الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:٣٢ مساءً

اليمن بين عاما ذاهب ماضية مؤلم،وعاما أتي مستقبله مجهول

يحي محمد القحطاني
الأحد ، ٣٠ ديسمبر ٢٠١٢ الساعة ٠٦:٤٠ مساءً
لم يبقى سوى ثلاثة أيام في سماء ليلة شتاء شديدة البرودة تفصلنا عن العبور إلى العام الجديد 2013م،بعد أن لوح لنا عام 2012م بكلتا يديه مودعا إيانا حيث لأبعث له بعدها ولا حياة، عام مضى بأفراحه وأحزانه، فالفرح لم يبقى منه إلا الذكرى الجميلة والحزن لم يبقى له إلا بعض ما استقر في القلب والأيام كفيلة بمحوه،فعام2012م ليس كغيره من الأعوام السابقة فقد جعل لنفسه في صفحات التاريخ اليمني تصدراً ومكانا، عام قال الشعب فيه كلمته التي باتت سنينا تحت أقدام الحاكم لا قيمة لها ولا كرامة،عام ودعنا فيه زعماء ووزراء ومسئولين،تم انتخاب المشير عبد ربة منصور هادي رئيسا توافقي للفترة ألانتقالية المحددة بعامين وتم تكليف حكومة وفاق وطني من جميع ألأحزاب والقوى السياسية اليمنية،عام مضى كم بكينا فيه وكم ضحكنا، وكم فارقنا وكم أحببنا،كم تألمنا وكم سعدنا،كم أنجزنا و كم فشلنا، لقد رحل عام وطوي بساطه بما فيه من خير وشر وسعادة وشقاء،عام مضى وقد حوا بين جنبيه حكماً وعبرا، وأحداثاً وعظات،فالأيام تمضي مهرولة بنا نحو مستقبل مجهول لا نعلم ماسا يخبئه من خير نفرح به، أو شر مقدر ليس لنا إلا الصبر أمامه،عام قد انطوت صفحاته وجفت أقلامه،ومعظم اليمنيين قد طالت عليهم أيامُه وأبطأت شهورُه،من شدة ما عانوه من الفساد المالي ألإداري، والذي صنف اليمن في المركز الخامس عربيا ضمن قائمة الدول الأكثر فسادا في مؤشر الفساد للعام 2012م، الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية،وفي ظل هذا الوضع الأمني والاقتصادي المتردي يعيش اليمن أوضاعا إنسانية سيئة للغاية،حيث يصنف اليمن حاليا كثاني أعلى دولة في العالم بمعدلات سوء التغذية بعد أفغانستان،وتقول المنظمات الدولية العاملة في المجال الإنساني إن سوء التغذية بين أطفال اليمن دون سن الخامسة تجاوز ضعف عتبة الطوارئ المعترف بها دوليا والذي يصل عددهم ما يقارب من سبعة مليون طفل حسب إحصاءات رسمية.

