الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١٠:٢٢ مساءً

إنها تعز؛ في مسيرة الحياة.. حياة الأرض والإنسان..

جلال الدوسري
الاربعاء ، ٢٦ ديسمبر ٢٠١٢ الساعة ٠٤:٤٠ مساءً
الإهداء؛
- إلى تلك الأرواح الزكية الطاهرة التي ظللت سماء الوطن, وتلك الدماء التي أنهمرت لتعطر ترابه.. أهدي ما جاد به الهاجس في الذكرى السنوية الأولى..

- حار فكري وأنعقد اللسان.. تصلًب كيبوردي وتيبست البنان.. فكيف أخوض في هذا الميدان, وأنا أعلم مسبقاً أنني سوف أخسر الرهان..

- تتعدد الصور.. وتتزاحم بمختلف الألوان, حتى وكأن ذاكرتي قد صارت جنةٌ من الجنان, تتلألأ فيها عقود من الدر المطرز باللؤلؤ والياقوت والمرجان, وتفوح روائح المسك والعود والعنبر الممزوج بالفل والنرجس والريحان.. كل ذلك عن مسيرة الحياة..حياة الوطن الأرض والإنسان..

- ولست أدري بماذا أكتب؛
أأكتب بدمع العين التي تكاثر ذرفها بفرحٍ عند اللقاء, وعند كل إرتقاء, وبألمٍ وحسرةٍ عند كل قنبلةٍ غازيةٍ يلقيها الجبناء, وعند كل مشاهدة سقوط جرحى وشهداء..أم أكتب بالعرق الذي تصبب؟, والدم الذي منه الطريق تخضب؟

- بكل ذلك سأكتب؛ ولابد أن التاريخ قد سجل وكتب, عن مسيرة الحياة... بأحرفٍ من نور وذهب..

- مسيرة الحياة الراجلة.. من تعز الباسلة, إلى صنعاء المائلة, مائلة في ظل إستمرار تسلط نظام العائلة, التي لاشك أنها إلى مزبلة التاريخ زائله.. وفي ظل أحزاب أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها سافله, فاتها القطار لتركب سفينة الثورة ظناً منها أنها حافله.. فكانت نحو مبادرة العار الخليجية مهروله, لتوقع عليها... ولتجلس مع القتلة واللصوص على نفس الطاوله..

- مسيرة الحياة؛
أتى بفكرتها بعض الأخيار, من الشباب المستقلين الأحرار, في تعز الإباء والإكبار... الهدف الأساسي منها إيصال رسالة إلى العالم وأنظمة دول الجوار.. رفضاً لمبادرة الخزي والعار, وأن لا حصانة ولا ضمانة لعلي صالح المكار, ولا لأركان نظامه, وعصابته الأشرار.. وأن غير خيار الحسم الثوري لا خيار..

- سار بها نحو سبعة ألآف من الشباب والشيوخ والأطفال... نساء ورجال.. قاطعين عشرات الأميال, ما بين سهول وأودية ومنحدرات وجبال.. تحفهم الأمال, في الوصول إلى المنال, وتحقيق ما قد يظنه البعض محال..

- من تعز العز والإباء, ساروا بشموخ وكبرياء.. مارين من القاعدة الشماء, ومن نقيل السياني كان الإرتقاء, وصولاً إلى إب الخضراء حيث كان الإحتفاء.. وتتعمد أواصر المحبة والإخاء, بين أبناء الوطن الواحد مع المرور من كل منطقةٍ في صبح أو مساء..

- سمارة.. الدليل.. كتاب.. يريم, فذمار... ذمار؛ حيث كان الملتقى هناك مع أبناء البيضاء الأحرار, وكان الإستقبال ملفت للأنظار, ويكفي من ذلك أن تحول ليلها إلى نهار.. وفي النهار تحركت من جديد المسيرة, حتى حطت لأخذ الراحة في منطقة خدار محطتها قبل الأخيرة, وفيها حصل ما فيه الخيرة, نتيجة المجاميع الغفيرة, التي أنضمت إلى المسيرة.. حتى نام أغلبهم في العراء, فراشهم الأرض ولحافهم السماء..

- ومع إشراقة شمس يوم جديد, على روابي اليمن السعيد, شمس يوم السبت المجيد(24/12/2011م).. الذي كان بحق يوم عيد وأي عيد.. عيدٌ تدفق فيه أبناء اليمن كتدفق الدم في الوريد.. فيه واصلت مسيرة الحياة سيرها, قي إتجاه إكمال مشوارها.. بينما كان الألاف من ساكني العاصمة صنعاء وما جاورها, يحثون الخطى جماعات جماعات نحوها, ليكون لهم الشرف في إستقبالها..

- شخصياً؛ كان لي شرف أن أكون من أوائل الحضور, الذين سهروا الليل, وبكروا من البكور.. شغفاً يسابقون المواتر والطيور.. على الوجوه بهجة, وفي القلوب سرور..

