الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:٠٢ صباحاً

التوافق والاختلاف والتنافس داخل الغرف المغلقه

وليد عبدالواحد شمسان
الأحد ، ٠٦ يناير ٢٠١٣ الساعة ١١:٣٠ صباحاً
ما سبب فشل هذه المحاولات التوافقية؟ في تقديري أن السبب الرئيسي هو إشكالية التوافق ذاتها والولع باللجوء إليه بينما التنافس هو المطلوب وهو الوسيلة الطبيعية للتقدم. فالتوافق أصلا كلمة غريبة، توحى بأن المجتمع يمكنه بشكل ما ــ من خلال ممثلين له غير منتخبين ــ أن يجلس فى غرفة واحدة، ويتفق على المستقبل وعلى شكل الدولة وعلى هويتها، وأن الحاضرين فى هذه الغرفة سوف يخرجون فى نهاية جلسات طويلة وشاقة ليعلنوا للناس أن كل الخلافات قد تم حلها، وأن الاتفاق على كل شىء قد تحقق. هذا تصور مستحيل أصلا وغير قابل للتحقق، كما أنه غير مطلوب من البداية لأن المجتمع يتقدم حينما تتنافس فيه الأفكار والرؤى، فينتصر بعضها ويتراجع البعض الآخر، وحينما يكون هذا الصراع بين الأفكار واضحا وصريحا ومعلنا، بل ومحل مشاركة المجتمع كله.

لماذا لا ننسى موضوع التوافق إذن وننتقل إلى فكرة ثانية ومغايرة تماما، وهى البحث ليس عن الاتفاق والاجماع، وإنما عن كيفية تنظيم التنافس والاختلاف والصراع بحيث تأتى النتائج معبرة عما ترتضيه الأغلبية ولكن دون اهمال دور وحقوق الأقلية؟ والبرلمان خير مثال على ذلك. الحديث عن توافق داخل مجلس نيابى منتخب من الشعب أمر غير معقول وفيه تناقض داخلى. الناس لم تنتخب فريقا قوميا يلعب المباراة مرتديا لباسا واحدا، بل اختارت فرقا لكى تتنافس ولكى تتصارع ولكى يكون خلافها لمصلحة المجتمع والشعب. والمصلحة العامة تقتضى أن يكون التنافس حقيقيا ومستمرا بين التيارات والأحزاب السياسية، لا أن تتكرر محاولات حسم كل خلاف عن طريق المفاوضات فى غرف مغلقة. لذلك فلا أفهم أهمية أن يكون اختيار مجلس الوزراء بالتوافق، بل الصحيح أن يكون بالتنافس (وهو ما حدث بالفعل ويعطى للفائز قيمة ومكانة أكبر من حصوله على موقعه بالاجماع أو بالتزكية)، ولا أرى أهمية أن يكون اختيار رئيس واعضاء مجلس الوزراء بالاتفاق والتفاوض بين الأحزاب، بل ينبغى أن يكون محل صراع وأن تأتى نتيجته معبرة عن توزيع القوى فى المجلس، ولا أتفق مع فكرة أن يسعى المجلس لتحقيق توافق فى المجتمع بينما دوره تحديدا أن يكون ساحة شريفة للتصادم والصراع والمنافسة على الأفكار وعلى المصالح الاجتماعية (وليس الشخصية) وعلى رؤى متباينة فى كل موضوع تقريبا.

دعونا ننسى التوافق الذى لا يعنى فى نهاية الأمر إلا أن يتم تحديد مقدرات الأمة بناء على صفقات بين رؤساء الأحزاب ومفاوضيهم، ولنجرب قليلا التنافس. وليكن مجلس الوزراء الجديد فرصة للتخلص من الخوف وليس يزيد الخوف من أن تؤدى المنافسة إلى نتائج وخيمة وعواقب غير محمودة، فلا سبيل للتقدم سوى النزول إلى الملعب والاشتراك فى المباراة. أما الجلوس فى غرفة مغلقة والتفاوض حول نتيجتها فلن يحقق سوى نتيجة مزورة.