يودع اليمنيين عام 2012 م وجسدُهم مُصَابٌ بجراحاتٍ كثيرةٍ،بل لا يكاد جرح يَبْرَأُ حتى تَنْتَكِثَ جراحات أخرى،إرهاب،وجهْل، وحرب، وفقر، وجوع، وتشريد وتهديد، وذلك واضح ومعلوم فيما يقرأ ويَسمع ويشاهد،فقد ألفت العيونُ دموع اليتامى،واعتادت الآذان على أَنَّاتِ الأيامى،ولقد أصبح قتل اليمنيين العزل في كثير من المناطق أمرًا سهلاً،بل مُمْتِعًا يدعو للفرحة والنزهة من قبل ألإرهابيين وأسيادهم الممولين لهم بالمال والسلاح،حيث مثل هذا العام الأكثر شراسة ودموية في الحرب الدائرة بين القوات الحكومية والقاعدة في محافظة أبين وفي محافظة شبوة والبيضاء ومأرب وحضرموت،بعد أن سجلت القوات الحكومية في يونيو الماضي نجاحات كبيرة في حربها ضد القاعدة،ومع هزائم القاعدة عادت إلى عمليات الاغتيال بواسطة الدراجات النارية ومسدسات كاتمة الصوت والتفجير بسيارات مفخخة وعبوات ناسفة وكمائن استهدفت العشرات من المسئولين المدنيين وقادة عسكريين ورجال أمن ورجال اللجان الشعبية الذين ساندوا الجيش في أبين وصنعاء والمحافظات ألأخرى،حيث تم في بداية أغطس من عام 2012م قتل 45 شخصا وجرح 40 آخرون في هجوم انتحاري على مجلس عزاء في محافظة أبين،وتم في منتصف شهر مايو قتل93من قوات الأمن المركزي وجرح222في هجوم انتحاري أثناء بروفات لعرض عسكري في أمانة العاصمة،وتبنت القاعدة عملية اغتيال قائد المنطقة العسكرية الجنوبية اللواء سالم قطن و تم اغتيال أركان حرب اللواء312المرابط في مأرب إلى جانب 10 جنود ،وكان أخر تلك ألاغتيالات قائد محور ثمود الشهيد فضل الردفاني و والشهيد سمير ألغرباني،مع أن ديننا الإسلامي يحرم ترويع الآمنين وإخافة ابن السبيل وقطع الطريق وكل فعل يهدف إلى بث الرعب بين الناس أو ترويعهم بإيذائهم وتعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر، أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق والأملاك العامة أو الخاصة، أو تعريض الموارد الوطنية أو الطبيعية للخطر، فكل ذلك من صور الفساد في الأرض التي نهى الله -سبحانه وتعالى- المسلمين عنها بقوله"وَلاَ تَبْغِ الفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ المُفْسِدِينَ" القصص آية77.

يودع اليمنيين عام 2012م ويستقبلوا عام 2013م والمشكلة تَتَلَخَّصُ في أننا لا نحس بأننا سبب من أسباب انحدار اليمن وتخلفه،وكل واحد منا يرمي باللائمة على الغير،ومن المضحك جدًّا أن نلوم أعدائنا الوهميين، ونجعلهم سبب مشاكلنا،لكي نَتَنَصَّلَ من مسئوليّاتنا،ونرتاح من تَبِعَاتِ التَّحْلِيلِ والتَّدْقِيق،والمحاسبة والتقويم،في الوقت الذي يُسمح فيه بارتكاب الأخطاء الفظيعة،من قتل ونهب وتدمير من قبل ألإرهابيين الذين ينتشرون في معظم محافظات الجمهورية،إضافة إلى الاضطرابات السياسية التي اجتاحت اليمن عام 2011م،2012م،وتمرد الحوثي في صعده والجوف ومأرب وحجة،والحراك ألانفصالي في المحافظات الجنوبية،والعمل ليلا ونهارا لانهيار الدولة اليمنية وجر الشعب إلى الفوضى والاحتراب وتهديم مآتم بنائه طيلة عمر الثورة اليمنية،وهناك معارك وقتال في محافظة مأرب ضد المخربين الذين يعتدون على أنابيب النفط وأبراج الكهرباء منذ بداية ألأزمة السياسية اليمنية عام 2011م،تلك ألاعتداءات والتي أدت إلى تعطل العديد من المشاريع،وكبدت اليمن خسائر تقدر بأكثر من نصف مليار دولار جراء أعمال التخريب التي طالت أنابيب النفط والغاز خلال الأشهر التسعة الماضية من العام 2012م،حسب إحصاءات رسمية،كما تكبدت وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات خسائر تقدر بنحو (12مليون دولار)نتيجة تعرض شبكة الألياف الضوئية للاعتداءات المتكررة من وقت لآخر خلال العام 2012م،وتعرضت خطوط نقل الكهرباء الرئيسية إلى أكثر من اعتداء تكبدت المؤسسة جراء هذه الاعتداءات خسائر تجاوزت 33 مليار ريال،هذه الخسائر إلى جانب شحت الموارد والتدهور ألأمني والاضطرابات السياسية خلقت أزمة اقتصادية كبيرة في اليمن،دفع المانحين من "أصدقاء اليمن" إلى التعهد في مايو وسبتمبر الماضيين في الرياض بتقديم أكثر من ثمانية مليارات دولار لدعم المشاريع الإنمائية في اليمن.لكن هذه التعهدات قد لا تجدي في إخراج اليمن من عثرته الاقتصادية بسبب الوضع الأمني المتردي.

