الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١٢:٠١ صباحاً

إفطار رمضاني مع الرئيس علي عبدالله صالح

محمد كريشان
السبت ، ٢٠ أغسطس ٢٠١١ الساعة ١١:٣٠ صباحاً
في شهر رمضان المبارك قبل ثلاث سنوات جمعتني مائدة الإفطار مع الرئيس اليمني علي عبدالله صالح في بيته في مدينة تعز. محض صدفة فقد كانت المناسبة في الأصل لقاء تلفزيونيا مع الرئيس وحين وصلنا مع كامل الطاقم الفني لم يكن قد تبقى على الإفطار سوى أقل من ساعتين.

سألني الرئيس بعد الترحيب عما إذا كان من الأفضل أن نسجل اللقاء الآن أو نتركه لما بعد الإفطار و كان رأيي أننا بعد الأكل قد نصبح في حالة من الخمول قد تعيق تدفق الحديث وحيوية اللقاء فوافقني الرأي. كان الرئيس وقتها كأي مواطن في بيته عصر يوم رمضاني يلبس الدشداشة ولهذا طلب بعض دقائق حتى يلبس البدلة ويضع ربطة العنق.

كانت تلك المرة الثالثة ربما أو الرابعة التي ألتقي فيها الرئيس صالح ولكن هذه المرة كان أكثر عفوية وحفاوة فالرجل في بيته الخاص و ما من بروتوكول رئاسي ثقيل يكبل ما يعرف عادة في اللقاءات بالقادة والزعماء في مكاتبهم الرسمية. كما أنه كان تلقائيا ومرحا إلى أبعد الحدود. ما إن صافح المخرج العراقي المعروف عماد بهجت الذي كان المشرف على كل التفاصيل الفنية للمقابلة حتى بادره بسؤال مباشر ومفاجئ: "أخ عماد أنت سني أم شيعي؟". كنا في تلك الأيام في خضم صريع مرير تحت هذا العنوان في العراق راح ضحيته الكثير من الأبرياء الذين قتلوا على الهوية أو قضوا في تفجيرات تحمل بصمات طائفية بغيضة. ابتسم عماد وقال لـه "والله سيد الرئيس أنا لا هذا ولا ذاك..." قبل أن أتطوع أنا بالقول: أخونا عماد مسيحي. ضحك الرئيس وقال: ممتاز لتبق كما أنت... بلا سنة، بلا شيعة، بلا وجع رأس! وضحكنا جميعا.

سجلنا المقابلة وكانت ممتعة وفيها الكثير من السجال المشوق. تحدثنا في مسائل خلافية عديدة تعصف باليمن وقتها من بينها التوتر الحاصل بين الحكومة والمعارضة والجدل حول قضايا الفساد وما إذا كان الرئيس نفسه يتستر عليه كما كانت المعارضة تتهمه وقتها. تطرقنا وقتها إلى العلاقات اليمنية السعودية وسط إشاعة كانت تقول وقتها إن زيارة مرتقبة لصالح إلى المملكة أجلت بسبب بعض التوتر في العلاقة بين صنعاء والرياض. الرئيس رفض تماما هذا التفسير و اعتبر مجرد الخوض فيه يدخل من باب نكاية المحطة في السعودية ليس إلا. جرى أخذ ورد حول هذه النقطة وعبثا حاولت شرح أن للسؤال وجاهته و أن لا علاقة له بما يمكن تسميته بالمماحكة المفتعلة سواء مع اليمن أو السعودية أو محاولة الإيقاع المبيت بينهما. و ما زال هذا المقطع بالذات موجودا على موقع "يوتيوب" على شبكة الإنترنت تحت عنوان الرئيس علي عبدالله صالح يحرج مذيع الجزيرة.

بعد الانتهاء من التسجيل لم يكن بقي على أذان المغرب سوى زهاء الربع ساعة. رفض الرئيس بشدة مغادرتنا وطلب من كامل الفريق أن يكونوا ضيوفا على مائدته. ومع كلمة الله أكبر كان الرئيس بنفسه يقدم لنا التمر والعصير قبل أن يؤم الجميع في صلاة المغرب فصلى الجميع وراءه إلا عماد طبعا. على المائدة كان هناك ما لذ وطاب وكان الرئيس مرة أخرى هو من يخدمنا بنفسه ويضع الطعام أمامنا ويلح علينا في التذوق من كل الأطباق وكنت متجاوبا معه تماما ليس من باب اللياقة فقط بل لأن الأكل أحد هواياتي المفضلة القليلة! و بالطبع لم يكن هناك من مفر لتجنب الحديث عن "الجزيرة" و مآخذ الرئيس التي لا تحصى عليها مع أنه أحد أكثر المتابعين لها وأحد الرؤساء العرب القلائل الحريصين على الحديث إليها بين فترة وأخرى قبل أن تحصل القطيعة الأخيرة.

هنا فجر الرئيس مفاجأة من العيار الثقيل. تساءل "أتدري يا فلان لماذا لا تترك محطتكم شاردة ولا واردة عن اليمن إلا أوردتها؟!".
- لماذا سيد الرئيس؟!
- لأن مراسلكم مراد هاشم يتلقى ثلاثة آلاف دولار على كل خبر يبعث به إلى المحطة... هذه هي كل القصة! ولذا فمن مصلحته أن يلتقط أي شيء على الساحة اليمنية مهما كان..
- سيد الرئيس إذا كان هذا الأمر صحيحا فأنا سأطلب فور عودتي نقلي مديرا لمكتب صنعاء . يا والله نعيم... ثلاثة أخبار فقط في اليوم يعني 9 آلاف دولار كل يوم ويعني نهاية الشهر 270 ألف دولار وأنا لا أتقاضى حاليا حتى عشر هذا المبلغ!

صمت الرئيس قليلا وكأنه اكتشف أنه فعلا في الأمر مبالغة ثم قال: والله هذا ما قاله لي الجماعة دون أن يحدد من بالطبع. ولم أتردد في القول فورا بأن من قال له هذا الكلام غير صادق ويحاول تضليله. ساد صمت ثقيل لبرهة، من يدري فقد يكون من قال له هذا الكلام أحد الجالسين على المائدة من مساعدي الرئيس ومستشاريه. غيّــرنا هذا الحديث وخضنا في حديث غيره الأرجح أنه كان عن الطعام اليمني وأنواعه فذلك أمتع بلا جدال.

عند المغادرة صافحنا الرئيس مودعا في الباب بمثل ترحاب الاستقبال وأن يقول لعماد ضاحكا "لا تنس عماد، مثلما أوصيتك... خليك مسيحي أحسن!".