الخميس ، ١٨ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١١:٠٥ صباحاً

مسيرة الحياة في ذكراها الأولى (3_3)

وائل حسن المعمري
الجمعة ، ٢٨ ديسمبر ٢٠١٢ الساعة ٠٧:٤٠ مساءً
نستكمل اليوم معكم أيها الأحبة والأعزاء الجزء الثالث والأخير من موضوعنا المخصص لمسيرة الحياة الراجلة التي انطلقت من تعز إلى صنعاء في الفترة من 20_24 من شهر ديسمبر من العام الماضي 2011 ,حيث أني كنت قد توقفت في الجزء الثاني من مقالتي هذه عند محطة مسيرتنا في خدار.., والتي عرجنا من خلال تلك التناولة على بعض أهم جوانب ما رافق ليلتنا الطويلة والمريرة هناك.

فبعد تلك الليلة ومعاناتها القاسية , كان لابد لنا أن ننطلق عند تباشيرأولى شعشعات خيوط فجر خداردون إبطاء , ذلك الفجر الذي تمنيناه وانتظرناه بشغف وشوق كبيرين , إنتظار ملهوف لزائر كريم يبدد رتابة ليلة مزقتنا يرودتها في عراء خدار الذي لم يكن في وارد أن يرحم أو يرق حاله لأحد , نعم اشتقنا في تلك اللحظات العصيبة للفجر ودفئه وتمنيناه كما لم نشتاق أو نتمنى شئ مثله من قبل .., ليلة لم يكن أمام حشود الثائرين الصناديد الأبطال فيها إلا الصبر والصبرفقط , وأملنا أن يأتينا نهار يوم جديد نبدأ فيه مسيرنا متناسين ليلتنا الماضية والأمل يحدونا في مكملة الأيام والليالي , يومنا الأخير الحاسم من المسيرة وأحداثها المثيرة والإستثنائية..

وما أن أدينا صلاة الفجر حتى بدأ شباب المسيرة في التهيؤ للإنطلاق في عتمة الليل ,واستمرار أجواء الصقيع الذي ينخر أجساد منهكة , لم تجد من زاد الدنيا خلال الليلة الماضية إلا النزر اليسير ,ويا ليت معاناتنا توقفت عند حدود البرد والجوع وظلم الطغاة وأعوانهم وحسب , بل تجاوز الأمرإلى الحد الذي لم يكتب معه في هذه الليلة للغالبية العظمى من الثائرين حتى ساعة من نوم أو راحة , أو مجرد فرصة في الإلتجاء لمكان يحتويهم بين جنباته الأربع , ليقي ما أمكن منهم من برد كوانين , في ثنايا جبال خدار ووحشة براريها ... ومع كل ذلك عزموا السير إذآ بشموخ وخيلاء الرجال والنساء الأشداء الأبطال , وانطلقوا وسعيد الحض منهم من توفر له غطاء يلتحفه على ظهرة أو يلفه حول رأسه ,عله يقيه تيارات الهواء الباردة الآتية من بين التلال أثناء المسيرالمضني ..رأيتهم وهم يحملون الأعلام وصور الشهداء وهتافاتهم لا تكاد تتوقف أو يخفت حينآ حتى نسق هديرها , شباب من الرجال والنساء تحملوا كل ما مروا به من عناء ليصلوا العاصمة ويرسلوا رسائلهم للدنيا التي لا تسمع إلا ما يعنيها ويلائم أهوائها وأنانيتها الإنتهازية المقيتة..

إنطلقوا من ساحة الحرية بتعز والتحقت بهم جموع الثائرين من كل بقعة من بقاع يمنننا الحبيب الثائر الحر الأبي., ولسان حال جميع أفئدتهم وألسنتهم على السواء تهتف : بالروح بالدم نفديك يا يمن .

كم كنت أتمنى أن تسلط أضواء الإعلام الهادف المتمكن الحصيف يومها لتغطية ملتزمة أمينة لهذه الكرنفالية الثورية الملحمية المعجزة , والفارقة من عمر ثورة الحادي عشر من فبراير المباركة ., كان يومها لزامآ على كل مهتم بالشأن الثوري أدبيآ أن يولي جل اهتمامه الممكن وكلآ من موقع تواجده وإمكاناته , لتوثيق تفاصيل مسيرة الحياة وتخليد مسارها ,وسيرة الأفذاذ من ثوارها وصفحاتهم المضيئة من الأمجاد المشرفة , وعلى وجه الخصوص قناديل فجر حريتنا وأبطالها دون منازع , شهدائنا الأبرار رحمة الله عليهم أجمعين.,

لحظات إختطتها بسالة الثوار وظل يجهلها أغلب أفراد الشعب, إما تجاهلآ وسلبية لما يجب فعله ,وإما تقصيرآ في نقل الحقيقة عبر وسائلها وقنواتها الإعلامية المتجردة المنصفة , التي كان ينبغي أن تكون أعين للحقيقة , وناقلة لها وفي وقتها ومواكبة لها من مكان حدوثها .

