الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٥:٣٦ مساءً

الدراجات النازية..!

د . أشرف الكبسي
الجمعة ، ١١ يناير ٢٠١٣ الساعة ٠٤:٤٠ مساءً
لا تكاد تخلو عناوين الصحف ، ونشرات الأخبار ، من الحديث عنها ، كما لا تغيب ظلالها القاتمة عن وعي الرعب اليومي للشارع اليمني ، المنهك بمشاهد لا حصر لها من طيف المعاناة وقاموس الألم المجتمعي ، باسمها (الناري) تُزهق الأرواح ، وتُنهب الأفراد والجهات ، وتكتظ بطيش أفعالها أسرة المستشفيات وغرف العمليات ، بألوان من الأنات والحسرات ، وفي إثرها ترتفع الصرخات واللعنات ، إنها وبلا فخر ، لا بل بكل مرارة وقهر: الدراجات النارية...!

وكأنه ليس كاف على اليمنيين العيش على هامش الحياة سياسياً واقتصادياً وامنياً ، حتى يتجرعون الموت القادم تارة على أجنحة طائرة بلا طيار ، وتارة أخرى على عجلات دراجة بلا إنذار ، تسلبهم – أو أحد أحبائهم - ما تبقى من رفاهية التواجد على طرقات الفقر وأرصفة الذعر ، أو تصطدم بأجسادهم الهزيلة كتلتها الحديدية الرعناء ، فتضيف إلى توصيفهم مصطلحاً بائساً جديداً (معاق) ، أو أن تمتد من على متنها ، أياد سارقة حمقاء ، لنهب حقيبة امرأة مسكينة ، اتشحت بالضعف والسواد ، وليتها – حينها - تذهب الحقيبة وحدها ، فحين يهرع المارة لنجدة الضحية ، الملقاة على أرض الشارع المتسخ بكثير من أهله ، تلملم جراحها وتلتقط شيئاً من مكسور عظامها ، مؤثرة (الموت) في عالمها النسوي المحتشم ، على الحياة في حضرة العون الغريب ، تقول بكلمات جريحة : لا تلمسوني فأنا بخير ..!

يقول شكسبير: أعطني مسرحاً ، أعطيك شعباً مثقفاً ، والبعض يقول: أعطني دراجة نارية ، أعطيك شعباً ممزقاً ..! يحدث هذا كله ، والحكومة في بلاهتها المعتادة ، وغيها القديم ، تهتم – كما تقول – بهيكلة الجيش ، والحوار الوطني ، دون أن تعي أنه – إذا استمر حصاد الدراجات للأرواح – فقد نحصل على هيكلة بلا جيش ، كما قد تشارك (دراجات) في الحوار بعد أن ينفذ الوطن من كل شيء إلا منها ..! الحكومة وأجهزتها الأمنية تحدق في صمت مخز وعجز معيب ، لا حول لها ولا قوة ، إلا من بيان يدين - بعد تشييع الجثامين - (الدراجة المجهولة) ، ولسان حالها ، كتلك المرأة المسكينة ، يقول : لا تلمسوني فأنا ..!

قد يتباكى المتباكون ، بعدم جواز منع الدراجات (النارية) كونها مصدر الدخل الوحيد لفئة محدودة من الناس ، ويقول آخر جملته الشهيرة الخرقاء ، التي يطلقها ، كلما احتج البعض على ممارسة مجتمعية سيئة (كبائع متجول يقف بعربته وسط الشارع) : خليهم يترزقوا..! وقد يصرح متحاذق ثالث ، بضرورة تنظيم سير الدراجات بدلاً من منع استيرادها ، ونحن نقول : أليس دفع الضرر مقدم على جلب المنفعة..! أليست المصلحة العامة أولى وأهم من الخاصة ! أيعقل أن نسمح بأن يأتي (رزق) هؤلاء على حساب حياة وسلامة وأمن وطمأنينة كل من عداهم ..! ثم أليس ذلك النزر القليل مما تسمونه (رزقاً) ، لا يكفي حتى لعلاج (قادة) الدراجات أنفسهم ، بعد أن تصيبهم – عدى عن الغير – مختلف العاهات والإعاقات ، هذا إن سلمنا ببقائهم أحياء..!

ألا تعد فكرة تنظيم سير الدراجات وتوفير السبل الكفيلة بمنع جرائمها وتقليص سلبياتها ، وفرض قيود الأمن ووسائط السلامة عليها ، مسألة تخيلية عبثية لا أكثر ، حين نعلم أننا جميعاً نعيش اليوم على الرصيف ، فمقومات شوارعنا وطرقنا واحيائنا ومدننا ، عدى عن إمكانات حكومتنا البائسة وقوانيننا اليائسة ، لا يمكن لها أو لنا بحال القبول باستيعاب حركة تلك الكائنات الآلية اللعينة ، حتى أن شاعرنا أضحى يقول: من لم يمت بالسيف مات بدراجة نازية..!