- على مقربةٍ من منطقة قحازة.. ومن عند منعطفٍ به شيءٌ من الإرتفاع؛ أطلت المسيرة.. لننشد بصوتٍ جلجل في كل البقاع, ( طلع البدر علينا من ثنيات الوداع .. وجب الشكر علينا ما دعى للخير داع)..

- ألتقى الجمعان.. كما يلتقي حبيبان بعد طول فراق.. حيث كان بشكلٍ جمعي عناقٌ وعناق, عناقٌ حار... حلو... عذب المذاق.. هاماتٌ تنحني لتقبل الأقدام, وأعناق تعانق الأعناق.. قلوبٌ تصفق فرحاً, ودمعٌ كالسيل دفاق.. الحسم الثوري حان, حان ولا مجال للإخفاق..

- ومع كل خطوةٍ, وخطوة زائدة, تصير المسيرة حاشدةٌ وحاشدة.. يسير الجميع ملتحمين كيدٍ واحدة.. بأجسادٍ صامدة, وقلوب جامدة.. وأنفس زاهدة.. لا ترتجي سوى أن تعم الفائدة.. بتحقيق أهداف ثورتهم الماجدة, ولتظل ثورةٌ بسلميتها رائدة.. وحتى تكون بخلود الدهر خالدة..

- وما أجمل.. وما أروع.. ما كنا نجده من النساء والأطفال الواقفين من كل جنبٍ على إمتداد الطريق... تهليل وتكبير.. وزغاريد وتحايا وتصفيق.. حفاوةٌ في الإستقبال, يزول معها كل ضيق.. وحتى من كان مغرر به يتربص تحول إلى شقيق وصديق ورفيق.. وليثبت الشعب اليمني بحضارته وتاريخه العريق, أنه شعب واحد, يربطه حبل ود وإخاء جداً وثيق.. لا يفرقه غراب البين, وإن أكثر النعيق..

- فزع علي عفاش من رؤية ذاك الحشد المرصرص.. حتى أصابه الرعب وكاد يدحص.. فما جلس, ولا تمدد, ولا وقف, ولا قرفص.. إذ تنغص أكثر عيشه المنغص.. إذ أيقن أن الحق حصحص... ليصدر أوامره لبلاطجته, وفلول جيشه وأمنه المجصص.. أن تتربص بالثائرين ما استطاعت أن تتربص..

- وعند جولة دار سلم؛ كان مئات الضباط والجنود, بكامل عدتهم والعتاد.. وهم على أهبة الإستعداد, وكأنهم ذاهبون لتحرير البلاد, وليسوا مجرد سياط بيد الظالم الجلاد, من أجله وهو العبد لا يترددون بالضغط على الزناد.. في عملية إزهاق لأرواحٍ, وسفك دماءٍ حرمها رب العباد..

- عند جولة دار سلم؛ قوبلت مسيرة الحياة بقمعٍ وحشي, حتى أستشهد من أستشهد, وجرح من جرح, وأغشي من أغشي.. دون أن يمنع ذلك المسيرة من الإصرار على أن تمشي, إلى حيث مقرر لها أن تمشي, ولو تظل إلى العشي بعد العشي المعشي..

- لساعات أستمر الكر والفر.. حتى كان قبل المغرب أنهزم العسكر.. ولم يجدوا سبيلآ غير المفر.. ولينال شباب الثورة الظفر.. فتلتحم مسيرة الحياة, بمسيرة الإستقبال القادمة من ميدان التغيير الأغر.. ومع كل من أنضم من البوادي والحضر, كان الحشد السائر يفوق المليوني نفر.. في منظرٍ تعجز عن وصفه اللسان, ولا تستطيع إلتقاطه الصور..

- دخلت المسيرة لتعبر من شارع تعز دخول الثائرين, والألاف من النساء والأطفال واقفين مرحبين على الشمال واليمين, ليمتلء شارع تعز من أوله إلى أخره كما لم يمتلء بأي حين..

- وهكذا مروراً من أمام باب اليمن الأمين.. فشارع الزبيري أبو الأحرار وجد الثائرين.. فشارع القصر الرهين, وبالقرب من قاع البلاطجة المبلطجين.. فجولة كنتاكي جولة النصر المبين.. وصولاً إلى ساحة الكرامة شارع الستين.. ومنه إلى ميدااااااان التغيير الذي لا يستكين... ليحط شباب مسيرة الحياة رحالهم, على حسن نيةٍ بسلامٍ أمنين.. لكنهم ومع الأسف الشديد, لم يجدوا ما كانوا له متوقعين.. حيث حدث معهم ما حدث من حدثٍ مشين.. ولم يكن الإستقبال إلا إستقبال مهين, فقط من بعض من هم بأمور الساحة من منصةٍ وتنظيم وتأمين بالقوة باسطين.. وليتأكد للجميع؛ أنهم ومن يمثلون بمحاولات إجهاض المسيرة, والأهداف التي أتت من أجلها ضالعين.. فالله المستعان على أفعالهم التي يندى لها الجبين.. وما حسابهم إلا على رب العالمين..