نعم تتابعت الأحداث واستمرت المسيرة وإذ بشباب الثورة يشدون الخطى بين تلك الهضاب والجبال نحو عاصمتهم صنعاء, فيسيرون ويأملون ..يتألمون حينآ ويحلمون أحيانا ..ينأوهون حرقة ولا يستكينون أبدآ ,. كان البعض يصيح أين الشمس وأين دفئها هذا الصباح؟؟ والبعض الآخر يتندر مازحآ بقوله : يبدو أن لا شمس في خدار وضواحيها , وبردها مكتوب عليها من صباحها إلى المساء!! وكنا كلما واصلنا مسيرنا التحقت بالمسيرة مسيرات أخرى من هنا وهناك , وما إن إقتربنا من عمق بلاد الروس حتا كادت المسيرة وجموعها المتلاحقة المنظمة إليها في كل لحظة , تملئ الآفاق الرحيبة على مد البصر , وتواصلت كرنفالية الثورة البهيجة بإعجاب وذهول كل من عايشها أو خرج لمشاهدتها من القرى المحيطة وحتى المديريات النائية عن مسار طريق المسيرة العام المؤدي للعاصمة صنعاء.
كنا يومها أحوج ما نكون لقطعة خبزأو شربة دافئة تذهب عنا قليل من شعور بتجمد أمعائنا الخاوية التي تقتلها الفاقة , وأحشائنا المتعبة تمامآ.

حتى بدأ بعد أقل من ساعتين تقريبآ تفاعل المستقبلين من قبائل سنحان الذين غمرونا يومها بمشاعرهم الفياضة الصادقة وحرصوا على أن يبدأ إستقبالهم لنا حتى قبل وصولونا إلى حدود مناطقهم الإدارية , وذلك ما لم يكن في حسباننا في الحقيقة في حينها .كانت سنحان أولى مفاجأتنا في محافظة صنعاء . كما أنه جدير بالذكر كذلك الإشارة لما صادفناه من الحفاوة والترحاب كذلك في بعض مناطق بلاد الروس ,لكنني أجد نفسي مجبرآ من وحي أمانة النقل الصادق والملتزم أن أبادل وفاء سنحان الجود والحرية والشعور المفعم الصادق المنقطع النظير ,أبادلهم وفائهم الملفت بوفاء يستحقونه منا وأكثر, كرم ضيافة .. وحسن استقبال .. وشحذ همم وتعهد بالحماية .., بل والأجمل والأروع في تلك اللحظات من كل هذه الجزئيات مجتمعة , المرأة في هذه المناطق وما ابتدعته من الوسائل الأكثر تعبيرآ وصدقآ وتفاعلآ ثوريآ مفعمآ بالحماس وصدق الإنتماء لثورة الشباب وإيمانآ بظرورة نصرتها ومآزرتها ,لقد انتابني شعورآ بالفخر والإعتزاز لهذه الصور اللافتة من التقدير العظيم للمسيرة وتضحياتها .

ولكم أن تتصوروا شعوري كثائروأنا ألمح في أعلى تلة على يمين الطريق ثلاث فتيات ماجدات شامخات شموخ جبالهن المحيطة ونواصي جباههن المتألقة, وهن يرفعن لوحة قماشية كبيرة في قمة تلك التلة مكتوب عليها طلع البدر علينا ... أقسم حينها أني تمنيت لو أن الأقدار تسنح لنا كي ننظم في كل عام ألف مسيرة ومسيرة للحياة, كبف لا وتقدير نساء هذه المناطق وأريافها لمسيرتنا وغاياتها النبيلة على هذا النحو من التميز البديع , الذي يعجز معه المرء عن التعبير ويتنحى جانبآ , ليترك لمشاعره الإنسانية أن تتقدم وقبلها عبرات عيونه المنهمرة فخرآ واعتزازآ ,عل هذه الدموع تفي بالغرض وتستطيع أن تصنع إجابات شافيات تعجز عنها الألسن ..

