهم في ذلك اليوم وبتلك الكثافة المخجلة..

لحظات لا تنسى من التفتيش الدقيق والمستفز والمتعجرف الذي لم يرحم أحدآ ولم يستثن ثائراتنا من الثوار, ولكن كل تلك الوحشية الغير مبررة من التعامل السئ الذكر لا تعدو كونها شئ يسير بالنظر لما تلى تلك اللحظات من مؤامرة حيكت في مكان ما من دهاليز أروقة القتلة والمجرمين وكان مسرحها منطقة خدار ,,,,

ولنا مع ليلتنا القاسية جدآ جدآ في خدار وقفات ووقفات فخدار وليلتها وما سبقها وتلاها من تفاصيل تستحق منا ألف وقفة ووقفة ...

غدآ إنشاء الله نلتقيكم في الجزء الثاني من : مسيرة الحياة في ذكراها الأولى ( 2_3) ولنتحدث بتفصيل أكثر عن خدار ومسيرتنا للحياة .نستودعكم الله .