- وتبقى الأمنيات؛
- لا أخفي أنني كنت من ضمن المتحمسين.. بحسن نية وصدقٍ متين.. وبإستقلال تااااام ومكين.. أن يكون مرورنا من شارع الخمسين, نحو تطهير ميدان السبعين.. ولنطف طواف القدوم, حول جامع الشعب مهللين ومكبرين.. ثم نقوم برمي الأحذية على وجه إبليس اللعين... القابع في دار الرئاسة منذ ثلاثين وثلاث سنين..

- يشهد الله في عالي سماه, أنني كنت أتمنى أن أكون من شهداء مسيرة الحياة.. لكنها إرادة الله, ما كل من يتمنى نال مناه.. ( فبينما كنت في الصفوف الأولى؛ وفي لحظاتٍ أشتد خلالها الضرب, وحمي الوطيس.. أتصلت بي شريكتي في الحياة-زوجتي- لتطمئن, وهي الحامل في شهرها الثالث بمولودنا البكر.. لأقول لها بالحرف الواحد: أنا في وسط الحدث.. أحملك أمانة رعاية ما في بطنك.. وحينما يطل على الحياة, ويبصر النور؛ قولي له: إرفع رأسك يا ولدي, فوالدك مات شهيداً في مسيرة الحياة)...

- شهادة لله؛
شهادة حق والشهادة لله.. وهي بمثابة الشكر والتقدير والعرفان.. لأولئك الرجال, الذين لم أجد في سواهم تلك الحفاوة في الإستقبال.. من كرمٍ لم يكن يخطر على بال, وجهود لا تدل إلا على أنهم أبطال.. وهم يقومون بتوزيع الأغذية والمياه المعدنية العذبة الزلال.. متنقلين بين الجموع من صفٍ إلى صف بكل إستبسال.. دون تمييز وبلا إنتقاءٍ, ومن دون قصد الإستميال..

- هدير الحناجر؛
لم تتوقف أبداً الحناجر عن الهتاف, حتى الوصول إلى نهاية المطاف.. ولأول مرة أجدني بهذا الشكل أهتف, وكأني لم أكن بحلاوة الهتاف أعرف..

- شعارات ثورية رائعة وكثيرة.. صدحت بها الحناجر طوال رحلة المسيرة.. ومن تلك الشعارات التي نالت الإستحسان, وتردد صداها في كل مكان:

- لا ضمانه لا حصانه.. يتحاكم صالح واعوانه.

- يا صنعاء لا تهتزي .. إبنك ثائر تعزي.

- يا شهيد إرتاح إرتاح .. سوف نواصل الكفاح.

- يا عبدالله بن سعود .. نجران وجيزان سوف تعود.

- يا قناة العربيه .. بلغي للسعوديه .. اليمن جمهوريه.

- يا حكومة نص بنص ..واحد قاتل وواحد لص.

- يا علي وينك وينك .. وصلنا على عينك.

- يا أبناء الحالمه ..ثوره ثوره حاسمه..

- وغيرها الكثير من الأناشيد والشعارات الثورية والحماسية, التي تشعرك وكأنك في عالم غير.. تنسى معها نفسك ولا تحس بألام السير..

- وكان للكهرباء مع المسيرة غصة؛
بدأ الظلام يسدل أشرعته مع دخول المسيرة من شارع تعز, فكان أن أنطفأت الكهرباء بشكل على ما يبدو أنه متعمد, عن خبث وسوء تقدير.. بقصد أن لا يرى المسيرة أحد..
وإن أظلموا؛ فإن هدير الثائرين كان كالسيل من وسط الظلام يتصعد..ليسمعه كل من في الكون, وهو في كل شوارع وحارات, وساحات العاصمة صنعاء يتردد.. ومن سوى الله مع الأحرار؟! لا أحد... لا أحد..

- إنها تعز؛
- بينما كنت أذوب روحياً, وأشمخ جسدياً وفكرياً وسط ذلك الحشد الهائل؛ أتصل بي أحد الأصدقاء.. ليسألني: كيف الأمور؟ وكان من المتخلفين عن الحضور.. فأجبته وأنا في غمرة نشوتي قائلاً: رااحت عليك يا عزيزي..

فهنا تعززززززززززززززز...

إنها تعز... إنها تعز؛

بإذن الله تعز من تشاء, وتذل بإذنه من تشاء..

وبإرادته تهب الملك لمن تشاء, وتنزعه نزعاً ممن تشاء..
- إنهااااا تعز؛

في مسيرة الحياة أعادت للثورة الحيااااااااااااااة..

- ولا نامت أعين الجبناء, العملاء لأمراء الخزي والعار الحقراء..