طلع البدر علينا....... لوحة تلوح بها النساء, لتقابلها لوحات ترحيبة يرفعها الرجال في أعلى قمة ,عند منحنى آخر على الطريق ويتمنون في إحدى لوحاتهم لو أنه تتاح لهم الفرصة ويقبلون أقدام أبناء الحالمة الأبطال , نعم أبناء حالمتنا تعز الأبطال أصحاب فكرة المسيرة ومهندسيها ومشعلي فتيل ثورة الشباب وحماتها..

هكذا هي المسيرة وهكذا هو ألقها الدائم والمتواصل , وكذلك كان أيظآ مستوى إستقبالها عند معظم محطاتها المتعددة ..
وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم ..وتأتي على قدر الكرام المكارم .كما قالها يومآ شاعرنا العربي المتنبي ...

كنت أعلم عظمة هذه المسيرة من خلال صدى أولى أيامها, لكنني لم أكن أستطيع أن أستشرف أو أتوقع أن في نفوس اليمانيين كل هذا الكم الهائل من الزخم المختزل والقدرة على التفاعل والأحداث العظام .

واصلنا سيرنا ليلتقينا مشائخ سنحان وبلاد الروس وليصطفوا على الطرقات في حلة بهية مشرفة , ويصرون على مصافحة المسيرة فردا فردا كما أعربوا حينها.. وآنا لهم ذلك في ظل تلك الحشود الهادرة ! لكنها قيم الأصالة ودواعي شهامة المستقبل , والتعبير الصادق تجاه المسيرة وروادها الأبطال .
لحظات لتنطلق بعدها جموع المستقبلين ملتحمة بالمسيرة صوب صنعاء, وسط الأهازيج الشعبية وأناشيدنا الوطنية المعبرة , وليعلن شيخ مشائخ سنحان كما جاء حينها على لسانه عبر مكبرات الصوت يومئذ , بعد اعتلائه لسيارته , قائلآ أنه وجميع أبناء سنحان جاءوا ليتشرفوا باستقبال مسيرة الحياة وأبناء اليمن الأحرار الشرفاء قاطبة , وليؤكدوا وقوفهم الحازم ومطالب المسيرة المشروعة ويعلنون عن تبني حماية المسيرة حتى مشارف العاصمة صنعاء.

واستمرت المسيرة وتألقها , ولتتعاظم حشودها وهي أشبه ما تكون حينها بكرة الثلج التي ما أن تواصل تدحرجها حتى تكبر لحظة بعد أخرى .

واستمرت الجموع بالسير حتى كانت لحظة وصولنا إلى نقطة جولة دار سلم .. التي أريد لها أن تتحول بقدرة قاتل , إلى جولة دار قتل وموت زؤام لخيرة أبناء اليمن وأشرفهم وأكثرهم حبآ ووفاء واخلاصآ للوطن وقضاياه العادلة في الحياة .

ويبدو أنه لم يكن هناك مجال لأي فرصة للمخلوع وأدواته المشبوهة الآثمة سوى هذه الفرصة من وجهة نظرهم في محاولة لسرقة ولو القليل من بريق المسيرة ووهجها وإن في آخر مراحلها , إيمانآ منهم أن مسيرة الحياة لا يمكن لها إلا أن تنتصر ,لكنهم اعتقدوا أنه لربما في مقدورهم أن يجعلوا هذا النصر باهتآ وبالقدر الذي يستطيعون تحقيقه .

وقد كانت أولى فصول مؤامرتهم القذرة , يجب أن تبدأ تقريبآ بمحاولة حرف مسارالمسيرة عن إتجاهها الأصلي المتمثل في السير بها نحو وسط العاصمة بدء بشارع تعز وباب اليمن وشارع الزبيري , وليفرضوا عليها مسارآ آخرآ حددوه سلفآ بالإتجاه نحو شارع خولان , وهم الذين يدركون ما يعنية مرور مسيرتنا المليونية في شارع تعز وامتداداته التي ظلت طوال شهور الثورة محرمة على الثوار ومسيراتهم تمامآ , فكان أن بدأت قوات المخلوع وبلاطجتة وبكل ما أعدوا له من عدد وعتاد في جولة دار سلم , بدأوا بتوجيه الأوامر لمقدمة المسيرة بتغيير المسار باتجاه شارع خولان الفرعي والذي كانت أزقته تعج بالقتلة والمرتزقة وعصابات الإختطاف المعدة لذلك كما اتضح لنا ذلك لاحقآ, فقد كانت الخطة تقتضي كما قيل , أن يتحول الثوار بمسيرتهم نحو هذا الشارع الإلتفافي ,لتتصيدهم أسلحة المجاميع المنتشرة بلباس مدني هناك بعد أن يتم قطع الكهرباء ,وعلى أن يتم إختطاف أكبر عدد من الثواروامتهانهم بما أمكن من وسائل القمع والإذلال والتشفي والتعسف الهمجي.

( ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ) صدق الله العلي العظيم .
ففشلت محاولاتهم المتكررة والمستميتة مع طلائع المسيرة , لإثنائها عن مواصلة سيرها في إتجاه شارع تعز ,وقوبلت كل تهديداتهم بالتجاهل التام من قبل الثوار المصممين على إنجاز المهمة بالشكل الذي يليق بالمسيرة وروحها ومضامين رسائلها ,فقرر القتلة وأذنابهم أن تكون جولة دار سلم مسرحآ همجيآ لجريمتهم بدلآ عن شارع خولان .

وحينها بدأ الجزء الآخر من تفاصيل مؤامرتهم القذرة بوحشية لا تصدق ,مستخدمين في سبيل تنفيذ مهمتهم الجبانة كل ما امكنهم من سلاح ضد شباب عزل مثقلين بألآم أيام خمس من البرد والجوع والسهر والإعياء الشديد , وما أن بدأت هذه المجاميع المتوحشة بارتكاب أبشع جرائم ذلك النظام الوقح المتهاوي , حتى بدأت الدماء الطاهرة البريئة تتدفق لتروي ثرى دار سلم بأغلى ما استقبلته تربة هذه البقاع من مهر لليمن وحريته وكرامته ..

يقتلون من جاء راجلآ يطلب الحرية والأمن والأمان والدولة المتساوية الحقوق والواجبات !! جريمة نكراء جبانة استخدمت فيها كل أنواع الغازات السامة والمحرمة دوليا والمياة الملوثة والرصاص الحي دون أي وازع من دين أو رادع من ضمير.., وما هي إلا دقائق حتى وصلت إلى أطراف جولة دار سلم من جهتها الشمالية مسيرة المدد التي انطلقت من ساحة التغيير لنصرتنا ,فتوسعت بوصول مسيرة ثوار صنعاء الشموخ والتضحية ,توسعت دائرة ظلم المنكلين بنا , ليأخذ عنا شباب صنعاء الأوفياء بعض وحشية هولاء العسكر ومن سار في ركب خيانتهم لله والوطن والتاريخ .

وكنا كلما لاحظنا انخفاض معدل رشقات الرصاص والغازات السامة صوبنا في مسيرة الحياة , انطلقنا بسرعة البرق صوب قلب الجولة في محاولة لاجتيازها ,ليعود القتلة في صب جام غضبهم علينا ثانية ولنخفف بذلك عن وطأة استهداف إخواننا في مسيرة صنعاء عند شمال الجولة , ولتستمر الحكايةعلى هذا النحو بين كر وفر, وهم يستهدفون المسيرتين شمال جولة دار سلم وجنوبها دون أي نتيجة تذكر لهولاء السفاحين الأنذال رغم شلالات الدماء ونزيفها الدائم .

وبعد أن أيقنت نفوس هذه الفلول من القتلة وأسيادهم ,أنه لا أمل لهم في تحقيق أي من أهدافهم ,سلموا أمرهم للفشل الذريع ,بالرغم من التضحيات الكبيرة يومها لشباب الثورة الشجعان الصامدين حتى النهاية , وصار في حكم المؤكد بالنسبة للقتلة أن شباب المسيرة ماضون بمسيرتهم نحو مسارها المرسوم لها سلفآ , فتقهقروا أذلاء تطاردهم اللعنات, ولنتجاوزهم وبرك الدماء تشهد على نبل الغايات وجسامة التضحيات . ولندخل الحبيبة صنعاء دخول الفاتحين الأبطال من وسطها, دخولآ يشهده الشعب ويشهد به ., وبما يلبي روح الشباب الثورية المتعطشة لمعانقة النصر العظيم .

