السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١١:٠٤ صباحاً

السعودية واسرائيل: التقارب بين دول الجوار والجدار

د. أحمد عبيد بن دغر
الخميس ، ٠١ يناير ١٩٧٠ الساعة ٠٣:٠٠ صباحاً

يمن برس - د.مضاوي الرشيد


ليست المصالح السياسية الآنية فقط التي تجعل التقارب السعودي ـ الاسرائيلي امرا حتميا ظهرت ملامحه في الاشهر السابقة عندما توافق الطرفان في رؤيتهما السياسية خلال حرب لبنان الاخيرة، واشادت القيادة الاسرائيلية بالمواقف السعودية وتحولت الفتاوى السعودية الى مادة دسمة تستهلكها الصحافة الاسرائيلية، وتم الاعلان عن لقاءات سرية بين القيادات في الدولتين تحت مظلة وسيط عربي.

لهذا التقارب جذور وقواسم مشتركة تؤلف قلوب القيادات في كل من اسرائيل والسعودية. وليس قرار النظام السعودي انشاء جدار عازل بين السعودية والعراق الا رمزا لحالة التقارب الفكرية بين دولة صهيونية عنصرية واخرى عربية تشاركها بعض البنية الفكرية والخلفية التاريخية.

هذا التقارب نابع من مشتركات تجعل الكيان الاسرائيلي اكثر تشابها مع نظيره السعودي. لهذا التقارب عدة وجوه:

اولا: قامت دولة اسرائيل والدولة السعودية على علاقة متشنجة مع الدين. الاولى استغلت نصوصا قديمة دينية في سبيل مشروع حديث طعم بالفكر القومي الاوروبي وخاصة المتصل بمفهوم الدولة القومية وجمعها لشتات اليهود المنتشرين في العالم. وتصدرت اسرائيل تمثيل هؤلاء في المركز الجغرافي والذي يحمل الرمزية الدينية وبذلك يستطيع توحيد الصفوف. كذلك السعودية والتي قامت هي ايضا على تفعيل الخطاب الديني في مشروع سياسي بحت مستغلة بذلك رمزية الموقع الجغرافي وثقله عند المسلمين لتكسب شرعية ولو آنية حتي يتم تثبيت الدولة وهيمنتها. وبعد استتباب وتوطيد المشروعين السعودي والاسرائيلي نجد ان الدولتين ابتعدتا عن الخطاب التأسيسي الديني، مما ادى الى بروز اصوات منشقة تحاول اعادة المشروع الي جذوره الدينية واخرى ترفض المشروع ذاته. في اسرائيل تظل المجموعات الدينية متململة من علمانية دولة اعتبرتها سابقا مثالا حيا للمشروع اليهودي الاصل وكذلك السعودية حيث نجد ان بدايتها تزامنت مع تعالي الاصوات المنددة بتحول المشروع من مشروع ديني الى مشروع سياسي بحت انفصل عن خطابه التأسيسي الاول.

ثانيا: قامت الدولتان السعودية والاسرائيلية على تفعيل الخلاف بين جغرافيتين؛ الاولى جغرافية الداخل النقي الطاهر الذي يمثل روح المجموعة والخارج المعادي والاخر المتربص. ديمومة المشروعين الاسرائيلي والسعودي تعتمد على هذا الانفصال حيث تتكون نظرة للعالم وكأنه جاهز للانقضاض على الداخل الصافي. حدد صفاء الداخل بمصطلحات تعتمد على انتقائية النصوص الدينية وتفعيل نظرية الاختيار الرباني لمجموعة خارجة عن السياق التاريخي ومختارة من قبل الارادة الالهية لتفعل دورها في العالم. النخبة اليهودية المسؤولة عن تحقيق الاختيار الرباني تجد نظيرتها في السعودية حيث ان المشروع السعودي اعتمد على مفهوم الاختيار من اجل تحقيق بلورة الرسالة السماوية على الارض وتطهيرها من الشوائب والكفر والشرك. رسالة الدولة الاسرائيلية والسعودية تصبح مشروعا الهيا يعتمد في تحقيقه على مجموعة صغيرة مكلفة ومنتقاة من بين البشر. الحلم اليهودي بالعودة الى ارض الميعاد يقابله الحلم السعودي بتنقية الاسلام من شوائب وصفت وكأنها طغت على ممارسته. مفهوم العودة الى الارض ومفهوم العودة الى اسلام صائب يجعلان من الدولة الاسرائيلية مرآة لنظيرتها السعودية والعكس صحيح. العودة ترتبط بحالة تشنج دائمة ضد مخاطر وهمية ترسمها الدولتان ولا تستطيعان ان تتخلصا من نظرية الخطر المفترض والحتمي.

