الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١٠:٣٥ صباحاً

هيكلة الجيش تكتيك أم استراتيجيا؟

يحي احمد
الثلاثاء ، ٢٥ ديسمبر ٢٠١٢ الساعة ٠٩:٤٠ صباحاً
رغم الارتياح والترحيب الواسعين الذي قوبلت به قرارات الرئيس هادي الا انه لا يمكن اخفاء التذمر والتشكيك لدى البعض من شكلانية الهيكلة ،حيث يشك الكثير بان العملية تكتيكا وهيكلة شكلية اسمية لا تتعدى ذلك الى البنية والعقيدة الوطنية الجامعة والتعيينات الكفؤة والمحايدة. وهو شك له ما يبرره مادام ان منطوق ومفهوم القرارات لم تشر الى مصير المعنيين وهل اصبح بالفعل علي محسن واحمد علي_ الذُين كانت لهما اليد الطولي في انهاك وتركيع امة بأكملها ردحا من الزمن وتحكما في كثير من قرارات ومصير شعب ومارسا ارهاب دولة منظم ونهبا مقدرات البلد _مواطنان عاديان ؟ ام انهما سيشغلان مناصب رفيعة ! هذا ما ستجيب عنه قادم الايام.

من النافل القول بان القرارات غير مفاجئة وأن المعنيين بها على علم مسبق كما اكدت الكثير من المصادر ،
ومن النافل ايضا القول بأن الهيكلة مفروضة من رعاة المبادرة ،وان جهات دولية واقليمية على كامل الاطلاع والمعرفة بتفاصيل تفاصيل ليس القرارات الاخيرة وحسب بل الجيش بكل تنوعاته وتقسيماته ومهامه ان لم تكن الموجهة له وهو المفترض به ان يكون المؤسسة التي يجب ان تبقى وطنية سرية وبعيدة ومجهولة ومحصنة عن الصديق قبل العدو ،لأنه صمام الامان وحامي الحمى فاذا كشف الجيش تعرى البلد وانكشف .

ومن فضلة الكلام القول بأن الجيش مبني على اسس وولاءات فردية مناطقية وحتى طائفية حينما شنت حروب صعدة تم تكريس وتغذية الجانب العقدي الطائفي الايديولوجي لدى افراد الجيش وإن بشكل اوضح واظهر في الفرقة ذات التوجهات السلفية ،بموجب قيامها بالحرب في الشمال ، حيث كان وعاظ السلاطين يمارسون تلك المهمة كما مارسوها ضد الاشتراكيين في الجنوب . وليست تلك التعبئة الدينية الا استثمارا واستخداما وتوظيفا فجا للديني في خدمة السياسي .

ان الغاء المسميات لا اعتقد ان بمقدوره الغاء الولاءات بسهولة حيث اصبح القائد رمزا مقدسا في مخيال الجنود وقد أشربوا ذلك الولاء زمنا طويلا ومن الصعوبة ان يتقيئوه .
إن في جوف كل جندي من الفرقة علي محسن ،وجوف كل فرد من الحرس احمد علي فكيف السبيل الى اخراجهما وزرع حب الوطن بديلا عنهما؟

فأثناء الثورة وقبل ان يعلن على محسن انضمامه للثورة ما سمعنا بأي من قادات وافراد الوية الفرقة يعلن تأييده للثورة وينشق عن مقدسه، وحينما أعلن تأييده للثورة تبعته الفرقة بكلها وكلاكلها وكذلك الحرس قادة وافرادا ما فكروا بتأييد الثورة (الا حالات نادرة من هنا وهناك) .

وكل ذلك الولاء الخاص على حساب الولاء الوطني والقومي.
ومن سيئات الولاءات الضيقة فان الجيش وبدلا من المحافظة على الأمن ومنع وقوع الاحتراب الداخلي حينما يضطرب الساسة وتتقاطع المصالح وتختلف الرؤى _حيث يشكل الجيش والامن المبني على اسس وطنية رادعا في الحؤول دون وقوع الحرب الاهلية _ فإنه من يباشر الحرب الأهلية والتدمير الذاتي استجابة لرغبات قادته واشباعا لنهم أطماعهم السياسية وتوجهاتهم الايديولوجية .

ان الجيش المؤدلج وذو الولاءات الفردية القبلية الضيقة بدلا من استرداد الاراضي المسلوبة وحماية الحدود يستعمر ويدمر مؤسسات البلد . يحافظ على مصالح ويدعم توجهات الافراد بدلا من الحفاظ على مصالح وتحقيق امال وتطلعات الامة ويشكل عبئا اقتصاديا يثقل كاهل الدولة بل يدمر الدولة، بدل ان يسهم في انعاش اقتصادها وفي هذه الحالة يكون عدمه اولى من وجوده لأنه لولاه ما استطاع الفرد المستبد ان يواجه شعبه الجائع .

ان حال الجيش اليمني_ الذي لا ادري هل سيتجاوز ولاءات الامس القريب بقرارات الهيكلة _ لم يعد له من مهمة الا حماية وحفظ مصالح قادته الاقطاعيين وهذا يذكرنا بالقرون الوسطى في الغرب حيث نشأ المجتمع على قاعدة من العلاقات العسكرية ،عندما نظم ملاك الاراضي (الاقطاعيين ) جيوشهم الشخصية الخاصة من عمالهم، لتحقيق مآرب سادتهم حيث لم يكن توجد حكومة مركزية . وهذه المهمة (مهمة حفظ وحماية مصالح الاسياد )تتعزز عندما يٌرَحل حب الوطن ليحل محله الفرد والقبيلة والايديولوجيا .

لا اقصد الإساءة الى افراد الجيش البسطاء الذين استغلوا لتحقيق مآرب ومصالح سياسية خاصة سواء في صيف 94 او في حروب صعدة او في ابين ، ولكن عندما يطغى حضور الفرد في الوعي الجمعي على حضور الوطن والامة فحتما ستكون العلاقة علاقة العبيد بالأسياد علاقة القطيع بالراعي، ولن تتغير هذه العلاقة مالم يحل الوطن محل الفرد والقبيلة.