السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٢:٣٥ مساءً

داء التوليف

د .مسعود عمشوش
الثلاثاء ، ٠٨ يناير ٢٠١٣ الساعة ٠٣:٤٠ مساءً
في آخر معرض كتاب محلي زرته تبيّن لي أن معظم الكتب التي نشرت مؤخرا في بلادنا تنطبق عليها صفة وسمة (التوليف) وليس (التأليف)، إذ أنها في معظمها عبارة عن فسيفساء من المقالات- وفي أحيان نادرة من الدراسات أو الأبحاث المتواضعة - سبق أن تمّ نشرها في صحف ومجلات، وتفتقر للحد الأدنى من التجانس والمعايير العلمية، والتصوّر التأليفي المسبق ومحدد الأهداف، وتمّ تجميعها وتغليفها في كتاب تم نشره على نفقة هذه المؤسسة أو تلك، أو نفقة المووولف نفسه إذا كان تعيس الحظ مثلي!

ومن المعلوم أن (التوليف) يمكن أن يكون مقبولا في إطار إعداد بعض الكتب الدراسية، أو ما يطلق عليه (الكتاب المدرسي أو الجامعي) الذي يكون في الغالب عبارة عن إعادة صياغة (أو صياغة شخصية) لعدد كبير من المعارف والمعلومات والتمارين والتوصيات التي يفترض وجودها في أي كتاب مدرسي أو جامعي ممتاز. ومثل هذه الكتب لا تحمل في الغالب أي جديد.
والتوليف مقبول أيضا عند تحضير رسائل الماجستير التي يتمرن فيها الباحث على استخدام مناهج البحث ليس إلا، ولا يكون مطلوب منه تقديم جديد، بعكس ما يُتوقع منه في رسالة الدكتوراه التي ينبغي أن تحتوي على نسبة من (الجديد) أو التأليف أو الابتكار. لكن يبدو أننا لم نصل بعد إلى مستوى التأليف والدكتوراه حتى وإن فتحنا مليون برنامج دكتوراه!! وأتمنى أن أكون مبالغا أو غلطان!

ومن المؤكد أن ظاهرة التوليف مستشريه في كل أصقاع البلاد العربية وليس حكرا علينا. وعلى كل حال من الجيد أن يتوهم الناس في هذه البلاد أن لديهم كتـّاب مظلومين ومغمورين لم تنصفهم لجان تحكيم جائزة نوبل للأدب! وفي الأخير أود أن أوكد إلى أن ركون بعض دور النشر لدينا إلى طباعة كتب تدخل جميعها في باب التوليف سيضر -عاجلا أو آجلا- بسمعتها أولا ثم بسمعة البلاد والعباد.

وأخيرا أعترف أن السطور الآتية التي كتبها زميلي الدكتور الشاعر الأستاذ مبارك سالمين رئيس قسم الخدمة الاجتماعية بكلية الآداب، في صفحته في الفيسبوك هي التي دفعتني إلى كتابة هذا الهامش. فقد قال أطال الله في عمره: "في إطار الثقافة اليمنية نحن مصابون بداء سوء التوصيف فعندما يكون لدينا من أصدر كتابا أو ديوان شعر على نفقته الخاصة أسميناه الكاتب الكبير أو الناقد الفذ أو الشاعر القنطرير، فتكبر فينا هذه الألقاب. وعندما يتوفى الله أحد أصحاب هذه الألقاب يقال فيه ما لم تقله الخنساء في شهدائها على رمزيته، أو أن وفاته كانت خسارة فادحة أو أنه قد قضى عمره في خدمة الأمة والوطن، في الوقت الذي لم يكن أي من هذه الأشياء أو التوصيفات صحيحا. وعليه فأنني أرجو أن يتجه الفقه التربوي والثقافة اليمنية نحو تقييم العطاءات حسب حجمها، وأن نتقي الله فيما نطلق من ألقاب على الناس تنعكس ويلا على المجتمع وعلى الناس".