ثالثا: تقسيم الجغرافيا الى مناطق يقطنها الطاهر واخرى يقطنها المدنس تجد تكريسا صريحا في فكرة الجدار العازل الذي يفصل بين الجغرافيتين. اسرائيل تبني جدارا يفصل بين الداخل والذي يصور على انه تحت التهديد والخطر والخارج الفلسطيني مصدر الخطر. كذلك السعودية بجدارها ذي الكلفة المرتفعة يفصل ما يصور علي انه الداخل السعودي الآمن والخارج العراقي الملتهب. يقلب الجداران المعادلة وبينما اسرائيل هي المعتدية على الفلسطيني ومصدر الخطر الاول والاخير. كذلك السعودية فهي تاريخيا من امتد وتوسع في العراق عن طريق هجرات متتالية من الوسط السعودي الى الطرف العراقي تعود جذورها الى مئات السنين ارتبطت هذه الهجرات بعوامل اقتصادية تارة وعوامل تاريخية دينية. وان كان هناك خطر ما فهو كان يأتي من الداخل السعودي وليس من العراق تماما كما هي الحال في فلسطين، حيث ان اليهود اتوا من الخارج الى الداخل الفلسطيني ليشكلوا خطرا عليه. دول الجوار هي عادة مصدر هذا الخطر وليس المجموعات القاطنة خارج الجدار. تعزل اسرائيل الفلسطيني الاعزل وهي التي تقصفه يوميا والسعودية تعزل العراق وشعبه بينما نجد ان السعودي هو الذي هاجر الى العراق حاليا طلبا للجهاد. هذا المهاجر ليس الا امتدادا تاريخيا لحالات هجرة سابقة استوطنت العراق وبعضها غزاه طلبا لغنيمة يفتقرها في موطنه الاصل. تاريخيا غزت قبائل نجد العراق واستقرت به ولم يأت العراقي الى السعودية يوما ما وان اتى نراه وجد نفسه لاجئا في مخيمات صحراوية نائية يترقب عودته الى بلاده بعد صفقة سياسية تتم بين قيادات العراق السابق ونظيرتها السعودية.

رابعا: يتميز الكيانان الاسرائيلي والسعودي بالعنصرية اولا تجاه اطراف في داخل الكيانين وبين الكيان نفسه ومن هو خارجه. نجد ان في الداخل الاسرائيلي تمايزا بين اليهود انفسهم حيث يتصدر يهود اوروبا المقام الاول لانهم اصحاب المشروع منذ بدايته ويأتي اليهود الشرقيون والفلاشا وحتى الروس القادمون بعد اتمام المشروع في مراتب متدنية. ويشكل هؤلاء حلقات بعضها يعاني من التمييز والدونية التي تعبر عن ذاتها في الاقصاء والابتعاد عن مركز القرار السياسي والاقتصادي ورغم محاولات اسرائيلية لدمج هؤلاء الا ان التمايز والاقصائية لم يقض عليهما بعد بشكل تام. وفي الداخل السعودي نجد ايضا ان العنصرية والتمايز يلازمان تطور الدولة وتكريس هويتها الضيقة حيث تستثني وتستبعد هويات هامشية اخرى لم تكن ضمن الجوقة والتي يعتقد انها اختيرت وانتخبت الهيا لبلورة المشروع الديني الازلي. وكما في اسرائيل يبقي الجدل حاميا بخصوص من هو اليهودي الحقيقي الاصلي نجد ان في السعودية ايضا لا يصمت الجدل المختص بتعريف من هو المسلم الحقيقي مع الاستنتاج المسبق ان رعية الدولة الضيقة هي صاحبة الحق والكلمة الفصل في تحديد مواصفات هذا المسلم وخصائصه وصفاته.