وحينها فقط تنفسنا الصعداء واستطعنا بعد ما يقارب من الساعتين أن نتجاوز الجولة ولنلتحم بمستقبلينا من أحرار العاصمة الأبطال ودمائنا تمتزج في الجولة وعلى أجسامنا المحتضنة لبعضها , في صورة لا أعتقد أنه سيكتب للزمن ان يعيد تجسيد ملحمتها الخالدة عما قريب ..

فمضت مسيرة الحياة القادمة من الحالمة الثائرة تعز وكل مدن اليمن , والناس على الشرفات في شارع تعز وأزقته الفرعية يرشقوننا بحبات الفل وكل أنواع الحلويات وقبل كل ذلك بصادق المحبة وجزيل عرفانهم وقبلاتهم التي أثلجت الصدور, وأنستنا معاناتنا وخففت علينا حرقة فقد الأحبة من الشهداء والجرحى والمختطفين عند جولة دار سلم التي لن ننساها أبدآ ,,

كانت لحظات لا تنسى نظفنا فيها كل جنبات شارع تعز وباب اليمن من كل ما يمت للمخلوع من ملصقات التبجيل الزائف وكل موروثات قدسيتهم لصنم التخلف وعهده البغيض , وأكدنا من خلال شعارتنا التي حرصنا على أن تأخذ مكانها في هذه الشوارع من عاصمتنا الحبيبة, والتي مفادها أن المحاكمة قادمة , وأن لا حصانة لقاتل بعد اليوم مهما كلفنا ذلك من ثمن وتضحيات .., وكان أن قابلتنا عند بوابة باب اليمن ثلة من المنحرفين الذين ضن بعضهم أنهم مانعتهم حصونهم من السلاح وأسوار تمترسوا خلفها لإعاقتنا هناك , فجرفتهم سيول المسيرة الهادرة بأقدامها الشريفة الطاهرة , ليسرعوا هاربين على أعقابهم مدحورين خاسرين تطاردهم سوء أعمالهم الدنيئة اليائسة .

حتى كانت آخر محاولات القتلة والمجرمين وأدواتهم من المرتزقة وأرباب السوابق , عندما حشدوا الأليات المدرعة وفلول حرسهم المبتذل وفلول البلاطجة عند جسر السائلة في محاولة منهم لتغيير مسارنا مرة أخرى نحو السائلة القديمة , وليجربوا تكرار نفس سخافاتهم ومسرحياتهم العبثية القديمة بقطع التيار الكهربائي كذلك في مسرحية لا تخلو من سذاجة واحساس لا ينم إلا عن فشل واحباط المنهزم البائس , فما كان من المسيرة ومقدمتها تحديدآ إلا أن توقفوا رافضين تغيير المسار تحت أي مبرر مطلقآ , وأخيرآ رفع الظلم والطغيان آخر رآياته البيضاء , معلنآ فشله أمام أرادة شعب أبي , لطالما لم يرتضي الذل والإنحناء لجلاديه طويلآ , ولتنتصر أرادة شعبنا ومسيرته للحياة ,ولتنطلق بعد آخر عثرة تواجهها عبر شارع الزبيري محروسة بحمى الرحمن وزغاريد الألاف من الجموع المحتشدة على جانبي الطريق حتى وصولنا ساحة التغيير , التي كانت للحظات الوصول إليها فرحة أقل ما يمكننا أن نصفها هنا أنها لحظات نصر مبين توجتها نضالات أبطال اليمن من تعزومرورآ بكل المدن الثائرة التي كان لوقوفها ومآزرتها والتحامها بالمسيرة أعظم الآثر في نجاحها وتتويجها العظيم في تلك اللحظات التاريخية المجيدة , وليعلن ثوار اليمن نساء ورجال , شباب وشيوخ , مدنيين وعسكريين .. من ساحة التغييرعن بدء عهد جديد من الثورة واستحقاقات فعلها الثوري النموذجي المذهل .

تلك المسيرة الراجلة للحياة , التي أحيت كل الأرواح المتثاقلة وأطلقت آخر رصاصات الرحمة على نظام تهاوى بعدها نحو مزابل التاريخ غير مأسوف عليه .

الرحمة لشهداء مسيرة الحياة الخالدة عبر الأزمان وكل شهداء ثورتنا الأبرار .. وخالص أمانينا بالشفاء العاجل لجميع جرحانا ..والنصر المبين المؤزر بإذنه تعالى لثورة الحادي عشر من فبراير المجيدة ..والعزة والرفعة والشموخ لليمن.
وكل عام واليمن بخير .