يودع اليمنيين عام 2012 م ويستقبلوا عام 2013م وهم قاب قوسين أو أدنى للبدء بأعمال مؤتمر الحوار الوطني الشامل،وفي هذا السياق تم الاتفاق على عدد المشاركين في المؤتمرب565 عضوا، وكذلك نسب تمثيل القوى والأحزاب السياسية في المؤتمر،وتم تحديد النقاط أل 23،النظام الداخلي،جدول أعمال الجلسة الأولى،الخطة العامة ودليلها التنفيذي،أوراق العمل المقترحة،الخطة الإعلامية،الموازنة،وتم تحديد الميزانية التقديرية للمؤتمر بمبلغ وقدرة 9مليار ريال،وتم ألإتقاق على الهيكل التنظيمي للمؤتمر من الآتي،الجلسة العامة،هيئة الرئاسة،لجنة التوفيق،فرق العمل،لجنة المعايير،الانضباط،الأمانة العامة،فالعالم ممثلا بالأمم المتحدة ومجلس ألأمن حريص على سرعة انعقاد المؤتمر في أقرب وقت ممكن وبنفس الوقت حريص على إنجاح الحوار الوطني ولن يسمح بجر اليمن لمربع العنف أو الفوضى،ويعد مؤتمر الحوار الوطني في اليمن من أهم استحقاقات ومهام المرحلة الانتقالية الثانية، بحسب المبادرة الخليجية لتسوية الأزمة في اليمن وآليتها التنفيذية.وسيناقش مؤتمر الحوار عدة قضايا،منها عملية صياغة دستور جديد للبلاد،وقانون ألانتخابات،وتصحيح جداول الناحبين،والإعداد للانتخابات الرئاسية والبرلمانية عام 2014م،والقضية الجنوبية بما يفضي إلى حل وطني عادل لها،ودواعي التوتر في صعده،والسعي لإعادة هيكلة الجيش وإعادة تشكيلة ودمجه على أسس وطنية ضمن مسار التغيير في البلاد خلال المرحلة الانتقالية التي يقودها الرئيس عبد ربه منصور هادي منذ تسلمه السلطة في السابع والعشرين من فبراير الماضي،وفي هذا الإطار،اصدر الرئيس هادي في نهاية شهر ديسمبر من عام 2012م،عدة قرارات لإعادة هيكلة الجيش،وحددت هذه القرارات"المكونات الرئيسية للقوات المسلحة"وقضت بتقسيم الجيش إلى قوات برية وبحرية وجوية وقوات حرس حدود،بجانب ما سمي بـ"الاحتياط الاستراتيجي" والذي يضم عدة تشكيلات ووحدات،والمضي في جهود إنجاح التسوية السياسية ومواجهة كل ما يعطل مسار التغيير في البلاد،من الفساد المالي والإداري والسياسي،وإرهاب القاعدة،وثقافة ألإبعاد والتهميش والإقصاء للآخرين،ومن أعمال التقطع في الطرقات والقتل وانعدام ألأمن والعدل،ومن الفقر والجوع والمرض،وغلاء ألأسعار التي أثقلت كاهل المواطنين ومن له مرتب لا يكفيه لأسبوع.

