الخميس ، ١٨ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١٠:٤٣ مساءً

بين الصِحّة والعِلّة بصمة..!

د . محمد ناجي الدعيس
الجمعة ، ٠٤ يناير ٢٠١٣ الساعة ٠٨:٤٠ صباحاً
ذهب عام 2012م، بكل أفراحه وأحزانه، ولن يستطيع الفرد استرجاع ما عمل من خيرٍ أو شر فيه أبداً في حياته، ولكن سيعرض ذلك العمل لكل عبد عمله كما وعد الخالق ضمن صفحات كتابه ليقرأ كل عبد فِعْله من صغيرها وكبيرها " ومن عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها "، فهل كل فرد مقتنع بما وضع من بصمة في مجتمعه أو مؤسسته أو على جبين وطنه؟ وإن كان من تخذي القرار، هل يستطيع أن يفاخر بها لحاضره ومستقبله أم أنه يفضل إخفائها؟

ودخل عام آخر هو 2013م، بفرحة وبهجة عالمية في غالبها أوروبية تجمع عشرات الآلاف من الناس في نيويورك وفي ألمانيا وفرنسا وبريطانيا والنمسا..الخ، لمشاهدة العروض الموسيقية والألعاب النارية احتفاءً بقدوم العام الميلادي الجديد 2013م، ويحق لها أن تصنع بصمتها على العام الجديد لامتلاكها قوة العلم الذي جلب لها الغنى الاقتصادي وقته.. أمّا في المجموعة العربية تكاد تخلو الساحة إلى حدٍّ ما من الاحتفاء بالعام الميلادي الجديد القليل منها جداً كان احتفالها وكأنه على استحياء هنا أو هناك، باستثناء إمارة دبي التي تصدرت المرتبة الأولى عالمياً من خلال ما شهده " برج خليفة " من احتفال بليلة رأس السنة تُعد الأكبر منذ افتتاحه، فقد أضاءت شركة " إعمار " البرج بشكل لم يسبق له مثيل، حتى أصبحت سماء دبي متوهجة ببريق الألعاب النارية المبهرة، في وسط عشرات الآلاف من المحتفلين من بينهم أعداد كبيرة حضروا خصيصاً لمشاهدة الاحتفاء برأس السنة الجديدة في برج خليفة.. ولكن من أغرب ما قرأت هو أن رجل أعمال من أصل لبناني حجز شقة في برج خليفة لقضاء ليلة رأس السنة الجديدة بدُبي مبلغ 70.000 درهم " فقط سبعون ألف درهم إماراتي " ليعيش الرجل مشاهدة لحظات الفرحة والاستعراضات، التي أوحت لي وللكثير بتعافي الاقتصاد الإماراتي وبقوته.. وهو ما أكدته صحيفة " فايننشال تايمز " البريطانية حينما قالت : إن هذا الحجم غير المسبوق من الاحتفالات يعني أن دبي تريد أن تقول للعالم إن " الأزمة الاقتصادية العالمية التي تأثرت بها وأدت إلى الركود أصبحت الآن من الماضي، وإنها الآن بدأت في ثاني طفرة اقتصادية خلال عقد واحد من الزمان".. ويذكر تقرير الصحيفة البريطانية إن الديون السيادية لإمارة دبي تبلغ 110 مليار دولار، وهي ديون ربما لا تستطيع دبي خفض حجمها في الوقت الراهن، إلا أن التدفق النقدي الذي تشهده الإمارة يجعل من هذه الديون أمراً لا يمثل أي مشكلة، خاصة أن تواريخ استحقاق هذه الديون تتوزع بين العامين 2014م و2016م. احتفال برج خليفة أبهر العالم من حيث الإمكانات المادية التي تم توفيرها ببذخ وحرقها بلحظات، وهي بلا شك بصمة تضعها إمارة دبي على جبين عام 2013م، ومع أني أبارك ذلك النبوغ في الترويج السياحي لدولة الإمارات الشقيقة، إلا أني أتساءل : لماذا لم تنبغ إحدى الجامعات الإماراتية في توليد المعرفة وتقانتها لتأخذ الصدارة بين الجامعات العالمية كما أخذ برج خليفة الصدارة في الاحتفال برأس السنة الجديدة 2013م؟ لأننا لا زلنا نشكو كعرب من فقرنا في عدم وجود دولة عربية قوية لا غنية، فهل لا زال العلم لم يدخل فكر ورؤى قادتنا بعد؟

أمّا البصمات في وطننا اليمني فحدث ولا حرج، ولكن بصمات ليست لاحتفال وطني بهدف الترويج السياحي ولا لبناء وطن أو تنمية فكر، بل إنها بصمات لقطع الكهرباء ولاحتكار السلع للترويج للسلاح ولنهب الأراضي والقتل و..و.. الخ، بصمات ضد العمل المؤسسي وأخرى ضد بناء الدولة المدنية وبصمات لتقزيم الوطن وتضخيم القضايا الشخصية، بصمات للارتزاق على المواطن كل مسؤول من موقعه.. بصمات تركها الأوغاد في كل مفاصل الوطن حتى أصبح يومه أسوء من أمسه وقراره ليس بيد أبنائه ودونما سيادة له.. بالله عليكم أي بصماتٍ تلك يباهي بها أصحابها بين الشعوب أو في مجتمعهم؟.. وأي عاقل يصدق أن أولئك النفر وهم أحبة الأمس خصوم اليوم يستطيعوا التكفير عن جُرمهم في وضع بصمة يُفاخروا بها أمام أبناء وطنهم؟.. واعتقادي أنهم ليسوا أهلا للتكفير عن جرمهم لعدم إيمانهم بالحرية بمفهومها السامي بسبب هوسهم بالسلطة وباختلاس المال العام والخاص، تلك الممارسات أصبحت ثقافتهم التي أوصلتهم إلى الحماقات فأعيت من يداويها.. حتى اشتهر كل مسؤول ببصمتين بصمة ظاهرة ــ شكلية ــ وأخرى مخفية لا يريد أحد أن يراها ينخر من خلالها وطن ويعقره، حتى تكشفت سوأتها وخاب ظن الناس فيهم.. فيا ترى أين سيضع العرب عموماً، واليمانيون على وجه الخصوص بصماتهم كلاً من موقعه خلال العام 2013م ؟ هل سيرفعون الرأس بها أم ينكسوه كما نُكّس لعقود مضت وحتى اللحظة؟.. فعلاً إن بين صحة الأوطان وعلّتهم تكمن في نوعية بصمات أبنائهم..

وكل عام والجميع بخير