خامسا: التقارب في الخصائص بين السعودية واسرائيل ينطلق من كون الكيانين نتجا عن العنف ضد الغير. قامت دولة اسرائيل علي عنف منظم تحت مظلة ومباركة خارجية (بريطانيا) حتى نتجت عن هذا العنف حركة توسعية تستمد شرعيتها من الدين وجنودها من المستوعبين للخطاب الديني او الانتهازيين الذين يقتنصون الفرص التاريخية وكذلك كانت السعودية منذ بدايتها دولة اعتمدت على الدعم الخارجي البريطاني والعنف المحلي لتثبيت مشروع متلبس بالدين ولكنه سياسيا بالدرجة الاولي.

لم ينشأ الكيانان عن عقد اجتماعي او تكافؤ اقتصادي بين اطراف جغرافية متفرقة او وحدة ثقافية بين هذه الاطراف بل قام الكيانان على العنف التوسعي وبسط الهيمنة بحد السيف وشرعية النص الديني المستغل للمشروع السياسي الآني. اسقطت ازلية النص على محركين آنيين من اجل الامتداد. ادى هذا العنف الى دول بلا حدود وحتى هذه اللحظة تظل حدود الدولة العبرية معلقة ومبهمة وكذلك حدود المد السعودي والذي انحصر جغرافيا على الارض الا ان مشروع الهيمنة السعودية يبقى عالميا لا يعرف مفهوم الحدود. التوسع السعودي والتغلغل في العالم العربي والاسلامي وحتى الغربي يجعل هذا الكيان مملكة بلا حدود والتوسع الاسرائيلي الجغرافي يظل عالقا على مقدرة الدولة دون تحديد لمساره المستقبلي لان ذلك يظل رهينة القدرة على استعمال العنف ضد الغير.

سادسا: يعتمد الكيان السعودي والاسرائيلي على العنصر الخارجي ليس فقط في بداية المشروع بل من اجل استمرارية هذا المشروع. حتى هذه اللحظة لا تستطيع السعودية او اسرائيل ان تقف على قدمين صلبين دون الدعم والمساندة من الخارج. هشاشة الكيانين تتطلب العنصر الخارجي لانهما مشروعان يتصفان بهشاشة الشرعية وتزويرها. تنبع هذه الهشاشة من تجنيد الخطاب القديم الديني في سبيل مشروع حديث لا يمت بصلة الى هذا الخطاب القديم وتنبع ايضا من تزوير الحقائق التاريخية وربطها بمحاولات لشرعنة العنف الموجه ضد الآخر. وبـــدون الدعم الخارجي المعنوي والمادي والعسكري تسقط المنظومة الاسرائيلية ونظيرتها السعودية ولا يبقي سوى كيانات مرتجفة تعتاش على تصوير نفسها وكأنها تكثيف لمعني الطهر والنقاء الذي يعاني من مخاطر ازلية وقوى شريرة تحاول النيل منه وتقويض دعائمه.

التقارب السعودي الاسرائيلي الحالي ما هو الا تقارب لكيانات تشترك في خصائص معينة تجعل من دول الجوار والجدار منظومة شاذة عن تاريخ الامم وتطورها الطبيعي.