الخميس ، ٢٥ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:٥٧ مساءً

فرحا بشيء ما

جلال غانم
الاربعاء ، ٠٩ يناير ٢٠١٣ الساعة ٠١:٤٠ مساءً
من لم يرى السعادة في طوق هذا الصباح فلن يراها في مساءات أكثر سوادا , ومن لا يرى الحُرية كجوهر في أي ثورة لن يرى بها إلا كوجه امرأة عجوز شاخت وكبرت ولم تعُد قادرة إلا على السُعال .

فعندما فكر الراحل محمود درويش في كتابة قصيدة (فرحا بشيء ما) كان مازال يُعاني من ألم في القلب وكان لازال مُخدر بالأسبرين الذي اجتاح كيانه المملؤ بصوت القصيدة وصوت العدالة والحُرية التي كان يرى بها قضية وطنه الأم فلسطين قضية إنسانية بامتياز وليست سياسية كما يظن البعض .

شيء عظيم أن تتحول قضايانا من أيدي عُشاق المنصات والمناصب إلى قضايا إنسانية يشعر بها اليتيم والفقير والمُناضل وأبن الفلاح وكم هو عظيم أن تشترك كُل الأوجه في رسم معالم هذا الكفاح .

فرحا دائما نُفكر أن نكتب قضية عادلة وألم آخر عندما نكتب بقلب محروق لا يعرف غير الحزن فنحن كشعب لا نتكئ إلى على قوة الظلم ولا نصحو إلا على صوت قتيل ولا نكتب إلا عندما نشعر بالحزن يجتاحنا كخيار نهائي في عُمر سعادة الجسد والروح .

أنت يمني لن تعرف دائما قيمة للفرح ما دُمت تؤجل كُل أحلامك , وأن الحُزن عندما يتخذ من ذاتك هوية تعيشها كُل يوم لتدافع عن كسرة خبزك أو عن ملحك أو عن أشلاء ضحاياك لن ترى بالفجيعة والألم إلا واقع تعيشه كُل لحظة ضنا منك أن حتمية البقاء هي حتمية النضال وأن حتميات الثورات هي حتمية الانتصار .

لا بأس أن نعيش حياتنا بتكيفات وشُروط قابلة للمُمكن إن لم نقل المُستحيل لكن هذا المُمكن مازال يتربص بنا ويعيدنا في كُل لحظة إلى أعماق المُستحيل .

فالهوية عندما تغدو في لحظة غضب حالة اختناق نعيشها لن نشعر إلا بوطأتها وثُقل حملها على ذاتنا لنعرف كُل يوم أننا نحتاج إلى ألف مساء مُفعم بالفرحة (مساء خارج حسابات الساسة و ولاءات الأشخاص)

فإن لم نقل أن أفراحنا دائما مؤجلة فهي أفراح قابلة للتهميش والاغتيال دائما ما تجتاحنا تحت مُبررات نقتنع بها فجأة ولا نملك إلا نلعن ما حولنا ونمضي بقلوب لا تعرف إلا الهزيمة والانطفاء .

لن نرى بعد اليوم إلا أحلام مقصوفة ورياح عاتية تجتاح من حولها وآن الأوان للنظر إلى الواقع بعين مُثلى لا ترى ألوان أخرى أكثر من الأبيض والأسود كحقيقة يجب أن نعيشها خارج خداع الذاكرة وخارج أبجديات الوطنية التي دائما ما نتورط معها ولا نعرف فخ الزمن وفخ الثورات والشعارات إلا ونحن في أشد تعاستنا وفي قوة أزماتنا

أن نبكي نحتاج اليوم لخارطة نُحدد فيها معالم الحُزن وأن نضحك نحتاج لسعادة وفرح دائم وهذه السعادة لن تكون في يوما ما وفي أي زمن إلا نقيضه للحُزن وأن جوهر الحياة مليئة بالروايات التي تنتمي إلينا أو لا تنتمي .

وفي هذا المقام يقول الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش في (فرحة بشيء ما) :

فرحا بشيء ما خفيٍّ، كنت أَمشي

حالما بقصيدة زرقاء من سطرين،
من سطرين... عن فرح خفيف الوزن،

مرئيٍّ وسرِّيٍّ معا

مَنْ لا يحبّ الآن،

في هذا الصباح،

فلن يحبَّ!