عام 2012م ذاهب وعلينا أن نستخلص منه ما ينعكس على حياتنا بالإيجاب،وعام 2013م أتي يتحتم على كل إنسان أن يحمل البسمة والسرور والبناء لواقع يرسم ملامح التغيير للأجمل والأنقى ،وأن يبدأ عامه الجديد بشخصية جديدة، يكون هدفها دائما البعد عن المصادمات والمشاحنات وغلق باب كافة الخصومات التي قد تكون نشأت في ألأعوام الماضية، بقصد أو عن غير قصد،فالدول في أنحاء المعمورة قاطبة في حالة مراجعة دائمة للذات،دول وأمم تتمعن فيما حدث في عامها المنصرم،وتستعد لخوض غمار عامها الجديد بما فيه من مستجدات،أجندات تُغلق وتُفتح أخرى،وبالتأكيد يظل هناك فروق بينها فيما تحتويه من برامج وخطط وأعمال،فروق على مستوى الدول والزعماء،فنجد أجندات حبلى بالانجازات والمفاخر التي نتج عنها امتلاء سلال تلك الشعوب بالثمار ويترقبون المزيد منها خلال العام الجديد والذي يليه،وترى صفحاتها تحمل الخير،وتمد يد العون إلى المحرومين،وتضيء النور في سكك الفقراء والمعوزين،هذا هو حال بعض الأجندات إنها أجندات توضع بعناية فائقة،ولا يُسمح فيها بالتهاون والإهمال في أي شيء مهما كان تافهاً،فالأمر برمته في غاية الأهمية عندهم،ولا يحتمل أي خطأ أو تقصير،وللجماهير أيضاً أجندات شعبية تُفتح هي الأخرى،ولكنها غير مكتوبة كغيرها،بل تخرج من أفواه الكادحين في جوف الحواري والأزقة والدروب،ومن على نواصي الطرقات وفي البيوت والمقاهي وفي كل المناسبات،متخمة بالتساؤلات وتقييم السياسات،تُحاسب القادة والزعماء على كل صغيرة وكبيرة،في حالة تقييم شامل يولد من رحم المعاناة ويُعبر تعبيرا صادقا عن الإحباط والآمل دون تملق،فالجميع غير مهيأ لقبول تكرار نفس الأخطاء في كل عام،ومن ثم معاودة المراوحة في الموضع نفسه منذ أعوام،فالوقت لا ينتظر أحداً والكل في حالة سباق مع الزمن في شتى المجالات،ومن يتخلف سيدفع الثمن باهظاً من قوت أبنائه،إلا نحن اليمنيين يذهب عام ويأتي أخر ولم تتقدم اليمن باتجاه التنمية الحقيقية والشاملة قيد أنملة.

ومع فجرعام2013م نستقبل عاماً جديداً بإشراق شمسه،عام ما زالت صفحته بيضاء ناصعة،ليكون حب اليمن وتقدمة وازدهاره عنوانه والخير والسلام مضمونه،عام أتي لنجعله بوابة للنهوض ومفتاحاً للتغيير والإنجاز والتخطيط المدروس،لنجعله عام للثورة على النفس والتخلص من ما يشوبها من العجز والكسل والتشاؤم،ودفن الماضي ومخلفاته والتطلع للغد بتفاؤل وأمل,وبناء الدولة المدنية الحديثة التي لن تتم دون إعادة تأهيل وطننا وتقويم الذات وإصلاح ذات البين وتعميق مفاهيم الوحدة,وإزالة المظالم التي حدثت على المواطنين في الجنوب والشمال وإرجاع الحقوق إلى أهلها ومحاربة الفساد ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب,ولابد للإنسان أن يستقبل دائماً العام الجديد بالأمل في الغد وأن الغد سيكون أفضل من اليوم،وكذلك عدم اليأس،لأن اليأس يصيب حياة الإنسان بالدمار،ويبعث على الخمول وعدم النشاط وعدم الرغبة في المبادرة في التغيير،واكتساب المعارف الجديدة،وتحقيق الأحلام الخيرة، والسعي إلى ما يفيد الناس،فصحة الأبدان،وأمن الأوطان،ورَغَدَ العيش هي مقوّمات الحياة،ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:(من بات آمنًا في سربه،مُعَافًى في بدنه،عنده قوت يومه؛ فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها)فبِفقدان واحدة من هذه الثلاث يكون عيش الإنسان مُنَغَّصًا،ولربما تَمَنَّى الموت،هذه النعم الثلاث عندما يجدها الإنسان فإنه لا يحس بمرور الأيام وانقضاء الأعوام،ولنا نحن اليمانيون الحق في أن نحلم بيمن ديمقراطي خالي من ألإرهاب والفساد،وأن ينعم الله على الجميع بفيض بركاته،وبالازدهار والرخاء،وتجاوز الصعاب،وأن يلهم رئيس الجمهورية وحكومة الوفاق الوطني إلى الخير وتحقيق ألأمن والاستقرار،ومزيداً من الرفعة والتطور لوطننا في شتى المجالات.والله من وراء القصد والسبيل.